حين يبكي الأميركان على المرأة الأفغانية

لا يُعقل أن تتحول الحركة الظلامية إلى حركة تنويرية.
يبكي الأميركان اليوم على أحوال المرأة الأفغانية وهم الذين سلموها إلى قتلتها
لم يقل أحد إن القوى العسكرية الأعظم على كوكبنا قد هُزمت أمام واحدة من أسوأ الحركات الظلامية

ما الذي كانت تنتظره الولايات المتحدة من حركة طالبان وهي تتخلى عن أفغانستان بعد سنوات طويلة من الحرب الدامية؟ لقد قيل يومها إن طالبان تغيرت ولم يتم توضيح مظاهر ذلك التغير. البعض في أوروبا كان قد تفاءل في أن تكون طالبان المعاصرة صارت حركة تتبنى مبادئ الديمقراطية. كان ذلك البعض يكذب كالعادة من أجل تمرير الهزيمة الأميركية ولم يقل أحد إن القوى العسكرية الأعظم على كوكبنا قد هُزمت أمام واحدة من أسوأ الحركات الظلامية.

حين انسحب الأميركان لم تكن تقديراتهم خاطئة. ليس هناك مجال لربح تلك الحرب. لذلك فقد كان الاستمرار فيها يعني بالنسبة لهم مزيدا من القتلى، مزيدا من الخسائر المادية. كانت حرب استنزاف أثبتت حركة طالبان أنها قادرة على الاستمرار فيها ومقاومة المحتل إلى ما لا نهاية من غير أن تؤثر عليها خسائرها أو تحيد بها عن هدفها في استعادة دولتها التي انهارت قبل أكثر من عشرين سنة. ولو كانت الولايات المتحدة تملك شيئا من الأمل في بقاء الحكومة التي نصبتها هناك لما سحبت قواتها. ما فعلته الولايات المتحدة عبر العشرين سنة الماضية كان نوعا من العبث بحياة الشعب الأفغاني.

ليس صحيحا القول إن الولايات المتحدة كانت تظن بأن حركة طالبان ستغير نهجها الظلامي حين تستعيد كابول. وإذا وافقنا على ان ذلك الظن كان حقيقيا فإننا نحكم على الولايات المتحدة بالغباء والسذاجة والتفاهة. ذلك الحكم ليس حقيقيا. فالولايات المتحدة تملك أكبر أجهزة للمخابرات والدراسات الأمنية والإستراتيجية التي تعرف ما يُخفى من الحقائق. ليس من الصعب على تلك الأجهزة اختراق حركة طالبان ومعرفة ما الذي تخطط له لو أنها استعادت الحكم ووضعت الشعب الأفغاني مرة أخرى في قبضتها. تعرف الولايات المتحدة أن طالبان المستقبل هي نفسها طالبان الماضي. لا يُعقل أن تتحول تلك الحركة الظلامية إلى حركة تنويرية. تلك سذاجة تصل إلى درجة الفكاهة.

لقد تماهت طالبان مع تلك الفكاهة السوداء بحيث صارت تطالب بأن يهبها العالم منحا ومساعدات من أجل أن تنفذ مشروعها الظلامي بحجة مساعدة الشعب الأفغاني الذي ستزداد أحواله على مختلف المستويات سوءا. ستكون أفغانستان أشد فقرا وستعود المرأة إلى مستنقع الجهل وستغلق الأبواب في وجوه الشباب. لن يكون هناك مستقبل وسيُحرم الأفغان من رؤية العالم. تلك هي أفغانستان التي حاربها الأميركان واعتقدوا أنهم انتصروا عليها. وتلك هي أفغانستان التي هزمتهم بعد أن ضجروا من أكاذيب الأمل التي أطلقوها. لقد أتعبتهم أفغانستان. هم يقولون ذلك من غير أن يتذكروا أنهم دمروها وقتلوا آلافا من شبابها ونسائها وأطفالها وشيوخها. لن يسأل الأميركان أنفسهم "ما الذي فعلناه لكي يحق لنا أن نعيد أفغانستان كما لو أنها هدية إلى الحركة الارهابية." لقد احتلوها من أجل الخلاص من تلك الحركة وانقاذ الشعب الأفغاني منها.     

 كان الاحتلال حدثا مؤلما وليس انهاء الاحتلال أقل إيلاما.

الولايات المتحدة اليوم مستاءة لأن حركة طالبان منعت النساء من التعليم. ما هذا الشعور الرقيق؟ كما لو أن أحدا لم يكن يتوقع أن طالبان ستعود إلى شريعتها المعادية للنساء. لقد قضت الولايات المتحدة سنوات وهي تتفاوض مع حركة طالبان في الدوحة ولم يعرف أحد ما الذي كانت تتفاوض أجله. ألم تكن أحوال المرأة والتعليم حاضرة على طاولة تلك المفاوضات؟ ربما فكرت الولايات المتحدة بالانسحاب بطريقة هادئة وهو ما لم توافق عليه حركة طالبان التي تأكد لها أنها ستهزم عدوها بطريقة صادمة وهو ما حدث بما يشبه الفضيحة. تعبر الولايات المتحدة عن صدمتها هي تكذب في ذلك. لقد تم تسليم أفغانستان إلى حركة طالبان لأنها كان يجب أن تُسلم وليس لأن المحتل قرر إنهاء احتلاله بعد أن انتهت أسباب ذلك الاحتلال.

كانت المرأة ضحية ذلك الاحتلال. وهي ضحية ثقافته وضحية هزيمته. يدرك الأميركان أن المرأة هي هدف مركزي في ثقافة طالبان. اضطهاد المرأة وقمعها وحرمانها من التعليم ومنعها من العمل هو فقرة أساسية من دستور دولة طالبان غير المكتوب. تلك مسألة يعرفها الأميركان الذين احتلوا أفغانستان ونظموا مفاوضاتهم من أجل أن تكون هزيمتهم أقل وطأة. لم تكن المرأة الأفغانية تهمهم بقدر حرصهم على أن يجملوا هروبهم من ذلك البلد الجريح.  

يبكي الأميركان اليوم على أحوال المرأة الأفغانية وهم الذين سلموها إلى قتلتها.