حكايات الصين الخرافية والأسطورية والشعبية والتراثية

"كنوز الأدب الشعبي الصيني" سلسلة تجسد شخصية الشعب الصيني وموروثه الحضاري والتاريخي والفكري.
السلسلة تعكس ما تضمه في كتبها الأربعة من حكايات شيقة الحكمة الفريدة للشعب الصيني منذ قديم الزمان
كتاب "الحكايات الشعبية الصينية" يشمل الكثير من الحكم والمبادئ التي ترسخ للأخلاق الطيبة
كتاب "الحكايات الأسطورية الصينية" يحوي الكثير من الغرائب المليئة بالخيال والمبالغات والخوارق
كتاب "الحكايات التراثية الصينية" يعزز المشاعر الإنسانية والعلاقات بين الأفراد وما حولهم من الطبيعة 
كتاب "الحكايات الخرافية الصينية" تبعث حكاياته على الحس والتأمل في العلاقة بين الحيوانات والجماد، بل بين الإنسان والحيوان

"كنوز الأدب الشعبي الصيني" سلسلة أدبية للقصص والحكايات التراثية الصينية، تتشكل من أربعة إصدارات هي "الحكايات الشعبية الصينية"، و"الحكايات الأسطورية الصينية"، و"الحكايات التراثية الصينية"، و"الحكايات الخرافية الصينية" وتحتل جميعها مكانًا مهمًا في حياة المجتمع الصيني، فضلًا عن أنها بمثابة مفتاح للتعرف على الشخصية الصينية وفهمها، وهي بوابة شيقة لدخول عالم الأدب الناشئة في الصين، لا سيّما أن الأسلوب الفصيح والسرد الشيق، والخيال التصويري الرائع يضع القارئ من كل الأعمار في عوالم الأدب الشعبي الصيني القديم. وقد جمع وحرر هذه السلسلة الصادرة عن مؤسسة بيت الحكمة شيانغ يون جيوي وترجمها عن الصينية، د.داليا طنطاوي، وآية عبدالله، وعصام إيدام.
تجسد السلسلة شخصية الشعب الصيني وموروثه الحضاري والتاريخي والفكري، حيث أصبح أبطال الكتب الأربعة علامة بطولية تراثية في قلوب الأجيال المتعاقبة والتي ترسخ مجموعة من القيم والمبادئ في نفوس الناشئة، حيث تعزز هذه الحكايات الخيالية وأبطالها قيم الشهامة والصدق والشجاعة والدهاء والفطنة والعدل وعمل الخير وغيرها، وذلك عبر أسلوب سردي شيق، يشتمل على عناصر ما زالت تتوافق مع فكر ووجدان المتلقي في عصرنا الحديث. 
وووفقا لمحررها وجامعها شيانغ يون جيوي تعكس السلسلة ما تضمه في كتبها الأربعة من حكايات شيقة الحكمة الفريدة للشعب الصيني منذ قديم الزمان، حيث يشمل كتاب "الحكايات الشعبية الصينية" الكثير من الحكم والمبادئ التي ترسخ للأخلاق الطيبة، ويحوي كتاب "الحكايات الأسطورية الصينية" الكثير من الغرائب المليئة بالخيال والمبالغات والخوارق، أما "الحكايات التراثية الصينية" فيعزز المشاعر الإنسانية والعلاقات بين الأفراد وما حولهم من الطبيعة عبر القصص التي تشبه حكايات الأجداد التراثية القديمة، أما كتاب "الحكايات الخرافية الصينية" فتبعث حكاياته على الحس والتأمل في العلاقة بين الحيوانات والجماد، بل بين الإنسان والحيوان، حيث تقوم حكاياته على حوار الحيوانات في إطار أدبي أشبه بقصص "كليلة ودمنة" الشهيرة. والكتب الأربعة تعكس بشكل كبير تشابه المفاهيم الكلاسيكية للقيم الأخلاقية لكل الشعوب وتعبر بشكل واضح عن جوهرها وتعد نقطة التقاء تتجمع فيها الشعوب في إطار أدبي شيق.

