حين صنعوا من رغد صدام حسين شبحا مخيفا

إيران حاولت توظيف مقابلة تلفزيونية واللغو الذي صاحبها لمصلحتها حين أشعلت فتيله الطائفي كما لو أن رغد صدام تجهز جيشها للانقضاض على دولة الشيعة.
إيران استفادت من المقابلة أكثر من قناة العربية
يكفيها فقط أن يكون أسمها رغد صدام حسين ولا شيء آخر
العراق الذي تعرفه رغد مضى من غير رجعة والبعث صار مجرد فزاعة

في اللقاء المتسلسل الذي أجرته معها قناة العربية لم تكن رغد صدام حسين موفقة في بعض اجاباتها وبالأخص في ما يتعلق بالسياسة.

فإذا كان القدر قد زج بها فجأة في عالم السياسة فذلك لا يعني أنها قد تمكنت من لغة ذلك العالم بكل أكاذيبها وحيلها ومراوغاتها وأقنعتها.

لقد تكلمت تلك السيدة المفجوعة على المستوى الإنساني بعفوية ما درجت عليه في حياتها يوم كان والدها زعيما للعراق.

الهفوات الكثيرة التي ارتكبتها هي انعكاس للتربية اليومية التي تلقتها في عائلة كان رأسها هو رأس العراق الذي ارتكب أخطاء كثيرة لم يكن قادرا على التراجع عنها أو الاعتراف بها.

وبالرغم من هالة العظمة التي أحاط الرئيس العراقي الراحل نفسه بها فقد ظهرت رغد باعتبارها شخصا عاديا يمكن نسيانه ما أن يمر عابرا.

"تلك المرأة" سيُقال من أجل التذكير بها. فهي لم تقل شيئا مؤثرا ولم تفاجئ محاورها بمعلومة يمكن اعتبارها سبقا ولم تثبت أنها كانت في مستوى الصيت الذي بلغته مقابلتها التي حققت نسب مشاهدة غير متوقعة.
لقد تابعتها الملايين التي تحب ببلاهة والملايين التي تكره بعمى. ذلك انتصار لقناة العربية وهو ما يكفي. اما الحديث عن أجندات سياسية فكله هراء في هراء.

رغد ليست رقما في أية معادلة سياسية. ذلك معروف. بالرغم من أنها حاولت أن تضفي على نفسها نوعا من الغموض وهو تصرف لم ينم عن ذكاء. كما أن العراق الذي تعرفه مضى من غير رجعة. اما حزب البعث فإنه مجرد فزاعة يستعملها الإيرانيون في الأوقات المناسبة لهم.

لهذا يمكن القول إن إيران استفادت من تلك المقابلة أكثر من قناة العربية.

وإذا ما كان هناك مَن يؤكد أن الامور في العراق قد فلتت من القبضة الإيرانية بعد احتجاجات تشرين الشبابية، فإن إيران استطاعت أن تستفيد من الهفوات اللغوية التي ارتكبتها السيدة رغد لتلوح بعودة البعث. وهي تلويحة ترعب الكثير من البسطاء ممن ارتكبوا أخطاء في حق الدولة العراقية بعد عام  2003 أو المستفيدين بطريقة غير شرعية من انهيار الدولة.

ما سعى الإيرانيون للتغطية عليه من خلال قناة "العالم" التي تقدمت صفوف المهرجين حقيقة، أن الرئيس العراقي الراحل قد استبعد عائلته من عالم السياسة وهو ما ورد في كلام السيدة رغد علنا وضمنا بالرغم من أنها في أجزاء من اللقاء رغبت في أن تنسب إلى نفسها دورا سياسيا، ليس أكبر منها حسب، بل ايضا هي ليست مؤهلة له ولا يناسبها.

فهي لا تعرف إلا ما يعرفه الناس العاديون عما جرى في العراق.

وهي إن كانت عاجزة عن طبع مذكرات الرئيس صدام حسين فلأن تلك المذكرات لا تحتوي على أية معلومة مفاجئة. اما إذا كتبت مذكراتها فإنها لن تقول شيئا مفيدا كما أتوقع.

يكفيها فقط أن يكون أسمها رغد صدام حسين. لا يوجد شيء آخر.

كل الضجيج الذي أحيطت به المقابلة ليس سوى لغو فارغ. غير أن إيران حاولت توظيف ذلك اللغو لمصلحتها حين أشعلت فتيله الطائفي كما لو أن رغد صدام تجهز جيشها للانقضاض على دولة الشيعة.

لقد هالني أن الكثير من المثقفين قد تم تمرير اللعبة عليهم. وهو ما دفعني إلى الكتابة. فأنا أعرف إيران وما يمكن أن تفعله بعقول البسطاء. ولكن أن يصل الأمر إلى عقول المثقفين فتلك نكبة كبرى.

كان من الأولى بالمثقفين العراقيين أن ينتبهوا إلى أن تلك السيدة قد ظُلمت مرات عديدة في حياتها ويتعاملوا معها بشيء من الرأفة.

لقد زوجها والدها وهي قاصر في دولة كان ذلك الوالد قد منع تزويج القاصرات فيها. اما حين اضطرت أن تتبع زوجها في هروبه من العراق فإنها وقفت حائرة وضعيفة بين قوتين. وهي الواقعة التي أدت إلى أن يقتل الوالد الزوج. هل كان عليها أن تفرح أم تحزن؟

وأخيرا وجدت نفسها في المشهد وحيدة بعد أن تم قتل والدها وأخويها باعتبارها الأبنة الكبرى لرجل أحبته الملايين. هناك شعور فائض بالرمزية لا يمكنها التخلي عنه لتعيش حياتها العادية. يعز عليها أن تعترف أن والدها قد حرمها من الشعور بأنها أبنة ملك سابق. كان صدام حسين موظفا في الدولة العراقية. لقد قالت بشكل عفوي غير مرة "إنه يذهب إلى الدوام". بالنسبة لأولاده كان صدام حسين يذهب إلى الدوام باعتباره موظفا.

لم تقل رغد صدام حسين ما يُخيف غير أن الدعاية الإيرانية صنعت من أسمها شبحا مخيفا. هو الشبح نفسه الذي يقض مضاجع اللصوص والقتلة.