حين أغلق المغاربة القوس على الربيع الاخواني

ألا يعني ما جرى أن هزيمة الاخوان هي هزيمة لمشروع غربي قديم؟

وجدت تنظيمات الاخوان المسلمين بمسمياتها المختلفة في الانتصار المريب والملتبس الذي حققته حركة طالبان مناسبة للأمل.

ومهما بلغ حجم ذلك الأمل الذي تقف وراءه خزائن مالية ضخمة هي منجم كل هذا الضجيج الاخواني فإنه لا يعوض الخسارة العظمى التي تمثلها نجاة مصر وخروجها من القفص الاخواني.

بفقدان مصر خسر الاخوان التاريخ والجغرافيا معا.

مصر بالنسبة لهم هي القاعدة التي من دونها يظل كل انجاز ناقصا بل ومعرضا للانهيار. بدأ تاريخهم هناك واعتقدوا يوم قطفوا ثمار الحراك الشعبي الذي اطاح بنظام حسني مبارك أن مسيرة اجتياح العالم العربي قد بدأت من المكان المناسب. وكانوا محقين في ذلك.

فمصر هي قلب العالم العربي. مَن يسيطر على ذلك القلب يتمكن من التوسع بيسر إذا كان لديه في الخارج مَن هو على استعداد لتلبية ندائه. كان الربيع العربي في أوج ازدهاره يوم حكم الاخوان مصر. لذلك ظنت القوى التي ساندت الأخوان ومولتهم ورعت خلاياهم أنها مسألة وقت. وهو ما جعل الاخوانيين يفقدون حذرهم التقليدي وينزعون الأقنعة ليعلنوا عن برامجهم الحقيقية في اخضاع المجتمع واعادة تهذيبه والحد من الحريات الشخصية التي هي من وجهة نظرهم مصدر الفساد الاخلاقي واعادة النظر في المفاهيم الوطنية.

يومها قطع الاخوان شعرة الخديعة التي كانت تصل بينهم وبين المجتمع وظهروا على حقيقتهم، دعاة تجهيل وافقار مادي وروحي وعقلي وجمالي ومعادين لأبسط حقوق الإنسان ومناهضين للدولة الوطنية.

يوم تحرر المصريون منهم كان واضحا أن الزلزال الذي ضربهم سيتسع تاثيره المدمر وهو ما دفع دولا في الشرق وفي الغرب إلى تعبئة وتجنيد وسائل اعلامها للدفاع عن ما سُمي بشرعية محمد مرسي والتنديد بما سُمي بانقلاب عبدالفتاح السيسي. لقد جُندت في سبيل ذلك الهدف قنوات فضائية وصحف عالمية لم يخفت ضجيجها حتى اللحظة، بالرغم من أن الواقع فرض حقائقه الراسخة التي تؤكد أن مرسي لم يكن رئيسا بل هو يد اخوانية تحكم مصر بقوة إرادات أجنبية تعود إلى الدول التي ينعم الاخوان بأموالها.

نجت مصر فصار الربيع العربي عاريا.

اليوم حين هُزم حزب العدالة والتنمية المغربي في الانتخابات التشريعية بطريقة تنطوي على قدر من الاذلال الذي مارسه الشعب في حق الحزب الحاكم فإن القوس الذي فتحته مصر أغلقه المغرب. لقد انتهى ربيع الإسلاميين أو ما سُمي بالربيع العربي. هُزمت التنظيمات الارهابية في سوريا وانتهى الليبيون إلى أن يتوافقوا مضطرين بعد أن اكتشفوا أن الاتكاء على الجماعات الإسلامية معناه الاستمرار في الحرب إلى ما لا نهاية. اما راشد الغنوشي وجماعته في حركة النهضة بتونس فقد أزالهم من الخارطة السياسية قرار واحد من الرئيس قيس سعيد. كذلك فإن السودان اهتدى الى الطريق التي لا يُسمح لاخواني واحد في ارتيادها.

كان هناك مَن يحلم في أن يكون وارثا للربيع العربي في المغرب. ولم يكن ذلك الحلم ليشكل خطرا على الحياة الديمقراطية هناك مادام الحالمون ملتزمون بالقانون وبإطار الحريات السياسية المتاحة. من هذا المنطلق وجد أخوانيو المغرب فرصة نادرة في تصريف شؤون دولة يحكمها القانون ولها وزنها في العلاقات الدولية. غير أن نزعتهم الاخوانية ظلت تعتمل في أعماقهم وهو ما عبروا عنه من خلال استقبال اسماعيل هنية زعيم حماس السياسي كما لو أنه زعيم دولة.    

كانت تجربة الاخوان في حكم المغرب فاشلة على جميع الأصعدة ولولا أن الدستور كان صارما في مراقبة الصلاحيات ولولا أن الدولة المغربية كانت أكثر صلابة من أن تُخترق لكانت نتائج حكم الاخوان كارثية. فهي المرحلة التي هي أكثر فسادا في تاريخ المغرب السياسي.

الأخبار السعيدة أتت من المغرب. لقد أغلق المغاربة القوس على الربيع الاخواني. يقول اعلام الاخوان وهو اعلام عالمي متمكن ومهيمن إن الثورة المضادة للربيع العربي قد انتصرت في محاولة للايحاء بأن نضالات الشعوب قد تم القضاء عليها. فـ"شعوب هذه المنطقة لا يمكن أن تحكم إلا من خلال العقائد الدينية" ذلك ما تقوم عليه فكرة المستعمر البريطاني التي أورثها للولايات المتحدة باعتبارها رأس حربة الغرب.

لو أن الرئيس الفرنسي ماكرون يملك حرية القول لاعترف أن الولايات المتحدة تقف مع هيمنة حزب الله على لبنان. وفي اليمن كان مبعوثو الامين العام للامم المتحدة يصطدمون بالجدار الأميركي الذي يحتمي به الحوثيون اما في العراق فإن المعادلة هي الأكثر مأساوية. لقد وهبت الولايات المتحدة البلد بكل ما فيه إلى إيران من غير شرط.   

ألا يعني ما جرى أن هزيمة الاخوان هي هزيمة لمشروع غربي قديم؟