الوحش أسود الرأس هو أصل البشرية القديم؛ لهذا، لم يَبْقَ على جسد الإنسان اليوم إلا شُعَيرات قصيرة

وأكد أن الكتب الأربعة تعد موروثًا حضاريًا فريدًا وجزءا مهما من الثقافة الصينية التقليدية، وهي بمثابة بوابة دخول إلى فهم الحضارة الصينية العريقة، ومعايشة أغوار الفلسفة الصينية الكلاسيكية، فهي أدب شعبي وملهاة فريدة ابتدعها الصينيون في شكل رسائل متجددة تحمل أشكالا وسمات مختلفة تربط بين الماضي والحاضر وتتنقل بشكل حي من جيل إلى آخر، وتتطور على مر العصور.
نماذج من الكتب
الذئب والحمل
كان هناك حمل صغير ابتعد عن القطيع في غفلة منه؛ بينما هو يرعى على الحشائش، وجد نفسه بجانب ضفة نهر جبلي، وشاهد الماء صافيًا؛ وما إن مدَّ رقبته ليتمتع بشربة ماء حتى لاح أمامه فجأة ذئب متوحِّش؛ تقدَّم الذئب ووقف أمام ذلك الحمل الصغير الوحيد، تعتريه رغبة جامحة في أكله؛ لذا ومن أجل إيجاد حجة لأكله، تفرَّس فيه؛ ومن ثَمَّ قال له بتجهُّم: "كيف لك أن تجرؤ على تلويث مياه النهر بينما أنا أشرب! لقد عكَّرْتَ مياه النهر كله، كما لو أنه لا يهمك ذلك".
قال الحمل مدافعًا عن نفسه: "أنا لم أُلَوِّث مياه النهر! فإن تعكَّرت فليس لي أدنى فكرة بذلك، بالإضافة إلى أن مياه النهر تتدفَّق من أعلى إلى أسفل، وإنك موجود في الجانب العلوي للنهر، ولا أرى أن مياه النهر تتدفق حيث أنا في "الجانب السفلى" عكسيًّا في الاتجاه العلوي حيث تقف! فكيف لك أن تقول: إنني قد عكَّرْتُ مياه النهر؟".
رأى الذئب أن مخطَّطه لالتهام الحمل لم ينجح، فجاء بحُجَّة أخرى قائلًا: "إذن، حتى إن لم تكن مخطئًا حيال هذا الأمر، إلا أنني قد سمعتُ أنك حمل خبيث، وتجرَّأت على شتمي من وراء ظهري؛ فقد قمتَ في العام الماضي بشتمي، أما زلت تذكر ذلك أم لا؟ وبعد أن سمعتُ بهذا فكَّرتُ في البحث عنكَ لأستوضح حقيقة الأمر منك، واليوم لحسن الحظ قد تصادفت معك هنا".
بعد أن سمع الحمل ما قاله سارع بالشرح قائلاً: "أيها الذئب، كيف لي شتمك العام الماضي؟ وأنا لم أولد حينها بعد".
نظر إليه الذئب بعين نهمة، ولم يعد يكترث لما يقوله الحمل من كلام منطقي، فقال له بشكل متعجرف: "وُلِدْتَ أو لم تُولد، فلا شأن لي بذلك؟ فلن أسمح لكَ أن تقول مثل هذا الكلام الذي لا فائدة منه بعد الآن! ولا بد أن ألتهمك اليوم! حتى إن لم تفعل أنت أشياء سيئة إلا أن والديك قد فعلا أشياء سيئة، وفي حقيقة الأمر سوف أعُدُّك مثل والديك حتى إن لم تفعل".
ما إن فرغ الذئب من حديثه، حتى فتح فمه واسعًا وانقض على ذلك الحمل المسكين؛ فقال الحمل متوسِّلًا وهو يصارع للنجاة بين فكي الذئب: "أنا لا أدري حقًّا ما تلك الأشياء السيئة التي قام والداي بفعلها، أتوسَّل إليك أن تصفح عني".
قال الذئب وهو مكشر عن أنيابه: "أنا أيضًا لا أدري ما الأشياء السيئة التي فعلتها، أو التي فعلها والداك؛ ولكن كل ما أعلمه هو أنك مكتنز بشحم كثير، وتبدو شهيًّا جدًّا؛ فهذه هي الأشياء السيئة التي فعلتها! لذا لا بد أن آكلك".
التهم الذئب المتوحش الحمل الصغير.
ومن هنا علينا أن نعلم جميعًا أن الطيبين هم دائمًا غير منطقيين بالنسبة إلى السيئين.

