خطورة التدفق المعلوماتي لأخبار كورونا

الأوبئة لا تتعلق ببعض المصابين بالفيروس فقط، بل بالطريقة التي يتصرف بها الناس ويتفاعلون معها نفسيا وسلوكيا.

يمر التاريخ الانساني بلحظات ومحطات معينة يكون فيها الحديث بموضوعية وباسلوب منطقي، بحاجة، في حد ذاته، لمنطق مغاير وموضوعية مختلفة تلامس شغاف الجانب الغريزي للانسان وتقف قرب خريطة اللامعقول والمظلم التي ترسم ملامح انسان هذا العصر الذي بدأ يشعر انه يفقد السيطرة على كل شيء، وربما يخسر ايضا كل شيء.

حالة الهلع والاحساس بالهيستيريا والشعور بالرعب الذي يسيطر على العالم حاليا اثر تفشي فايروس كورونا يتأتى في الكثير من اسبابه نتيجة الموجات الخطيرة والضخ الهائل للاخبار المتعلقة بكورونا والتي امست تستحوذ على اهتمام كافة وسائل الاعلام التقليدية وتحتل مقدمات النشرات الاخبارية والتقارير الصحفية بامتياز، بل تجتاح كل مُدركات الانسان مهما كان مستوى ثقافته او درجة بساطته.

وبسبب عالمنا الرقمي، الذي يعيش الانسان في خضمّ تمظهراته وفي اتون تعقيداته وفي ثنايا تناقضاته، فان الاخبار الكثيرة المتعلقة بهذا الفايروس تتحول الى تدفق اعلامي هائج يصل للانسان، المستخدم للتقنية الغارق بها التائه في تطبيقاتها، على نحو قسري لدرجة بات معها غير قادر على الوقوف بوجه هذا المد الهيستيري لأخبار كورونا.

مجموعات تطبيق الواتساب والفايبر المتعددة وقنوات التيلغرام المتنوعة وصفحات الفيسبوك الكثيرة وحسابات تويتر وفيديوهات اليوتيوب ومقاطع السناب شات والتيك توك ونتائج البحث في محركات البحث الكبرى... كلها تغرق لعنقها في اخبار هذا الفايروس وتُسيطر عليه لحد اللعنة.

فالانسان المحاصر واقعيا في منزله، محاصر رقميا ايضا بكم هائل من المعلومات التي يتم رشقها عليه في المنصات وضخها له في مجموعات الواتساب التي اضحت جزءا من الانسان، ما يعني ان التدفق الاعلامي المهول والضخ المعلوماتي المريع يسقط بزاوية حادة على هذا الانسان الذي استسلم نفسيا لكل هذه الضغوطات وسلّم لها الراية.

في هذه المعلومات التي يستلمها الانسان يوميا، بل في كل ساعة، تختلط الاخبار الكاذبة بالصحيحة والتضليل بالمعلومة الصادقة والشائعات بالحقائق والخرافات بالدقة العلمية... وبالتالي، وبعد هذا كله، او بسبب هذا كله! سيؤثر هذا الضخ الاخباري على جميع افكار الانسان وطرق تفكيره وحدة غضبه وسلامة صحته النفسية واتزان تصرفاته ومستوى ادراك مشاعره لهذه الازمة ودرجة طمأنينته من المستقبل وكيفية تعامله مع المصير المجهول الذي ينتظره.

انني أتفهم تماما الاسباب النفسية الظاهرة من جهة، واللاشعورية الباطنة من جهة اخرى لسعي الانسان المحموم وراء هذه الاخبار والتي ترجع لتشبثه بأمل اكتشاف علاج او صنع لقاح يوقف هذا الرعب والهلع الذي يعيشه الانسان والقلق والخوف الذي يسيطر عليه والتهديد الحقيقي لوجوده.

ان الاوبئة وما يتعلق بها من عوامل او يرتبط بها من ظروف ما لا ترجع او تستند الى بُنى موضوعية فحسب، بل هنالك عوامل نفسية مهمة تجدها ايضا مرتبطة بالاوبئة، فـ "كلما قرأت أكثر عن الأوبئة، أدركت أكثر أن الأوبئة ظاهرة نفسية في الأساس" كما يقول ذلك ستيفن تايلور البروفسور في جامعة كولومبيا البريطانية في كتابه المهم سايكولوجيا الاوبئة The Psychology of Pandemics الصادر قبل عدة اشهر، والذي يشير الى ان الأوبئة لا تتعلق ببساطة ببعض المصابين بالفيروس فقط! بل بالطريقة التي يتصرف بها الناس، ويتفاعلون معها نفسيا وسلوكيا، ولذا يرى تايلور انه من الممكن التحكم في الأوبئة فقط عندما يوافق الناس على القيام بسلوكيات معينة، مثل عدم السعال في الهواء، وغسل أيديهم، والتقيد بالتباعد الاجتماعي، والتطعيم، وإذا رفض الناس، لأسباب نفسية مختلفة، القيام بهذه السلوكيات، فإن الوباء سيستمر في الانتشار.

لكن مع هذا التحدي... فان علينا مجابهة هذا الضخ العشوائي في المعلومات بمجموعة تطبيقات التراسل الفوري من خلال اجراءات اعتبرها شخصيا تمثل خط صد للدفاع عن الانسان ضد الزيف والتشويش وتدمير الذات نفسيا وتعكير صفو طمأنينتها، خصوصا ونحن نتعرض لعدة انواع من الاوبئة، كما تؤكد الباحثتان الهنديتان كامود غوسال واشوني سيرسيكار، الى جانب الوباء الحقيقي حيث يواجهنا وباء الخوف والقلق والهلع مما ينتظرنا، بالاضافة لوباء التأويلات والتفسيرات الاخلاقية المختلفة، ناهيك عن وباء وصفات العلاج بدون اي قيود.

وبسبب ذلك كله، علينا فورا القيام بما يلي:

اولا: التقليل من المصادر التي يحصل من خلالها الانسان على الاخبار المتعلقة بالفايروس، والافضل الاقتصار على مصادر منظمة الصحة العالمية ومصادر الوكالات الرسمية والرصينة.

ثانيا: الانشغال باعمال اخرى مغايرة لهوس البحث عن اخبار كورونا في الواتساب.

ثالثا: الغاء متابعة الصفحات والحسابات والخروج من المجموعات التي تُكثر من نشر الاخبار الكثيرة الفوضوية حول الفايروس.

اننا في الحقيقة امام حالة خطيرة جدا تتمثل في امكانية تدهور الوضع النفسي للانسان وسحق ذاته التي سوف تتشكل بعد تخطي هذه الازمة، فالوباء البدني سينتهي او سيصبح فايروسا عاديا، لكن الوباء النفسي لن ينتهي وستبقى تداعيات مثل هكذا اوبئة على الصحة البشرية حتى بعد زوال خطرها لتشكل انماطا جديدة من التفكير وتخلق سلوكيات مختلفة وتبني شخصيات هشّة نفسيا تستجدي الاطمئنان والسلام الداخلي الذي خسرته في زمن كورونا.