حكاية الرجل الذي يطوي صفحة فساده بنفسه

هل يُعقل أن يفتح اللصوص باب المساءلة القانونية على أنفسهم من خلال التضحية بنوري المالكي؟

ألا يزال نوري المالكي مختار عصره في مكانه المتخيل رجل العراق القوي وعراب العملية السياسية وصانع حكومات؟

من المحتمل أنه لا يزال رجل إيران الأول في العراق. وهو أمر مشكوك فيه، في ظل حاجة إيران إلى مَن يسندها من داخل التوليفة الحكومية المستقبلية.

المالكي بما حصده من مقاعد في مجلس النواب لن يكون صاحب قرار سياسي مؤثر. إضافة إلى أن سياسيي الشيعة في العراق وكلهم مقربون من إيران كانوا قد صنعوا مسافة تفصلهم عنه منذ أن خسر فرصته في الولاية الثالثة التي استولى عليها وريثه الحزبي حيدر العبادي.

المالكي اليوم مثل حاضنته إيران هما في أسوأ أوقاتهما.

لذلك لن ينفع المالكي إيران في شيء ولن تكون هي الصدر الحنون الذي يلجأ إليه مثلما فعل يوم فر إليها عام 2014 بعد أن شعر ان الأمور كلها في بغداد قد انقلبت ضده.

ولكن هل تتخلى إيران عن المالكي فتسهل عملية اقتناصه ليمثل أمام القضاء القضائي بتهمة التفريط بالسيادة الوطنية؟

الطبقة السياسية في العراق التي تتألف من انتهازيين ووصوليين وفاسدين واميين ومنقطعي الصلة بالوطنية ترغب في التخلص من المالكي في أسرع وقت في محاولة منها لطي صفحة الرجل الأكثر فسادا في التاريخ البشري الذي كان وجوده في الوقت نفسه غطاء لكل عمليات الفساد التي بنت من خلالها تلك الطبقة ثرواتها الخيالية خارج العراق.

غير أن أحدا من أفراد تلك الطبقة لن يجرؤ على المطالبة بتقديم نوري المالكي إلى القضاء وإن كانت التهم التي تدينه جاهزة تحت الأيدي.

لذلك فإن إيران لن تكلف نفسها بحمايته.    

الطبقة السياسية التي تكرهه وتسعى إلى عزله وابعاده بل والاستغناء عن خدماته هي مَن ستعمل على حمايته.

لقد كُثر الحديث طوال الأربع سنوات الماضية عن الفساد فهل نطق أحد ما باسم المالكي وهو عراب الفساد التاريخي الذي استطاع أن يؤسس تقاليد للفساد يُعتقد أنها ستكون راسخة إلى درجة أنها ستكون مرجعا لبرامج أية حكومة عراقية، بغض النظر عما تفكر فيه تلك الحكومة.

لقد أحكم الفساد طوقه على رقبة العراق وما من أحد في إمكانه أن يفك ذلك الطوق. تلك هي خطة المالكي الذي ساعدته ثمان سنوات من الحكم المنفرد على تنفيذها في ظل دعم أميركي ــ إيراني مشترك.

لقد صفق له الجميع ومشوا وراءه.

كانوا فاسدين مثله. ولأنه كبيرهم الذي علمهم الفساد فقد كان ماهرا في تسجيل لحظات سقوطهم وانحطاطهم الأخلاقي والسياسي. هو الذي يعرف كل شيء عن الفتية المرحين الذين سرقوا البلاد بإشرافه.

فهل يُعقل أن يفتح اللصوص باب المساءلة القانونية على أنفسهم من خلال التضحية بنوري المالكي؟

لقد تمت التضحية به، لكن في حدود بقائه صامتا.

إنه اليوم رجل هامشي بشرط أن يرضى بتلك الصفة ليذهب بعدها إلى غيابه. وهو ما يعني أن لا أمل في محاكمته.

ماكنة الفساد التي ركبها المالكي بنفسه لا تزال تعمل بانضباط ومن غير أي خلل. لو افترضنا أن إزالة تلك الماكنة صار ممكنا فإنها ستأخذ معها جزءا من العراق وحشودا هائلة من العراقيين.

بهذا المعنى فإن سقوط المالكي عن طريق محاكمته يعني سقوط الطبقة السياسية التي حكمت العراق بعد عام 2003 وهو ما يعني بالضرورة سقوط العملية السياسية الرثة التي صنعتها الولايات المتحدة بعد الغزو.

في كل الأحوال فإن المالكي سيُصار إلى اخفائه، كما لو أنه لم يكن. هو في حقيقته رجل نكرة، اتاحت له سلطات الاحتلال أن يدمر العراق. لذلك فإن غيابه المتوقع لن يدفع أحدا للسؤال عنه.

الفاسدون الذي حولهم زعيم حزب الدعوة من مستفيدين من نظام الرعاية الاجتماعية في بلدان اللجوء إلى أباطرة مال، تمتد عقاراتهم من هونغ كونغ إلى ميامي لن يكلفوا أنفسهم عناء ذلك السؤال.

فهم يدركون أن الرجل بالرغم من عبقريته الاستثنائية في مجال إشاعة الفساد في المجتمع العراقي واضفاء لمسة عدوانية طائفية على كل شيء لم يكن سوى دمية في مسرح عرائس يتحكم به لاعبان هما الأميركي والإيراني.

ولأن العراق لم يتحرر بعد من هيمنة اللاعبين ولن يقوى على القيام بذلك في وقت قريب فإن نوري المالكي سيطوي صفحته رضيا مرضيا. لن يمسه أحد وهو من جهته بعدد أن قلمت الانتخابات الأخيرة أظفاره لن يتمكن من خدش أحد.