خصومة في العراق لن تصل إلى الحرب

في مناخ خلقته إيران، يحتاج مصطفى الكاظمي إلى موهبة خاصة في التعامل مع الميليشيات.
إيران خارج الجغرافيا. إيران العقيدة هي التي تحارب
لن تكون عصائب أهل الحق عزيزة على إيران لدرجة أن ترفع صوتها دفاعا عنها
الأميركيون ربما سيشكرون إيران لإسعاف حليفهم الكاظمي لكنهم لن يغفروا ما ارتكبته ميليشياتها من إزعاج

بكل الطرق ستتحاشى إيران استفزاز سيد البيت الأبيض الغاضب بسبب خسارته في انتخابات، خذلته فيها ولايات كان يظن أنها ستصوت له غير أنها فاجأته بل صدمته بما يمكن ان يعتبره خيانة.

ستزعجه قليلا لكن بعيدا عن أراضيها وبأدوات يمكنها أن تستغني عنها إذا ما قررت الولايات المتحدة أن ترد على ازعاجها بالطريقة التي تجدها مناسبة. من غير أن يشمل ذلك الرد أياً من المصالح الإيرانية.

تلك هي قواعد اللعبة التي لم يحرج الطرفان بعضهما في الخروج عنها.

حتى اللحظة تبدو الولايات المتحدة محايدة في ما يتعلق بالحشد الشعبي وهو أكبر المؤسسات العسكرية التابعة لإيران في العراق. قد يبعث ذلك الحياد برسائل خاطئة لا إلى إيران وحدها بل وأيضا لأتباعها.

هناك شعور بالاطمئنان من أن الولايات المتحدة لن تشن حربا شاملة بسبب خطأ ترتكبه ميليشيا يمكن التخلي عنها فكيف إذا وجدت تلك الميليشيا نفسها مخيرة بين أن تُمحى وتُزال من الخريطة نهائيا أو تتخلى عن أفراد يمكنها أن تعتبرهم فائضا؟

لن تكون ميليشيا "عصائب أهل الحق" عزيزة إلى درجة أن إيران يمكن أن ترفع صوتها دفاعا عنها. وهنا المقصود الحشد الشعبي الممثل الرسمي لإيران في العراق.

صحيح أن قيس الخزعلي زعيم تلك العصائب قريب من إيران بقدر بعده عن الوطنية العراقية غير أن الدفاع عنه لا يمكن التعامل معه باعتباره سببا للدخول في معركة ثانوية سيخسرها الحشد بالتأكيد. هناك ما يمكن الاستعداد له غير الدخول في مناوشات ثانوية كأن تتم مناصرة العصائب نكاية برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي لا يحبه أحد بالرغم من أنه ابن العملية السياسية منذ اليوم الأول للاحتلال الأميركي.

ذلك قرار إيراني. سيهب الكاظمي نصرا صغيرا يعزز موقعه الذي تعرض للتآكل بعد القرارات الاقتصادية الأخيرة التي ستلقي بالكثير من ذوي الدخول المحدود على حافات الفقر. ولأن المنحة الإيرانية ستقابل بكرم أميركي فإن كل شيء سيمضي إلى نهايته.

لا شيء يستحق التوتر والانفعال الزائد.

فكرة إيران وهي تخطط لمرحلة ما بعد ترامب تقوم على أساس أنها قد عززت وجودها في المنطقة. لن يكون من اليسير التخلص من أذرعها في العراق ولبنان واليمن. اما في سوريا فإن الامور قد تكون مختلفة بسبب الوجود الروسي الذي لا يمكن التماس به بشكل مباشر.

إيران ستبقى موجودة في المنطقة من غير أن تجبر الناس على الحديث بالفارسي. لقد سمحت لها سنوات الاتفاق النووي أن تؤسس قاعدة لوجودها بطريقة عقائدية. تلك طريقة يمكن لإيران من خلالها أن تكون موجودة على مستوى الحقيقة من غير أن تكون موجودة في الواقع.

فإذا رغبت أي جهة أن تحارب إيران فإن عليها أن تضع في ذهنها أنها موجودة خارج الجغرافيا. إيران العقيدة هي التي تحارب.

في مناخ من ذلك النوع يحتاج مصطفى الكاظمي إلى موهبة خاصة في التعامل مع الميليشيات. الداخل منها في الحشد والخارج من الحشد بإذن مؤقت كما لو أنه ذاهب لقضاء مهمة ويرجع.

اللعبة أكبر منه وأكثر سعة من حجم وظيفته. فهو وإن كان محسوبا على أميركا في المعادلة العراقية الضيقة فإن الحسابات الإيرانية تبقى أكبر منه وقد تقتلعه من منصبه إذا ما انحازت إلى صنيعتها مقتدى الصدر الذي يمكن أن يحرك الفقراء من أجل اسقاط حكومته.

لا أحد يمكنه التكهن بما قرره عراب العملية السياسية نوري المالكي بعد الاجتماع الذي عُقد في بيته. من المؤكد أن حربا لن تكون وشيكة. فالعصائب تخلت عن فرد من أفرادها بدلا من أن تتخلى عنها إيران.

"تؤرق إيران ذكرى مقتل سليماني" تلك كذبة تمررها وسائل الإعلام العالمية. ذلك لأن إيران تفكر بشكل العلاقة الجديدة مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس بايدن. ليس من المعقول أن تبدأ تلك العلاقة بحرب حتى لو كانت تلك الحرب محدودة.

ستعالج إيران الموقف المتوتر في العراق بطريقة هادئة. لن يهمها انتصار مؤقت للكاظمي تكسب من خلاله وقتا يتيح لها تنظيم أوراقها في انتظار الرئيس الجديد الذي لن يكون من وجهة نظرها متحمسا لحرب ضدها. تلك فكرة للتهدئة سيكون على الطرفين أن يعيدا فهم ما يجري من جديد.

لقد قُدر للعراق أن يكون منصة اختبار ولكن كل التوقعات بأنه سيكون بأنه سيكون ملعبا لحرب مقبلة ليست صحيحة.

ليس من السهل التعامل مع إيران. ذلك ما صار الأميركيون على دراية به. ربما سيشكرون إيران لإسعاف حليفهم الكاظمي غير أنهم لن يغفروا لها ما ارتكبته ميليشياتها من إزعاج. وهو ما سيتعاملون معه في حدود الخصومة.