حزب الله.. يريد من المؤامرة تشكيل الحكومة!

المؤامرة بالنسبة لحزب الله شرط لكي تستقيم سلطته ولكي يستقيم خطابه والمؤامرة هذه المرة شديدة الركاكة والرتابة لا تقنع دجاجة ولا تستقيم بمشهد إلا أنه لم يجد غيرها سبيلا للوقوف بوجه التظاهرات.

بقلم: حازم الأمين

ليس المشهد اللبناني اليوم مشهدا مستعادا من العام 2005 على ما تجهد آلة "حزب الله" الإعلامية أن تثبت كل يوم. زيارة سريعة إلى ساحة التظاهر تكشف ذلك، واستعراض أسرع للوجوه المشاركة وللشعارات المرفوعة وللوقائع اليومية ولخيم المعتصمين في الساحات يثبت ذلك أيضا.

الجهد المبذول كل يوم لمواصلة العمل بـ"كلن يعني كلن" من دون السقوط في إعفاء أحد من المسؤولية عن الانهيار هو دأب أهل التظاهرة وناسها. وعلى هوامش المشهد يظهر من يقول إن عودة سعد الحريري هي شرط الخروج من الساحة، لكن أيضا يظهر من يقول بضرورة تحييد "حزب الله" وسلاحه من الاستهداف.

والحال أن الجهد اليومي للإعلام القريب من السلطة ومن "حزب الله" لإعادة مشهد الانقسام بين 8 و14 آذار ليس مرده إلى قناعة ولا إلى مخاوف من أن ينقض خصوم الحزب التقليديون عليه، بل إلى رغبة في ألا يذوي هؤلاء الخصوم النموذجيون! فشرط انتصار الحزب وأهله وسلطته هو أن يكون في وجهه شركاؤه في 14 آذار، الشركاء الذين انتصر عليهم وأخضعهم ثم عاد وأشركهم في السلطة وفي الغنائم.

هؤلاء يعرف الحزب كيف يسوقهم وكيف يشاركهم وكيف سيعيد إنتاجهم بصفتهم الشريك الخصم. وهو اليوم يمارس هذه الرغبة على نحو واضح وجلي. يقول الحزب إنه يريد سعد الحريري رئيسا للحكومة. لا بل إنه يتهم الحريري بأنه جزء من المؤامرة طالما أن الأخير لا يريد أن يكون رئيسا. ويريد وليد جنبلاط أيضا، والأرجح أنه يفضل مشاركة جعجع، فعلى هذا النحو تعود السلطة لتنعقد إليه.

أما الساحة اليوم فهي جسم سياسي واجتماعي لم يألف الحزب مخاطبته. مركب غير منسجم من جماعات وخيارات وأمزجة التقت على حقيقة أن فشلا كبيرا وانهيارا وشيكا يجب أن تتحمل مسؤوليته سلطة تشكلت في أعقاب تسوية عقدتها قوى الانقسام.

في الساحة شيوعيون كانوا إلى الأمس القريب حلفاء الحزب، وفيها أيضا مهنيون قادمون إلى الاحتجاج من معاينتهم المباشرة لفساد السلطة، وفيها أجيال جديدة تقود التظاهرات ولا تمت إلى حساسية الانقسام بأي صلة. ومثلما فيها قريبون من قوى 14 آذار، فيها أيضا قريبون من ٨ آذار. الحساسية التي تحرك الناس مختلفة هذه المرة ومن الصعب التصويب عليها بصفتها حساسية طائفية أو انقسامية.

ولعل أكثر ما ارتد على "حزب الله" وعلى إعلامه هو تصويبه على المتظاهرين بصفتهم خصوم الأمس، ذاك أن ذهولا كبيرا أصاب المشاركين من غير خصومه عندما وصفهم بأنهم "عملاء سفارات".

كل هذه الخسائر تهون أمام مهمة "تصويب الانقسام" ورده إلى رشده وإلى طبيعته التي ولدت منها السلطة التي ينتفض اللبنانيون عليها. "أنتم عملاء سفارات"، وحين ينجح الحزب في تسويق هذا الاتهام في بيئته، يعود ليرد من اتهمهم إلى حديقة السلطة. لا يعرف الحزب أن يشارك غير "عملاء السفارات"! لا يستطيع أصلا أن يحكم من دونهم. عليهم أن يؤمنوا له حضورا في مجتمع "السفارات" وأن يغطوا الموقع الذي اختاره للبنان. من دونهم سيفشل في أن يُنجز سلطته. هذا حرفيا ما يحصل الآن. سعد الحريري عميل السفارة، إلا أنه مرشح الحزب الوحيد لرئاسة الحكومة!

لا يؤمن "حزب الله" بـ"المؤامرة"، ولا يخاف منها، لكنها شرط لكي تستقيم سلطته ولكي يستقيم خطابه. و"المؤامرة" هذه المرة شديدة الركاكة والرتابة، وهي لا تقنع دجاجة، ولا تستقيم بمشهد، إلا أنه لم يجد غيرها سبيلا للوقوف بوجه التظاهرة. ثم أن الأخيرة لم تمهله كثيرا لكي يجتهد ويُخرج فكرة جديدة حولها، فأشهرها بوجه من ليسوا خصوما وليسوا من أهل "المؤامرة".

أشهرها بوجه أسامة سعد مثلا، وبوجه تلفزيون الجديد، ناهيك عن شرائح جديدة وطلاب جامعات ورجال أعمال، لم يسبق أن كانوا من أهل "المؤامرة". وحاول الحزب أن يستدرك الخسائر بأن أطلق على هؤلاء وصف "المضللين"، وفي هذا استخفاف مضاعف بذكائهم وبأدوارهم وباعتقاداتهم.

لكن الأشد فداحة أن الحزب يريد أن تكون "المؤامرة" شريكته في السلطة. فاليوم يملك الحزب أكثرية نيابية تمكنه من أن يسمي رئيسا للحكومة وأن يمنحه الثقة، إلا أنه لا يريد غير الحريري، المنغمس في المؤامرة وعميل السفارة، رئيسا.

الانتفاضة اللبنانية قلبت المشهد الرتيب والبائس لخريطة القوى في لبنان، ولم تمهل هذه القوى وقتا لكي تلتقط أنفاسها. لكن الأهم أنها كشفت عجزا كبيرا لدى أحزاب السلطة عن السير في ركب زمن لا يصلح معه خطاب المؤامرة، في وقت ليس لدى هذه السلطة ما تقوله غير هذا الخطاب.

نُشر في شبكة الشرق الأوسط للإرسال