النمل الأصفر المنقذ
في صبيحة أحد الأيام، اصطاد الأسد - ملك الغابة - أيلًا أحمر كبيرًا سمينًا مكتنزًا، وجلس مع الملكة "اللبؤة" يتناولانه في وجبة الإفطار بكل سرور؛ أطبقت اللبؤة فكَّيْها على عظم مُلِئَ باللحم والعصب قد استعصى عليها، فحاولت تمزيقه جاهدة بكل قوَّتها وهي تهز ذيلها الطويل، وتنفض رأسها نفضًا؛ ولاستخدامها كل قوتها فقد مزَّقت العظم أخيرًا فطارت قطعة منه لتتهاوى داخل أذن الأسد؛ شعر الأسد على الفور بالطرش وبألمٍ لا يطاق يداهم رأسه؛ فحاولا إخراجها باستخدام كل الوسائل من مخالب وفم ولسان؛ إلا أنهما قد فشلا في إخراجها، وقضيا يومًا كاملًا استنفدا فيه كل الطرق؛ بيد أنهما لم ينجحا في إخراجها أيضًا؛ لذا قرَّرا دعوة الفيل أكبر حيوانات الغابة حجمًا لتقديم المساعدة.
سارع الفيل على الفور لتقديم المساعدة بعد سماعه للخبر، وعلى الرغم من استخدامه طرقًا عديدة فإنه لم ينجح أيضًا في إخراجها؛ بعدها دعا الأسد العديد من الحيوانات الكبيرة في الغابة لتقديم المساعدة؛ ولكن لم يتمكَّن أحدٌ منهم من إخراج قطعة العظم تلك من أذنه؛ فأخذ الألم مأخذه من الأسد، ولمْ يستقرَّ له قرار، ولمْ يعد يأكل أو يشرب، وأخذت صحَّته تتدهور وحالته تسوء يومًا بعد يوم حتى وهن جسمه.

غمر اللبؤة إحساس كأنَّ سكينًا يخزُّ قلبها، وارتسمت الكآبة على ملامح وجهها، وظلَّت تدور حول الأسد وهي تفكِّر فيما ستفعل محدثة نفسها: "ما العمل؟ ما العمل؟ لقد دعونا كل حيوانات الغابة بيد أنها جميعًا لم تستطع إخراج العظمة؛ فمَنْ بقي ولم نقم بدعوته؟ مَنْ يمكنه إخراج العظمة؟"؛ ومِنْ ثَمَّ صاحت فجأة: "وجدتُها، وجدتُها! أيها الملك، إننا لم نَدْعُ النمل الأصفر بعدُ، فربما لديه طريقة، ألا يجب علينا دعوته ولنرَ ماذا سيفعلون؟" فكان الشك يغمر الأسد حيال رأي اللبؤة فقال لها: "ماذا؟ النمل الأصفر؟ أخشى أن هذا ليس ممكنًا، فالحيوانات الأكبر حجمًا لم تجد طريقة، فما الذي يمكن أن يكون في جعبة هذا النمل الأصفر الصغير حتى يقدمه لنا؟" قالت اللبؤة مصمِّمة على رأيها: "حتى إن لم يكن باستطاعته المساعدة أم لا فلْنَدْعُه يأتِ أولًا ويحاولوا، فلا يمكننا أن نعاني الشقاء هكذا في انتظار موتك". لبَّى النمل الأصفر نداء ملك الغابة، فحث بخطاه آناء الليل وأطراف النهار قاطعًا الجبال والأنهار حتى وصل؛ فسأل زعيم النمل الأصفر مستوضحًا الأحوال، وبعدها قال مطمئنًا الأسد واللبؤة: "لا تقلقَا ولا تخافَا، سوف نقوم بتخليصه من هذا الألم". وبعد أن فرغ من حديثه أحضر بقية النمل وبدؤوا بالتسلق نحو أذن الأسد، وفتَّتُوا العظم، وحملوا فتاته خارج أذن.
وهكذا، فلم يمض يوم واحد حتى أخرجوا العظمة التي دخلت أذن الأسد بالكامل.
كان الأسد واللبؤة في غاية الامتنان، فظلَّا يردِّدان عبارات الشكر والعرفان؛ قال الأسد وهو مفعم بالمشاعر الجياشة: "بغض النظر عن مَنْ تكون، فلا يمكنك لأنك ملك أو مسؤول كبير أن تعتقد أنك لا تُقهر، وأن تحتقر وتظلم الضعفاء؛ أنا على سبيل المثال، فعلى الرغم من أنني ملك الغابة، وأملك قوة جبارة وقدرات جمة؛ فإنني حينما تعرَّضت لمحنة لم ينقذني منها سوى النمل الأصفر؛ أصغر الحيوانات حجمًا".

