خمسة أسباب تجعل قرار تصنيف أميركا للحرس الثوري تنظيمًا إرهابيًا صائبًا

الحرس الثوري يسيطر على قرابة نصف الاقتصاد الإيراني رغم محاولات الحكومة الإيرانية نفي ذلك مؤخرًا وتلعب هذه المؤسَّسة العسكرية دورًا كبيرًا في ضخ العملات الأجنبية إلى الداخل الإيراني.

بقلم: محمد بن صقر السلمي

في خطوة غير مسبوقة أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية الحرس الثوري بوصفه منظمة إرهابية أجنبية. وبذلك يكون هذا القرار أول قرار يصنف جيشا لدولة ما تنظيما إرهابيًا. إذًا نحن أمام حالة فريدة لها وقعها ودلالاتها. يعتقد بعض المحللين أنّ إدراج الولايات المتحدة الأمريكية للحرس الثوري بوصفه منظمة إرهابية ليس له تأثيرًا عمليًا على إيران بشكل عام وعلى الحرس الثوري بشكل خاص، ولن يحقق الأهداف الأمريكية التي دفعت بواشنطن لاتخاذ هذا القرار. لكن التحليل العميق لهذا التصنيف وأخذ كامل التبعات والتقاطعات في الحسبان سيكشف لنا أنه على المدى المتوسط سيعاني الحرس الثوري من تبعات مؤلمة وبالتالي النظام الإيراني، وهو ما يعني أن إحتمالية أن تغير إيران سلوكها الخارجي محتمل في ظل تزايد حصر إيران في الزوايا الضيقة كي يشمل هذه المرة إضافة إلى العقوبات الاقتصادية والمالية العقوبات على القطاعات العسكرية والأمنية. فمجموعة من التبعات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والعسكرية ستشكل ثقلًا على كاهل إيران والحرس الثوري.

