حرب من أجل لاشيء

يخون العالم ضميره حين يكتفي بقراءة الحرب باعتبارها حدثا سياسيا.

يشعر المرء بالكآبة حين يتحدث عن الحرب. وحين يتذكر أن هناك مَن سبق له وأن تحدث عن حرب عادلة يزداد كآبة، لأنه يعرف أن العدالة لا تسحق الأبرياء. العدالة لا تدمر المدن. وأخيرا العدالة لا لا تنهي أسباب العيش.

في السودان حرب أهلية وفي أوكرانيا حرب بين دولتين. فاجأ السودان العالم بحربه غير المتوقعة. غير أن وقع تلك المفاجأة لم يكن كوقع الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية الذي كان متوقعا.

يمكن للعالم أن يتعامل مع الحرب باعتبارها عبثا عابرا إذا ما وقعت خارج أوروبا لكنه لا يطيق عبثها إذا ما حدثت في أوروبا. ولم تكن أوروبا منطقة ساخنة في السياسة الدولية المعاصرة. اما لماذا اختارها العقل السياسي الغربي لكي تكون كذلك فذلك هو اللغز الذي ينبغي تفكيك أسراره بكآبة.

قبل السودان كانت هناك حرب في اليمن وسوريا. لا تزال الحربان قائمتين. ما تفعله ميليشيات إيران في منطقة الشرق الأوسط هو نوع من الحرب. بين حين وآخر تشن إسرائيل حربا محدودة على مدن فلسطينية لا ينظر إليها الغرب من جهة ما تمثله من تهديد للسلم العالمي.

وحدها حرب أوكرانيا هزت شباك السلم العالمي. أليس في ذلك نوع من التمييز؟ حتى في الحرب هناك تمييز بين حرب وأخرى، حسب المنطقة وحسب الدول. يبدو أن المصالح تتراجع في ظل تلك المقارنة الظالمة. شعوب تتم التضحية بها وليس مهما أن تحدث مجازر بشرية في مناطق بعينها تحت أنظار المجتمع الدولي كما حدث في تسعينات القرن الماضي برواندا. حرب أهلية تليها حرب من جنسها في أماكن أخرى من العالم المهمل عن قصد. حين وقعت الحرب الأهلية في العراق بعد أن خُطط لها اقليميا ودوليا كانت القوات الأميركية والقوات الدولية المتحالفة معها تراقب المشهد الدموي وتمتنع عن حماية المدنيين من القتل.

يخون العالم ضميره حين يكتفي بقراءة الحرب باعتبارها حدثا سياسيا. تلك قسمة غير عادلة. فالحرب ليست الأراضي الصماء التي يتم الاستيلاء عليها أو التخلي عنها. وهي ليست هزيمة جيش وانتصار جيش. هي قبل كل ذلك وبعده لا تمثل قيمة من قيم الحق ولا يمكن للجغرافيا أن تكون بديلة للإنسانية.

الحرب في جوهرها هي القتل والدمار والخراب والفظاعات والهمجية والوحشية وكل ما يتخندق ضد العقل البشري ويسلب الإنسان إرادة الخير وقوة البناء الحضاري. فما الذي ربحه الأميركان العاديون من غزو العراق وتدميره وإشاعة الفوضى في بنيته الاجتماعية والثقافية، ولكن السؤال الأقسى هو "ما الذي ربحه العراقيون الذين كانوا يأملون في أن يكون ذلك الغزو طريقهم إلى الحرية؟" سيكون ذلك السؤال محرجا لمَن لم يجد له مكانا وسط الكتل البشرية التي خرجت من العالم السفلي لتمارس الفساد في ذروته وتنهب ثروات بلد صار من غير لون ولا طعم ولا رائحة. لا يُوصف العراق بعد عشرين سنة من الحرب بالرجل المريض، بل هو مجرد شبح دولة لم تنل بعد شرف أن تكون دولة فاشلة.

إذا كانت روسيا قد غزت الأراضي الأوكرانية فإن الحرب هناك كانت واضحة وقد استطاعت أوكرانيا حتى الآن أن تدافع عن نفسها وأن تجمع العالم من حولها مستفيدة من عداء العالم الغربي لروسيا ولبوتين شخصيا. ولكن حرب العراق كانت حروبا متلاحقة، حرب تلد أخرى. حتى اليوم لا تزال الميليشيات الإيرانية تضع الحرب على الطاولة كلما شعرت بالخطر ولا يملك الشعب سوى الشعور بالخطر.

وقريبا من العراق هناك سوريا ولبنان. دولتان مزقتهما حروب لا نهاية لها. فما الذي نتج عن الحرب الأهلية في لبنان (1975 ــ 1990)؟ حزب الله هو وليد تلك الحرب وهو مشروع حرب على الداخل والخارج بالقوة نفسها. ميليشيا إيرانية تشعل حربا كلما شعرت إيران بالضيق. ولأن الزمن زمن حرب فقد كرست تلك الميليشيا وجودها داخل لبنان لتضع اللبنانيين أمام خيارين لا ثالث لهما. أما القبول بهيمنته أو الحرب. وليست الحرب السورية بعيدة عن لبنان. فالحرب في سوريا لن تنتهي. لا يريد العالم لتلك الحرب أن تنتهي بعد أن تحولت من صراع بين الحاكم والمحكوم إلى نزاع دولي على مواقع نفوذ دفع السوريون حياتهم ثمنا لها.   

هناك اليوم مَن يقول إن حرب أوكرانيا لن تنتهي. ولمَ لا؟ ما لا يراه الأميركان والأوروبيون حجم الخسائر البشرية ما دامت أوكرانيا نفسها قادرة على انهاك روسيا. ستكون الحرب نافعة دائما وإن كانت من أجل لاشيء.