حين يكون الفساد رجلا بعينه

المالكي نجح في تدمير الحلم الذي راود العراقيين في قيام الدولة من جديد.

إذا لم يكن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي فاسدا فهو سياسي فاشل. ارتبط فشله بمأساة كبيرة دفع الشعب العراقي ثمنها الغالي.

غير أن القبول باستمراره جزءا من المشهد السياسي هو دليل على فشل النظام السياسي في العراق برمته.

ذلك لأنه من غير المعقول أن يُسمح له بالقيام بزيارة رسمية إلى الكويت في ظل ما يشهده العراق من احتجاجات شبابية، هي انعكاس لسياساته التي دمرت الاقتصاد بعقود مليارية هي عبارة عن صفقات سرية ابتلعت المال الذي كان مخصصا لمشاريع التنمية وإعادة اعمار البنية التحتية وتوفير فرص العمل للشباب الذين كانوا يحلمون بولادة عراق جديد.

صحيح أن المحتل الأميركي كان قد حطم الدولة العراقية غير أن الصحيح أيضا أن المالكي نجح في تدمير الحلم الذي راود العراقيين في قيام تلك الدولة من جديد، كما لو أنه جاء بمشروعه ليتمم المشروع الأميركي. بل أنه فعل الأسوأ، حين استعمل ثروة العراقيين في عملية نسف حلمهم.

ربما تكون الثمان سنوات التي حكم فيها المالكي هي السنوات الأسوأ في تاريخ العراق الحديث لما تضمنته من صفحات انحطاط أخلاقي وانتهازية وتبعية للخارج وخذلان وتمييع للإرادة الشعبية ونزعة طائفية كانت غطاء لعمليات نهب ولصوصية لم يشهد التاريخ البشري لها مثيلا.

لقد خُيل للمالكي خلال سنوات حكمه أنه الطاغية الذي ينتظره شعب يهوى الطغاة ويعشق العبودية. لذلك اخترع له مناصروه ألقابا توحي بذلك ومنها "مختار العصر" في إشارة إلى المختار الثقفي الذي قاتل لسنوات ثأراً للحسين الشهيد في القرن الهجري الأول.

طاغية العراق الجديد لم يكن في حقيقته مهتما ببناء بلد قوي كما يفعل الطغاة. كانت فكرته عن الطغيان ولا تزال تقوم على مبدأ الانتقام. وهو ما أنجزه خلال سنوات حكمه السوداء.

بدأ المالكي ولايته الأولى بحرب أهلية، ذهب الالاف من العراقيين ضحية لها وفككت عرى المجتمع العراقي وانتهت ولايته الثانية بسقوط الموصل، ثاني مدن العراق في قبضة التنظيم الإرهابي داعش الذي فتح المدينة من غير معوقات بعد هروب قطعات الجيش العراقي من غير قتال.

حين هرب المالكي إلى إيران بعد وقوع فضيحة جيشه الذي لم يقاتل في الموصل كان على يقين من أن أيامه في السياسة قد انتهت ولم يعد أمامه سوى أن يقضي ما تبقى من عمره في طهران في انتظار رسائل المصارف والشركات المصرفية التي يتعامل معها باعتباره واحدا من اباطرة المال.

غير أن عودته إلى بغداد بعد يومين منتصرا جعلته مطمئنا إلى أن البلد الذي دمره يمكن أن يقبله إلى الأبد. لقد خسر العراق كرامته بهزيمة جيشه الذي لم يكن في حقيقته جيشا وكان نوري المالكي قائدا عاما لذلك الجيش ــ الكذبة.

ليس مهماً أن يكون الطاغية قائدا عسكريا مهزوما. ما يهم أنه لن يتعرض للمساءلة. وهذا ما حدث في ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ. لقد خسر المالكي حربا بسبب فساد جيشه من غير أن يُحال إلى القضاء.

بل أن قادة جيشه وهم المسؤولون بشكل مباشر لم يتعرضوا للمساءلة.

وهكذا يكون المالكي قد دمر القيم التي يمكن أن تبنى عليها الدولة.

ولأن الفساد صار هو القاعدة والنزاهة هي الاستثناء فإن ظاهرة المالكي الشاذة قد تم تكريسها من أجل أن تنكل الأحزاب الدينية بالشعب.

أفهم لمَ استقبل حزب الله المالكي في بيروت قبل سنوات بطريقة احتفالية. جلاد آخر يصطف إلى جانب الجلاد اللبناني حسن نصرالله وكلاهما خادمان في حضرة الولي الفقيه.

ولكنني لا أفهم لمَ يُستقبل في بلد عانى جور الظلم وأزال الاحتلال دولته.

كان من الواجب أن لا يُسمح لرمز الفساد في الأرض أن يدنس بقدمه بقعة صارت عنوانا لرفض الاحتلال ومقاومته.    

مشكلة نوري المالكي أنه ليس فاسدا من بين الفاسدين الذين ابتلي بهم عراق ما بعد الاحتلال بل أنه الفساد مجسدا في رجل.