حرب الآخرين في سوريا متى تنتهي؟

رئاسة الأسد الجديدة ما هي إلا نوع من النفاق الذي سيدمر ثقة الشعب السوري بنفسه.
نفض الجميع أيديهم من سوريا وتركوها طعما للإيرانيين
سوريا لن تبدأ مرحلة جديدة في مسيرتها السياسية لأن كل شيء سيبقى في مكانه
انتهت مبكرا حرب الأسد ضد خصومه كل ما يحدث انما هو حرب الآخرين على أرض سوريا

لم تُعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في سوريا مؤخرا البلد المنكوب إلى الواجهة ولم تكن مناسبة لتسليط الضوء على معاناة الشعب السوري المتفاقمة بعد أن صارت القسوة المبالغ فيها عنوانا لصلة العالم به وهو ما انعكس سلبا على الحياة اليومية للإنسان العادي الذي لم يعد يجد له مكانا في صراع، ليس هناك مَن يبحث فيه عن الغالب والمغلوب. فالنظام السياسي الحاكم في دمشق صار لا يأمل من مصيره أية رغبة في الانتصار اما معارضوه فإنهم مثله هزموا بعد أن أدوا أدوارهم في تدمير سوريا ومحو كل أسباب الحياة فيها.

لقد نفض الجميع أيديهم من سوريا وتركوها طعما للإيرانيين الذين يتم استنزافهم بطريقة منظمة من خلال ضربات إسرائيلية متقنة لم يعترض عليها أحد كونها تشكل خرقا لسيادة دولة هي عضو كان فاعلا يوما ما في المجتمع الدولي. ذلك ما لا تفكر فيه إسرائيل وهي تصفي حساباتها مع دولة لطالما تمنت موتها، وإن كان الطرفان يعرفان جيدا أن ذلك الموت لا يفارق اللافتات ولا يتخطى الألسن. إسرائيل تعرف أن الموت المؤجل الذي تهدد به إيران ما هو إلا بضاعة يسهل الترويج لها في السوق العربية كما أن إيران بدورها لا تسعى إلى خسارة عدو من نوع إسرائيل وهو عدو يمكن أن يجلب لها شعبية قد تخرجها من خندقها الطائفي.  

ما يهم في الأمر أن سوريا وبعد أن انتخبت رئيسها القديم الجديد فإنها لن تبدأ مرحلة جديدة في مسيرتها السياسية، ذلك لأن كل شيء سيبقى في مكانه من غير أن يمس التغيير جوهر الحياة. بل أن السوريين صاروا يطمحون إلى تغيير يمس قشرة الحياة بعيدا عن انهيار الليرة مقابل الدولار وهو ما يعني أن في إمكان الولايات المتحدة أن تشغل الحيز الذي ترغب فيه في إذهان وخيال وأحلام السوريين. ليس في إمكان الرئيس المنتخب بنزاهة وشفافية يُحسد عليهما أن يفعل شيئا على مستوى تغيير المعادلات السياسية. فالرئيس ليس لديه برنامج عمل سياسي وهو لا يحتاج إلى ذلك البرنامج. يصلح الأسد أن يكون رئيسا مثاليا لدولة نموذجية متوازنة في علاقتها بمواطنيها. ليت وجوده في الرئاسة كان رمزيا لأراح واستراح. تلك صورة مختلفة عن رئيس في لحظة يائسة، يعز فيها الحديث عن رئيس عربي.

ربما كان الأصعب في الانتخابات السورية قد تمحور حول الحملة الانتخابية للرئيس الأسد والتي أدارها فريق كان على الأسد شخصيا أن يستبعد أفراده من الحياة العامة خشية أن يلوثوها بالنفاق والكذب والخداع. لقد رأيت فيلما قصيرا يصور أحد شوارع دمشق وعجزت عن احصاء صور مرشح الرئاسة بشار الأسد التي كانت بمختلف الأحجام. هل اقتنع السوريون بسبب تلك الحملة أن لا سوريا من غير الأسد وأن الأسد هو الضمانة الأكيدة لبقاء سوريا. ولكن ما المقصود بسوريا؟ هل هي ذلك الركام من الخرائب التي تُذكر بالمدن العامرة بأهلها أم هي الملايين من البشر المشردين بين مدن النزوح ودول اللجوء وقوارب الموت؟ لقد أبقى الأسد سوريا على قيد الحياة. تلك فكاهة لا محل لها وسط المأساة السورية.  

علينا أن نرى المشهد كما هو. لقد انتهت حرب الرئيس الأسد ضد خصومه الذين هُزموا في وقت مبكر من تلك الحرب. كل ما حدث انما هو حرب الآخرين على أرض سوريا وهي حرب ستستمر في انتظار أن تولد معادلات سياسية في المنطقة. إذا فقدت إيران سطوتها فإن ذلك لا يعني أن سوريا ستستعيد مكانتها المفقودة، ذلك لأن إسرائيل ستملأ المكان الشاغر لا من أجل أن تبقى فيه بل من أجل أن تبقي النظام السوري أسيرا لحاجته إلى الحماية الخارجية ولكن اتفاقية سلام لن تمكن سوريا من الانتقال من مرحلة الاهمال إلى مرحلة الاعمار التي سيفرض الأسد من خلالها ضرورته على الشعب الذي أعاد انتخابه. فالأسد لن يكون ضروريا إلا إذا ارتبط وجوده باستعادة سوريا وقد صارت ورشة للاعمار.  

لا يكفي أن يكون الأسد قد خرج من الحرب رئيسا مُعادا. تلك طريقة كئيبة لصناعة رئيس رث لدولة فاشلة. سيكون على الأسد باعتباره رئيسا منتخبا أن يُحدث برامجه. فليس مقبولا أن تستمر حرب الآخرين على أرضه. عليه أولا أن يطهر أرض بلاده من الإيرانيين ليحق له في ما بعد الحديث عن عدوان إسرائيلي. تلك معادلة إن لم يتمكن من التحكم بها فإن رئاسته الجديدة ما هي إلا نوع من النفاق الذي سيدمر ثقة الشعب السوري بنفسه.