حظ السودانيين بين العسكر والمعارضة

ينبغي أن يتفهم السودانيون أن الخروج من نظام البشير لن يكون إلا بداية صحية مشوبة بالارتجال لبناء نظام سياسي جديد.

بالرغم من وقوع بعض الحوادث هنا وهناك فإن الأوضاع الأمنية في السودان لا تزال تحت السيطرة. وهو ما يحسب للمجلس العسكرى وقوى المعارضة معا. ذلك لأن الطرفين بذلا كل ما في وسعهما لتفادي الصدام ومن ثم الوقوع في فخ صراع ستكون نتائجه وخيمة على الشعب السوداني.

في ظل ذلك التفاهم الضمني كان من الممكن أن تنشأ تفاهمات معلنة، على أساسها يمكن أن تبنى سياسة المرحلة المقبلة التي صار من الواضح أنها لن تبدأ إلا من خلال تعاون الطرفين وأن طرفا واحدا لن يتمكن بالانفراد بتلك المرحلة، بغض النظر عنما خطط له.

ما يدعونا إلى الرهان على نجاح التعاون المستقبلي بين الطرفين الحقيقة المزدوجة التي مفادها أن حركة الاحتجاجات الشعبية بالرغم من سعتها ما كان في إمكانها أن تصل إلى هدفها في اسقاط نظام الرئيس السابق حسن البشير لولا وقوع الانقلاب العسكري من داخل النظام ومن ثم اعلان العسكر عن إمساكهم بزمام الأمور.

الوجه الثاني لتلك الحقيقة يكمن في أن ذلك الانقلاب ما كان له أن ينجح لولا استناده على حركة الاحتجاج التي وجدت فيه ثغرة في جدار النظام، اطمأنت من خلالها إلى أن الجيش الذي لن يُستعمل ضدها سيكون قادرا على تفكيك النظام من داخله بروية وهو ما لا يقوى أحد على القيام به،

ذلك المستوى العالي من التفاهم عززه قبول العسكر بتقديم عدد من التنازلات التي تصب في مصلحة المعارضة المدنية من جهة اختصار المرحلة الانتقالية وتوسيع المشاركة المدنية في قيادة تلك المرحلة.

ولقد صار جليا أن الطرفين كانا قد رحبا بالمبادرة الاثيوبية بل أنهما وافقا على معظم بنودها. وفي ذلك يمكن القول إن الطرفين سعيا لإنجاح تلك المبادرة لأنهما يدركان إن فشلها معناه العمل على اختراع جدار غير ضروري من شأن وجوده أن يفصل بين العسكر والمعارضة المدنية ويقود إلى وقوع أزمة من غير حل، شبيهة بالأزمات المستعصية التي تشهدها دول عربية أخرى وفي مقدمتها ليبيا.

عبر الطرفان عن شعور عميق بالمسؤولية حين تقدما خطوات في اتجاه الحل من خلال استعدادهما للقبول بالمبادرة الاثيوبية. هو ما يمكن النظر إليه باعتباره تطورا إيجابيا في الوعي ومن ثم الرغبة في الوصول إلى حل، سيكون في كل أحواله عنوانا لمرحلة انتقالية، يكشف من خلالها الطرفان عن مدى قدرتهما على صناعة وضع مستقبلي آمن.  

صحيح أن الخروج من الأزمة بعد التخلص من نظام، كان من الممكن أن يستمر بالعبث بحياة السودانيين إلى وقت غير منظور أمر ضروري وملح غير أن الضروري والملح أيضا أن يتفهم السودانيون أن ذلك الخروج لن يكون إلا بداية صحية مشوبة بالارتجال لبناء نظام سياسي جديد.

لقد تمكن العسكر من الإيفاء بواجباته في الحفاظ على الدولة. تلك نعمة ينبغي أن ينظر إليها السودانيون بقدر من الاجلال والاحترام. فلو لم يقم العسكر بواجبهم لما كان في إمكان المعارضة الحديث عن مرحلة انتقالية في ظل فوضى، لا يمكن التكهن بتداعياتها.

بعد كل ما جرى فإن الدعوة إلى الاستمرار في الاعتصامات والاحتجاجات من قبل المعارضة لا يمكن النظر إليها إيجابيا. هناك من يحاول افشال نتائج العمل والوعي المشتركين. من الصعب القبول بالمنطق الذي يشير إلى وجود مندسين. وهو ما صار يلح على عقل العسكر. فالمعارضة هي التي تدعو علنا إلى استمرار الاحتجاجات.

المعارضة لا تثق بالعسكر. ذلك أمر معروف. غير أنه صار على تلك المعارضة أن تثق بتفاهمات تتم في إطار دولي. فلا يمكن لإثيوبيا أن تتحرك من غير ضوء أخضر من قبل الاتحاد الأفريقي المعني بشكل مباشر باستقرار الأوضاع في السودان.

لذلك سيكون من الخطأ الفادح أن تستمر المعارضة في استعمال الجماهير من أجل استمرار الضغط على العسكر الذين كشفوا حتى هذه اللحظة عن قدرة عالية على ضبط النفس ايمانا منهم بدورهم الوطني.

بصريح العبارة يمكنني القول إن السودانيين محظوظون بعسكرهم غير أنهم لم يكونوا كذلك بمعارضتهم.