لِمَ يخلو جَسَدُ الإنسان من الشَّعْرِ؟
(قومية التبت)
في قديم الزمان، لم يكن في هذا العالم ما يسمَّى بالبشرية، وكان مختلف الحيوانات البرية تسكن الغابات البِكْرَ، الكثيفةَ المُتَراصَّة؛ كان من بينها حيوان يُدْعَى الوحش ذا الرأس الأسود، وكان كبقية الحيوانات، يبحث عن الكلأ كل يوم داخل الغابات.
وفي أحد الأيام؛ بينما النمر والأسد والدب مجتمعين، إذ بملاك يهبط من السماء، كان في يد الملاك قطعة لحم تسمَّى "المعرفة"، وقال: "مع أنكم - أيتها الحيوانات البرية - تبحثين يوميًّا عن الطعام من أجل البقاء على قيد الحياة، فلا سبيل لأن تتطوَّري في المستقبل؛ إذ لا يملك أحدُكِ أدنى قدر من المعرفة؛ أمَّا لو أكلتِ قطعة اللحم التي في يدي؛ فسوف ترتقي حياتكِ بالتأكيد؛ فلتقتسميها بالتساوي، وليأكل منها الجميع". قال قوله ذلك ثم عاد إلى السماء. 
اجتمعت الحيوانات كلها بعد ذلك لتناقش كيفية توزيع لحم المعرفة، واتفقوا على أكلها بالترتيب وفق الرتبة المعروفة لكل منها، وحينما اصطفَّ الجميع بالترتيب؛ اكتشفوا أن ذا الرأس الأسود لم يَصِلْ بعدُ، فمَن منهم يذهب لإحضاره؟ وكَّل النَّمِرُ الدُّبَّ، فوكَّل الدبُّ القردَ، وفي النهاية ذهب الأرنب؛ قال لهم الأرنب: "إنْ ذهبتُ لمناداة ذي الرأس الأسود، فستقضون على قطعة لحم المعرفة، ولن أجد منها شيئًا حالَمَا أعود، فلآكل منها أولًا قبل أن أغادر". وافق الجميع، وأكل الأرنب، واكتسب قَدْرًا مُحَدَّدًا من المعرفة؛ فغادر وهو راضٍ كل الرضا. كان يفكِّر في أثناء سيره، ويقول لنفسه: "باستثناء ذي الرأس الأسود، فإن هذه الحيوانات البرية الأقوى مني، تجور عليَّ دائمًا، فلأفكِّر اليوم في فكرةٍ تُمَكِّن ذا الرأس الأسود وحده من الاستئثار بقطعة لحم المعرفة".
سار الأرنب طويلًا، إلى أن صادف الوحش ذا الرأس الأسود؛ قال له الأرنب: "لقد أعطى الملاكُ اليوم جميعَ الحيوانات البرية قطعةَ لحم تُدْعَى المعرفة، وباستثنائك أنت، فقد أكل كل منهم نصيبه منها، وجميعهم الآن أعينهم على نصيبك، ويقولون: إنْ لم تظهر قريبًا، فسيلتهمون حصَّتَكَ".
شكره ذو الرأس الأسود في الحال، وهمَّ إلى قطعة لحم المعرفة؛ ولمَّا رأى الجميعَ حول نصيبه منها، قفز وانقضَّ عليها، والتهمها كُلَّها؛ ذُعِرَت بقية الحيوانات وغضبت غضبًا شديدًا، وقرَّرت قتل ذي الرأس الأسود وأكل لحمه؛ كان الوحش ذو الرأس الأسود في تلك اللحظة قد امتلك قدرًا كبيرًا من المعرفة، وقال: "ظننت أن هذه القطعة لي؛ فأكلتُها، ولم أكن بالتأكيد على علم بأن أحدًا لم يأكل منها بعد، والآن، إذا قُتلت وأكلتم لحمي؛ فلن تكون هناك فائدة من قطعة لحم المعرفة التي أعطاني إياها الملاك؛ لذلك أرجوكم فكِّروا في عقاب آخر".
اقترحت الحيوانات اقتلاعَ شَعْرِ جسده عقابًا له، وهكذا حدث بالفعل؛ إذ راحوا ينتزعون شعره وهو جالس لا حول له ولا قوة، ويحجب رأسه بيديه، فكانت النتيجة أن بقي شعر رأسه لم يُنْتَفْ؛ هذا الوحش أسود الرأس هو أصل البشرية القديم؛ لهذا، لم يَبْقَ على جسد الإنسان اليوم إلا شُعَيرات قصيرة.