خامنئي وترامب يتبادلان الأدوار في العراق

خامنئي هو الأيقونة التي تتوحد حولها رموز المشروع الاقليمي لإيران. تمزيق صوره في بغداد والمدن العراقية الأخرى أنزل تلك الأيقونة من مكانها الأسطوري إلى الشارع.

تصرف الإيرانيون بغباء حين ظهروا على الملأ من خلال قاسم سليماني باعتبارهم طرفا في الأزمة العراقية.

صحيح أن ما حدث في العراق على مستوى الشعارات المعلنة كان صادما لإيران ولخامنئي شخصيا. غير أنه ما كان على إيران أن تنزلق إلى الاعتراف بأن تلك الشعارات لم تكن على خطأ بل قالت الحقيقة.

الصادم بالنسبة لإيران أنها اكتشفت أنها لم تتمكن من اختطاف شيعة العراق بالرغم من أن كل شيء قبل الاحتجاجات كان يوحي بشيء من ذلك القبيل.

أما بالنسبة لخامنئي فإن الصادم يكمن في انزاله من عرشه وشتمه وتمزيق صوره وهو حدث سيفتح عيون الإيرانيين على حقيقة مكانته. يمكن تقدير قيمة ذلك الحدث الفجائعية إذا ما عرفنا أن أتباع الرجل يضعونه في منزلة القداسة التي لا تُمس.

لقد صار على الماكنة الدعائية الإيرانية ومكائن الدعاية التابعة لها أن تعيد رسم صورة الولي الفقيه وتزويقها وتلميعها بما يتناسب مع المكانة الافتراضية لولي الأمة، ممثل الإمام الغائب في زماننا.

ذلك أمر ليس باليسير.

فخامنئي الذي ظن الكثيرون ومنهم خامنئي نفسه أنه أنجز ما لم يتمكن الامام الخميني من أنجاز عشره، فضح العراقيون كذبة إنجازاته. وهو ما لم لا يمكن القبول به بالنسبة لمسوقي تلك الكذبة. فهي الأساس الذي يقوم عليه المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة.

إيران هي دولة تعتمد على رموزها في التبشير بمشروعها. ولأن خامنئي هو الأيقونة التي تتوحد حولها تلك الرموز فإن تمزيق صوره في بغداد والمدن العراقية الأخرى قد أنزل تلك الأيقونة من مكانها الأسطوري إلى الشارع وهو ما يعد بمثابة ضربة قوية للمشروع الإيراني، لذلك جن جنون النظام الإيراني وفقد السيطرة على نفسه بحيث لم يميز بين ما ينفعه وما يضره.

كراهية العراقيين لإيران دفعت النظام الإيراني إلى التصرف بحماقة، وهو الأمر الذي كانت الولايات المتحدة تنظره وإن جرى على حساب الشعب العراقي. ليست للشعب العراقي قيمة تذكر في حسابات الربح والخسارة الأميركية. ما يهم هنا أن تكون إيران على بينة من أن كل ما فعلته طوال السنوات الماضية كان عبارة عن هراء عقائدي وأنها لم تتمكن من احتواء الشعب العراقي ولن يكون لها وجود في المستقبل العراقي.

لذلك سمحت الولايات المتحدة لإيران بالتدخل مباشرة في مواجهة الاحتجاجات العراقية ومحاولة فضها عن طريق العنف من غير أن تعلق بشيء. ذلك لأنها لم تكن معنية بمصير الشعب العراقي. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنها أرادات لإيران أن تعترف بتدخلها في العراق. وهو الأمر الذي يعنيها.

هل يمكننا أن ننتظر من الولايات المتحدة بعد كل هذه الأحداث موقفا إيجابيا إزاء المسألة العراقية؟

لن يكون هناك تحول في طريقة النظر ألاميركية إلى العراق بقدر ما ستضيف الولايات المتحدة ورقة إلى ملف إيران الشائك. فإيران من خلال تدخلها في الأزمة العراقية تضع على المائدة الأميركية سببا مقنعا ومؤكدا لاستمرار العقوبات المفروضة عليها ليس إلا.

ولكن ألا يشكل جمع الأوراق بهذه الطريقة المبتذلة التي تتم على حساب مصير الشعب العراقي نوعا من الاستهانة بالقيم الإنسانية ومبادئ الديمقراطية التي خرج شباب العراق إلى الشارع محتجين دفاعا عنها؟

ذلك سؤال قد لا تفكر فيه الإدارة الأميركية في خضم حروبها الباردة ضد قوى كثيرة لم تعد تطيق السلوك الأميركي كما لو أنه ينطلق من آلة صماء ليست معنية إلا بمصالحها.

الغباء الإيراني لم يُقابل إلا بغباء أميركي. فالولايات المتحدة مسؤولة عما يجري في العراق. ذلك لأنها أسست الدولة الطائفية الفاسدة التي سلمت العراق إلى الفوضى.

أما وقد تركت الولايات المتحدة العراق عام 2011 لإيران تفعل فيه ما تشاء فإن ذلك لا يعفيها من تداعيات ما فعلته. وإذا ما كانت إيران قد استفادت من الدولة الطائفية بطريقة فجة فإنها لم تكن موفقة حين ظهرت كما لو أنها مسؤولة بشكل كامل عن مآسي العراقيين.

ما يهم العراقيين في هذه المرحلة أنهم قالوا كلمتهم وهم يدركون أن هدم الدولة الطائفية التي بنتها الولايات المتحدة وتبنتها إيران سيشكل خطوة في طريق تحرير المنطقة من الوجود الأجنبي.