حسن حداد يقدم مشاهد من الواقع العراقي في معرض بعمان
عمان - يقدم التشكيلي العراقي حسن حداد في معرضه "تجارب وآفاق" المقام في غاليري الأورفلي في العاصمة الأردنية عمان، أكثر من ثلاثين عملا فنيا من مختلف القياسات، تشير إلى واقع الإنسان في ترحاله عبر أماكن عدة، محاولاً في كل مرة أن يتصالح مع المكان الحاضر من دون أن يلغي حضور المكان الماضي في ذاكرته.
ونقلا عن وكالة الأنباء العمانية، يقول حداد إنه يعدّ لوحاته بمثابة "يوميات" تعكس حالات إنسانية عاشها خلال تنقله وترحاله وهجرته، طارحا مفاهيم تتعلق بالغربة التي يعبّر عنها برسومات وتخطيطات غير منطقية ولاعقلانية، كأنما هو يرى أن الحياة في العمق منها مكونة من كل ما هو خارج حدود العقل والمنطق، الحياة قائمة على الغرائبية، وغرائبيتها تلك تعكس هشاشة الإنسان الذي لا يرى منها سوى جريانها الطبيعي وكأنها واحة أمن واستقرار.
يرسم التشكيلي العراقي مشاهد تعبّر عن الواقع العراقي الذي يعيش صراعات متتالية منذ عقود، مؤكدا أنه يحاول تقديم التجربة الإبداعية بعيدا عن أي رد فعل أيديولوجي مباشر، وبهذا يتحرر من أن تكون موضوعاته أو تشكيلاته ذات تفسير واحد، وينفتح بها على آفاق التأويل والتفكير.
ولد حداد في العراق في مدينة بلد عام 1962، ثم تنقّل بين عدد من المدن العراقية، وهاجر بعدها ليقيم في مدينة لايبزيغ الألمانية، وهناك حاول أن يجد "صيغة تصالحية" مع الغربة بمفهومها العميق، صيغة "تقوم على تقديم تنازلات"، لذا تبدو شخوصه على أسطح اللوحات ناقصة الأطراف، باحثة عن اكتمال وهمي غير متحقق، فهي إما فاقدة للكفين، أو لذراع، أو للقدمين، أو الرأس.
وتبدو شخوص حداد أيضا في حالة صراع وهي تغرق في سديم لوني قريب من كتل الضباب أو الدخان، عاكسة صراعا مع الذات في المقام الأول، كما نجد في رسومه التي تصور رجلاً يجلس في حالة تأمل للجدار الذي أمامه، أو آخر تخرج من رأسه سحابة تطوق الجسد، أو ثالثا يبدو كما لو أنه شظايا تنغمس فوق سطح مرآة متكسرة.
تسبح الشخوص في لوحات حداد الذي درس التصميم الطباعي في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد، في فضاءات لونية باهتة، من الأخضر والأزرق والبرتقالي، فتبدو الأشكال كما لو أنها معتَّقة بفعل تقادم الزمن، يحيل بعضها إلى كائنات أسطورية أو شعبية تعيش داخل حكايات الجدات، أو تأتي عبر الأحلام والكوابيس، يجلبها الفنان من بعدها الأسطوري لتجسد مواقف في الحياة العادية، كما لو أنه بذلك يشير إلى أقنعة الإنسانية التي ما إن تتوارى حتى تظهر خلفها وجوه أقرب للتوحش والرعب.
تتداخل شخوص حداد بمشاهد مصورة للمدينة، فقد يظهر الجسد جالسا على الأريكة، بينما باقي اللوحة عبارة عن كولاج لمشاهد من المدينة كالبيوت أو الأثاث أو الزخارف.. وهي تتجه نحو الرمز والإيحاء، وتقترب حد تخوم السوريالية والغرائبية.
ووفقا للناقد العراقي فاروق يوسف، فإن الفنان "يؤكد بذلك طريقته العميقة في العيش والتفكير، وهي طريقة يسعى الرسام إلى التبشير بها عن طريق الرسم، وهو ما يعني أن فكرته عن الحياة هي ذاتها فكرته عن الرسم.. فكرة حاول أن يمزج من خلالها الألم السري الذي يشعر به الغريب في مواجهة مشاهد تنطوي على الكثير من الأسرار، وسعادة أن يكون كائنا جديدا هو جزء من تلك المشاهد التي أنقذته من طاحونة الحروب".
ويضيف أن حداد "يرسم المدينة لا ليصفها، بل ليجد من خلالها مدخلاً إلى جنته التي ما تزال الكوابيس تسكن بعض أجزائها، وهو ما لا يملك أن يقاومه باعتباره كائنا شقيا لا يغمض عينيه على مشاهد سعيدة".
التشكيلي العراقي حسن حداد أقام عدة معارض شخصية بينها "أين يجب أن نذهب؟" في جمعية الفن في بايرويت / ألمانيا عام 2018، "التطابق مع المتغيرات" بجمعية الفن في أوتوبرون/ ألمانيا 2016، و"العامل البشري" غاليري فيلي سيته مرسبورغ / ألمانيا 2014، وكان آخرها "تجارب وآفاق" بغاليري الأورفلي في العاصمة الأردنية عمان والذي أقيم خلال الفترة من الثاني إلى السادس عشر من يوينو/حزيران الحالي.