خلل نظام التعليم الديني.. ومنهاج إصلاحه

إخضاع طلبة العلوم الدينية لاختبارات ذهنية ونفسية دقيقة قبل قبولهم في المراكز العلمية الدينية بحيث نضمن حسن استعدادهم الذهني والأخلاقي الضروريان لهذه الدراسة الإلهية الإنسانية العالية وليكونوا على مستوى تحمل مسؤولياتهم الاجتماعية.

بقلم: أيمن عبد الخالق

" نحن اليوم لا نفتقد الإيمان وقوة الإيمان، بل نفتقر الى المعرفة الصحيحة والمنطقية والعلمية بالقضايا التى نؤمن بها" – على شريعتى

نظام التعليم الديني، هو النظام الموجود في المدارس والمعاهد الدينية، وهو في أصله يمثل النظام التعليمي التقليدي القديم الذي كان غالبا مايشمل سائر العلوم والمعارف الإنسانية، ولكنه بعد ظهور الثورة الصناعية في الغرب، واجتياح النظام التعليمي الأكاديمي للعالم العربي والإسلامي، انكفأت هذه المدارس التقليدية على نفسها، وانحصرت مناهجها في تدريس العلوم الدينية والشرعية.

ويمكن الإشارة إلي موارد الخلل الموجودة في هذا النظام التعليمي بالنحو التالي:

  • اعتماد المنهج النقلي كمنهج رئيسي وحيد في تحصيل العلوم الدينية، الأمر الذي أدى إلى تضييق أفق الطالب، وترسيخ الرؤية السطحية الجزئية للدين والحياة، وتنمية روح التعصب والدوجماطيقية.
  • إقصاء العلوم العقلية بالكلية ـ في أغلب المدارس الدينية ـ لاسيما الفلسفة العقلية عن ساحة التعليم الديني، بل تحريمها ومحاربتها في الكثير من الأحيان، مع كونها تمثل الأساس الوحيد للدين الصحيح، والمنطلق الأساسي لطالب العلم، حيث تكتسب العلوم الدينية مشروعيتها المعرفية منها، الأمر الذي أدى إلى ظهور الانحرافات الفكرية والمذهبية، وتفشي الخرافات، والقراءات الخاطئة والشاذة للدين.
  • الاكتفاء بالمنهج الكلامي الجدلي في أصول الدين دون المنهج العقلي البرهاني، الأمر الذي أدى إلى توسيع رقعة الخلاف بين المتدينين، وانتشار الملل والنحل والمذاهب الدينية المتناحرة.
  • التركيز على دراسة فروع الدين الفقهية دون أصوله ومبانيه الكلية، وسموها بالعلوم الشرعية، مما أفقد طالب العلوم الدينية الرؤية الصحيحة لفلسفة الدين، ودوره في الحياة، حتى أضحى عاجزا حتى عن الدفاع عن أصول اعتقاداته أمام شبهات وإشكالات المخالفين، بعد أن اكتفى باعتقاداته التقليدية التي كان قد اكتسبها من بيئته العرفية قبل دخوله للمدارس الدينية.
  • صل طالب الدين عن العلوم والفنون الحديثة وتطوراتها، بل وتحريمه للكثير منها، مما أدى إلى عجزه عن مجاراة الحياة الاجتماعية العصرية وانعزاله عنها.
  • تدني الوضع الاقتصادي والاجتماعي لغالب طلبة العلوم الدينية، الأمر الذي أدي في الغالب إما إلى تركهم لعملهم الديني، وتخليهم عن مسؤولياتهم الشرعية، والانخراط في أعمال دنيوية أخرى لتحصيل أرزاقهم، أو يصبحوا أداة في أيدي الأنظمة السياسية الجائرة لتحقيق مصالحهاغير المشروعة.

ومما تقدم تتبين لنا المعالم الكلية لكيفية إصلاح التعليم الديني بالنحو التالي:

  • هذا النحو من الدراسة ينبغي أن يكون ـ بحسب رؤيتنا العقلية ـ في طول الدراسات العلمية الأكاديمية ـ بعد إصلاحها بالنحو الذي أشرنا إليه سابقا ـ بحيث يكون تخصصا برأسه بعد التخرج من الجامعات الأكاديمية، حتى لاينفصل النظام الديني عن الأكاديمي، والذي ترتب عليه أسوأ العواقب الثقافية والاجتماعية، والتي على رأسها تخلف النظام التعليمي الديني، ومادية النظام التعليمي الأكاديمي.
  • إخضاع طلبة العلوم الدينية لاختبارات ذهنية ونفسية دقيقة، قبل قبولهم في المراكز العلمية الدينية، بحيث نضمن حسن استعدادهم الذهني والأخلاقي، الضروريان لهذه الدراسة الإلهية الإنسانية العالية، وليكونوا على مستوى تحمل مسؤولياتهم الاجتماعية.
  • اعتماد المنهج العقلي البرهاني كمنهج أساسي في الدراسات الدينية، على أن يكون المنهج النقلي في طوله وتحت إشرافه، لا في عرضه أو بديلا عنه كما هو في النظام الحالي.
  • أن تبدأ الدراسات الدينية بالعلوم العقلية، لأنها علوم أساسية، وليست أجنبية عن العلوم الدينية ـ كما يتوهم البعض ـ حيث إن أصول الدين متقومة بها، وقائمة على أساسها.
  • أن تسبق الدراسات المتعلقة بأصول الدين الدراسات الفقهية والنقلية المتعلقة بفروع الدين، حيث إن هذا هو مقتضى الحكمة والترتيب التعليمي، من أجل الفهم الصحيح للدين وأحكامه الشرعية والأخلاقية.
  • إدخال بعض العلوم الإنسانية ومهارات التنمية البشرية الحديثة بعد إصلاحها، وتصفيتها من الشوائب غير العقلية، والاستفادة من تجاربها العلمية والاستقرائية، في تطوير آليات التبليغ الديني والتواصل الصحيح مع الناس داخل المجتمع البشري، حتى يكون عالم الدين منفتحا على مجتمعه، ومتفاعلا معه على الدوام.