حصان طروادة للجماعة.. وأخواتها

أعضاء من التيار المدني الذي جعل من نفسه مطية لجماعة الإخوان أن الشعارات الصارخة التي يرفعونها لا تصل إلا لمستهدفيها من قادة الجماعة.

بقلم: أمينة النقاش

ظهر على الساحة السياسية المصرية في الآونة الأخيرة فريق من النشطاء في أروقتها، سمى نفسه من باب الدلع والتهويش وخلط الأوراق (التيار المدني).

والتسمية كما تبدو قد تبعث على الإيحاء بأنه ليس من بين التيارات الدينية، لكنه في واقع الأمر خليط يضم في صفوفه منتمين للأحزاب الدينية فضلاً عن أحزاب ناصرية وشخصيات حقوقية وأخرى قومية وثالثة ثورية، المشترك الوحيد بينهم هو معارضة النظام القائم لصالح جماعة الإخوان.

والترويج لإعادة دمج الجماعة في معترك الحياة السياسية من جديد، ليغدو هذا التيار حصان طروادة الذي يحمل لافتة مدنية تروج لعودة الجماعة بفكرها الإرهابي وأموالها الطائلة، بزعم أنها من بين التيارات السياسية في المجتمع.

والمشترك الثاني بينهم أن معظمهم من بين من باتوا يعرفون بعاصري الليمون، الذين احتشدوا في فندق فاخر في القاهرة. لكي يعلنوا تأييدهم لمرشح جماعة الإخوان في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة ضد منافسه في عام 2012.

وبعدما تبين فداحة الاختيار الذي أقدموا عليه، برروا لمنتقديهم ذلك بأنهم عصروا على أنفسهم ليموناً، لكي يتحملوا وهم متضررين التصويت لمرشح الجماعة.

ومعنى ّذلك أنهم كانوا مجبرين لا مخيرين، لكي تسقط دولة مبارك، كما صاح أحدهم بفرح جنوني، عقب فوز مرشح الجماعة !

ما يؤكد أن هؤلاء مازالوا يعصرون الليمون، ولم يشفوا بعد من داء إدمانه، أنهم لم يتوانوا عن استغلال مناخ التشوش الذي أشاعته الجماعة وأخواتها عن الثورة القادمة في 25 من يناير، لتقتلع ما يسمونه «نظام العسكر» وتعيدهم كقوى «مدنية» إلى حكم البلاد مرة أخرى وهو ما ينطوي على كذبتين في آن واحد، أنهم ثوار ومدنيون.

فقادوا طوال شهر يناير حملات تروج لشائعات لجلب السخط على الحكومة المصرية. ولأنهم لا تنقصهم الذرائع للهجوم عليها، فالسبب هذه المرة هو الاحتفال القومي بالعيد الثامن والستين للشرطة المصرية.

ويعد هذا العيد صفحة ناصعة في تاريخ مصر المعاصر. ففي 25 يناير 1952، تلقى ضابط الاتصال المصري في منطقة قناة السويس إنذاراً من قائد قوات الاحتلال البريطاني يطلب فيه أن تسلم قوات الشرطة المصرية في مدينة الإسماعيلية أسلحتها لقوات الاحتلال، وتنسحب من المدينة إلى القاهرة.

كانت حركة الكفاح الشعبي ضد قوات الاحتلال البريطاني قد أخذت في التصاعد عقب أن ألغى رئيس الحكومة مصطفى النحاس معاهدة 1936، قبل هذا اليوم بنحو أربعة أشهر وقال أمام مجلس النواب جملته الشهيرة: من أجل مصر وقعت تلك المعاهدة ومن أجل مصر أقوم اليوم بإلغائها.

رفض مسؤولو مدينة الإسماعيلية الإنذار، وحثهم وزير الداخلية آنذاك فؤاد سراج الدين على مقاومته، فحاصرت قوات الاحتلال مقر المديرية ودارت معركة مسلحة بين رجال الشرطة وجيش الاحتلال انتهت باستشهاد خمسين جندياً مصرياً وجرح العشرات منهم، وهي ملحمة وطنية باهرة تدعو للتباهي والفخر وليصبح هذا اليوم عيداً لكل المصريين. لكن «التيار المدني» يرى غير ذلك.

فالاحتفال به ذريعة حكومية لصرف الأنظار عن الاحتفال الشعبي الذي لم يحدث، بثورة يناير، وأن السلطة القائمة معادية لتلك الثورة، مع أن الرئيس السيسي يحذر في مناسبات عدة من أضرار مواصلة السجالات التي تسعى لوضع حراكي يناير ويونيو في مواجهة بعضهما البعض. ولأن المثل الشعبي المصري يقول الغرض مرض، فمثل هذا السجال لن يتوقف في كل المناسبات الوطنية.

وهدفه لم يعد يخفى على أحد، هو مواصلة الضغط على الدولة لإجراء مصالحة مع جماعة الإخوان كشرط أساسي للكف عن معارضته في الكبيرة والصغيرة.

ما يتجاهله أعضاء ذلك التيار المدني الذي أدمن الجعجعة دون طحن، و جعل من نفسه مطية لجماعة الإخوان، أن الشعارات الصارخة التي يرفعونها لا تصل إلا لمستهدفيها من قادة الجماعة.

وبجانب ذلك تزيدهم كل يوم عزلة عن واقع أضحى يتغير بوتيرة عالية، وأنهم اصبحوا عاجزين أو غافلين عن إدراك أن المشكلة في مصر ليست بين الدولة والجماعة.

بل بين الجماعة والمجتمع الذي أعاد بناء دولته بالدم المسفوح على مذبح إرهابها، والدموع التي سالت والجماعة تغامر بمقدرات الدولة، لخدمة مشروعها العثماني، والكفاح الذي لا يتوقف لتبقى مصر «أم الدنيا، أد الدنيا».

نُشر في البيان الإماراتية