حلم الغرب بربيع عربي أسود

ثمة مراهنة غربية مريبة على الفوضى في الشرق الأوسط.

بالرغم من نتائجه الكارثية التي لا تزال تداعياتها تتفاعل في غير بلد عربي فإن "الربيع العربي" لا يزال يحظى باحتفاء حماسي من قبل مؤسسات صحفية وقنوات فضائية ومنصات الكترونية عالمية عملت ولا تزال تعمل على بث الروح في فكرته التي صارت أشبه بالجثة وإعادة تأهيله والعمل على تأثيثه بأدوات وأسباب جديدة.

ما يُقال اليوم تعليقا عما يجري في السودان والجزائر من أن الاحتجاجات التي يشهدها البلدان هي اشارة انبعاث للربيع العربي ليس إلا جزءا من ذلك الاحتفاء الذي لا يلتفت أصحابه إلى ما لحق بسوريا من خراب مادي وإنساني، وما تعيشه ليبيا من ضياع لهويتها الموحدة بين أطماع القبائل وما يدفعه اليمنيون من كلفة باهظة نتيجة لاستيلاء فريق طائفي على ثمرة نضالهم من أجل اسقاط نظام الرئيس علي عبدالله صالح.

في ظاهرها تبدو تلك الحماسة بريئة الطوية غير أن النظر إليها بإمعان وفحص خلفياتها لابد أن يقودنا إلى مواقع الخبث فيها.

لقد تمت شرعنة وقائع شاذة، كان من الممكن أن لا تجد مسوغا لوقوعها لولا ذلك المصطلح الذي وضعته وسائل الإعلام الغربية قيد الاستعمال.

فتحت شعار "نصرة الربيع العربي" نظمت الحملة الجوية الغربية على ليبيا والتي أدت إلى اسقاط نظام معمر القذافي وتسليم البلد للتيه.

وفي إطار حماية الربيع العربي سارعت الشركات الأمنية الغربية إلى تنظيم أكبر حملة لنقل مئات الجماعات الإرهابية إلى سوريا وهو ما أدى إلى أن تنتقل سوريا من مرحلة الأزمة السياسية إلى مرحلة الحرب التي فتحت الأبواب لتدخل دولي واسع النطاق.

وفي السياق نفسه كان هناك تضامن اعلامي دولي مع جماعة الإخوان يوم سحب منهم الشعب المصري شرعية الحكم بعد سنة واحدة من حكمهم. وكان واضحا أن ميدان رابعة بالقاهرة قد حظي باهتمام وسائل الإعلام العالمية باعتباره المكان الأخير في العالم الذي تختبر فيه الديمقراطية قوتها.

لقد أسف الغرب لفشل جماعة الإخوان في حكم مصر. كما لو أن قدر الشعب الذي انتفض من أجل حريته وكرامته أن يخضع لسلطة الإخوان الدينية بكل ما تتميز به من شمولية واستبداد واقصاء وعبث بكل مكتسبات المجتمع المدني عبر العصور.

لم يخف الغرب تململه من حالة التراجع التي عاشتها حركة النهضة في تونس بعد أن نجحت في أن ترث ثورة الياسمين. لذلك لم تعمل دول غربية، عُرفت بعلاقتها المتميزة بتونس على دعم الاقتصاد الاقتصادي، الامر الذي أدخل البلاد في أزمات، كانت حركة النهضة المستفيد الوحيد منها.

وفي خضم كل الكوارث الإنسانية التي حملها الربيع العربي إلى الدول التي ابتليت به لم نسمع سياسيا غربيا ينطق بالحقيقة فيصف ما حدث بـ"الربيع الأسود".

صار النظر إلى صور المدن المهدمة والحديث عن تزايد أرقام القتلى ومراقبة موجات النازحين الذين وصلوا أو الذين ماتوا في الطريق كما لو أنها ممارسة طبيعية تقوم بها منظمات الإغاثة الدولية التي صار موظفوها بمثابة شهود صامتين على ما أنتجه الربيع العربي من كوارث إنسانية.

لم يتساءل أحد في الغرب السياسي "ما هذا الربيع الذي ينفث سموما ويضخ موجات من القتلى والنازحين والمعذبين؟"

ولو اكتفى الغرب بذلك الصمت لهان الأمر، غير أن هناك جهات غربية لا تزال تحلم بانبعاث جديد لذلك الربيع الذي تم دفنه تحت ركام الأحياء التي تم تدميرها في حلب.

لا يزال هناك مَن يعزف على أوتار الربيع العربي ولا يخفي غضبه على المملكة العرية السعودية لأنها تعمل على تحديث نفسها والانتقال بشعبها إلى العصر الحديث لتكون في مستوى دورها القيادي في المنطقة.

أمر مؤسف فعلا أن يكون الغرب الديمقراطي بهذا المستوى من الوضاعة حين يتعلق الأمر بالعالم العربي. فهو بالرغم من احتكاره لمسألة الحرب على الإرهاب لا يرى حلا لمشكلاتنا إلا من خلال ربيع أسود تنتزعه جماعات الإسلام السياسي من فصول السنة ليكون جحيمها.