حرب محتملة أم صراع من أجل التسوية

الأميركيون ليسوا بلهاء لكي يتخلوا عن العراق.

هل سيشهد العراق نهاية للوجود العسكري الأميركي في وقت قريب؟ كل ما فعلته القوات الأميركية على مستوى اعادة انتشارها واخلاء قواعد عسكرية يدخل ربما في مجال توقع حدوث شيء ما.

ذلك الشيء يتردد الكثيرون ممن يهمهم الوجود الأميركي سلبا أو ايجابا في تسميته. يتفاءل البعض فيما يشعر البعض الآخر بالاحباط.

الميليشيات العراقية الموالية لإيران والتي وضعت على عاتقها مهمة القيام بازعاج القوات الأميركية من أجل دفعها إلى مغادرة الأراضي العراقية ليست مطمئنة إلى الحراك العسكري الأميركي. أو هكذا تشيع.

هناك مَن صار يتحدث علنا عن ضربة أميركية وشيكة، سيكون من شأنها أن تؤدي إلى قلب الأوضاع السياسية في العراق رأسا على عقب. ذلك يدخل في مجال توقع قيام انقلاب عسكري ينهي الهيمنة الشيعية على الحكم.

تلك كذبة مستهلكة.

وهناك في الجانب الآخر مَن يتوقع نقل المعركة إلى مكان آخر غير العراق من خلال لجوء القوات الأميركية إلى أسلوب الخروج الطوعي من الأراضي العراقية. وهو ما يمكن أن يفرغ شعار المقاومة الذي ترفعه الميليشيات العراقية من محتواه. فالعدو، اي عدوها لن يكون في الموقع المتاح. لذلك فإن مقاومته ستكون نوعا من التهريج الإعلامي.

الولايات المتحدة كما هو معروف غير عاجزة عن توجيه ضربات قاصمة إلى الميليشيات من خارج العراق. ذلك ما فعلته في أوقات سابقة. اما صواريخ باتريوت التي استقدمتها من أجل حماية قواتها في العراق فهي سلاح سيستعمل في حرب اقليمية واسعة، لن تكون الميليشيات طرفها الثاني.

ما يجب أن يكون واضحا بالنسبة للعراقيين أن الولايات المتحدة لن تدخل في حرب، الهدف منها انهاء الهيمنة الإيرانية من خلال القضاء على الميليشيات التابعة لإيران.

تلك نقطة ينبغي أن تكون واضحة.

أما الحرب مع إيران فهي مسألة مختلفة. لا تزال الولايات المتحدة تعول على العقوبات الاقتصادية التي تفرضها على إيران باعتبارها وسيلة للحد من سياسة الانفاق على الميليشيات التي تتبعها. غير أن الواقع يحبط التوقعات الأميركية. وهو ما يلزم حدوث تغير في الستراتيجية الأميركية.

لا يزال حزب الله ممسكا بالقرار السياسي في لبنان بالرغم من أن البلد ينزلق إلى هاوية الإفلاس. لا يزال الحشد الشعبي مهيمنا على القرار السياسي في العراق كما أن الحوثيين ما زالوا قادرين على قصف الاراضي السعودية بصواريخ إيرانية.

في خضم تلك الوقائع تبدو الولايات المتحدة كما لو أنها عاجزة عن الدفاع عن مصالحها في المنطقة بالرغم من أن تواجدها العسكري لا يمكن الاستهانة به. سواء كان ذلك التواجد منظورا على الأرض أو كان نوعا من الاضطرار إلى اللجوء إلى اعلان حالة الطوارئ.

القوات الأميركية ليست ضيفة عابرة في المنطقة.

تمني إيران نفسها في أن تحقق خرقا في العراق من خلال اجبار القوات الأميركية على المغادرة. ذلك نصر. وهو نصر مريب. ذلك لأن القوات الأميركية لا تخطط للإمساك بالأرض بقدر ما تسعى إلى استهداف عدوها الذي تمثل له تلك الأرض نهاية لأحلامه.

فالاميركان ليسوا بلهاء لكي يتخلوا عن العراق.

كما أنهم بالقوة تفسها غير مستعدين لتقديم تضحيات بشرية في إطار حرب بالوكالة تشنها ميليشيات يمكن أن تتبخر في أية لحظة تاركة معسكراتها خاوية إلا من السلاح الاميركي المنهوب من الجيش العراقي.

سيكون ذلك سببا كاف للبحث عن صيغة تبعد من خلالها القوات الأميركية نفسها عن مصادر الازعاج وفي الوقت نفسه تستعد لحرب حقيقية متوقعة.

ذلك ما يُقلق إيران ويدفعها إلى أن تراقب الاجراءات العسكرية الأميركية في العراق باعتبارها تمهيدا للانتقال بالصراع إلى مرحلة، لن يكون العراق فيها طرفا.