  • التحري في ملكية الشركات للحرس الثوري ذاته إضافة إلى الشركات التي لا يملكها لكنه مرتبط معها بعقود واتفاقيات وشراكات سواء أكانت عاملة داخل إيران أم خارجها. كذلك مثل هذا التصنيف للحرس الثوري كمنظمة ارهابية سيؤدي لوضع قوائم بالأفراد والشخصيات المرتبطة بالحرس سواء سياسية أو عسكرية أو مرجعيات دينية.
  • هذا الأمر، ومع انضمام دول أخرى للتصنيف الأمريكي أو خشية الوقوع تحت طائلة العقوبات الأمريكية بسبب التعامل مع الحرس الثوري، سيؤدي إلى أن يكون هناك قائمة طويلة من الشركات والأشخاص ستتم مقاطعتها دوليًا. قد يعتقد بعضهم أنه لا يزال مبكرًا الحكم بمدى تأثير هذا القرار في هذه النقطة تحديدًا. في الحقيقة ربما في المدى القريب لن يكون هناك تأثير كبير على إيران بحكم ضعف البيانات المتاحة حول الشركات المرتبطة بالحرس الثوري لكن على المدى المتوسط والبعيد سيكون هناك تأثير على القدرات المالية والعسكرية للحرس الثوري.
  • سيفرض القرار قيودًا على أي أطراف خارجية تتعامل مع الحرس الثوري، وهو ما قد يحرمه على سبيل المثال من مصادر السلاح، أو القيام بمناورات عسكرية مشتركة مع دول أخرى، أو حرية التحرك خارج الحدود “military deployment” للقتال أو للتدريب، وبالتالي مزيد من الضغوط عليه في مناطق انتشاره في بعض الدول، وقد تجد دولًا مثل: العراق وسوريا نفسها مجبرة على اتخاذ مواقف سياسية وأمنية قد تغضب طهران.
  • تأثير القرار على الرأي العام الداخلي، الذي لديه تحفظات شديدة وانتقادات واسعة للمشروع الخارجي والدور الذي ينهض به الحرس الثوري وبخاصة أن النشاط الخارجي يأتي على حساب الداخل ويدرك المواطن الإيراني ذلك وردَّد شعارات كثيرة تندد بتوجه النظام وتوسعه خارجيًا مقابل إهمال الداخل. من المتوقع ارتفاع وتيرة هذا الغضب الشعبي وقد تكون مرحلته الأولى ضد عناصر البسيج الذين يمارسون القمع ضد الشباب باسم الدين والمذهب ومحاربة الله ورسوله. في هذا الاتجاه قد يؤثر هذا القرار الأمريكي على سمعة ونخبوية الحرس وتبعًا لذلك على استقطاب الحرس الثوري مزيدًا من العناصر الإيرانية في صفوفه كمجندين.
  • ممارسة ضغوط أمريكية وإقليمية على كل من يتعاون مع الحرس الثوري، في هذا الصدد قد تقوم واشنطن بإدانة الدول المستضيفة لعناصر الحرس الثوري تحت مسمى المستشارون العسكريون، وكذلك التي تيسر انتقالهم، أو تقديم دعم لوجستي للحرس الثوري أو عناصره، كذلك إدانة الأفراد المنضمين لميليشيات تابعة للحرس الثوري سواء من الإيرانيين، أو من جنسيات أخرى مثل عناصر ميليشيات النجباء وزينبيون وفاطميون وعصائب أهل الحق وغيرها من الميليشيات المنضوية تحت الحرس الثوري.
  • اقتصاديًا، من المعلوم أن الحرس الثوري يسيطر على قرابة نصف الاقتصاد الإيراني رغم محاولات الحكومة الإيرانية نفي ذلك مؤخرًا، وتلعب هذه المؤسَّسة العسكرية دورًا كبيرًا في ضخ العملات الأجنبية إلى الداخل الإيراني. يكفي الحديث عن صناعة واحدة يهمين عليها ويديرها الحرس كقطاع الصناعات الكيميائية، هذه الصناعة بمفردها تمثل قرابة ٣٠٪؜ صادرات إيران غير النِّفطية للخارج ومسؤولة عن توفير ٢٠٪؜ على الأقل من إجمالي موارد العملة الأجنبية للاقتصاد الإيراني. ورغم أنها مشمولة ضمن العقوبات الأميركية الأخيرة فإنها ما زالت تصدر للخارج لاعتبارات سوقية وعالمية خاضعة للعرض والطلب واعتبارات شبكة تهريب متمرسة كشبكات الحرس وعروض أسعار أقل من السوق وعمولات كبيرة تترواح ما بين ١ ٪؜ من قيمة البضائع وقد تصل إلى ١٠ ٪؜ كل هذا يغري المشترين ويجعل من الممكن استمرار تصدير جزء كبير من الإنتاج. لكن سيقود هذا التصنيف الأمريكي للحرس الثوري -إذا ما تم تطبيقه بشكل دقيق وبتعاون بين الدول، طواعية أو خشية للعقوبات- إلى إضعاف الاقتصاد الإيراني وتوفر العملة الأجنبية وبالتالي قيمة العملة الإيرانية أمام العملات الأجنبية. على المستوى الاقتصادي الداخلي، قد يقود هذا التصنيف في حالة تطبيقه على واقع الأرض والتشدد في ذلك إلى انهيار الكثير من الشركات التي يمتلكها الحرس الثوري على المدى المتوسط، فهو يدير الكثير من الشركات المساهمة والبنوك وبالتالي قد يتجاوز تأثير العقوبات المؤسسة العسكرية إلى الشعب الإيراني وخسارة أمواله التي يديرها الحرس الثوري لكن ربما يدرك المواطن المستثمر هذه الخطورة ويسعى إلى سحب أمواله وبيع حصته في تلك الشركات. هذا الأمر -إن حصل- سيؤثر سلبًا على البورصة الإيرانية وقد لاحظ الجميع التفاعل السلبي المبدئي للبورصة بذلك إذ انخفضت بنسبة تجاوزت ٣٪؜ في اليوم التالي لقرار التصنيف الأمريكي للحرس الثوري منظمة إرهابية.

على أي حال نحن الآن في المراحل الأولى لتأثير هذا القرار الأمريكي، وبالتأكيد سيُتبع بخطوات عملية لتنفيذه وخذ المرحلة الأكثر صعوبة في نظري وأيضا معيار مدى تأثير هذا القرار وتحقق أهدافه. من جانبها إيران قد تتخذ خيارات متعددة للتصدي لهذا القرار وتفريغه من محتواه أو مواجهته، لتدخل في نهاية المطاف في مرحلة جديدة من التصعيد ربما ستكون مدعاة لأنْ تغير إيران من سلوكها الخارجي مرغمة وتلتفت إلى معاناة الداخل.

نُشر في المعهد الدولي للدراسات والبحوث الإيرانية