داعش يعيش آخر أيامه بعد استسلام جماعي لمقاتليه في سوريا

جيب الباغوز هو آخر أرض يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية الذي طُرد على مدى السنوات الأربع الماضية من الأراضي التي كانت تحت سيطرته في العراق وسوريا.
استسلام ثلاثة آلاف مقاتل في اليومين الأخيرين واعتقال آلاف آخرين
قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف تدك مواقع داعش ليلا
حسم معركة الباغوز ينهي 'اسطورة' دولة الخلافة المزعومة

الباغوز (سوريا) - يعيش تنظيم الدولة الإسلامية "لحظاته الأخيرة" في شرق سوريا، بعدما دفع القصف العنيف الذي تشنه قوات سوريا الديموقراطية والتحالف الدولي بقيادة أميركية على جيب الباغوز المحاصر، ثلاثة آلاف من مقاتليه إلى الاستسلام في اليومين الأخيرين.

وبعدما كان التنظيم أعلن في العام 2014 إقامة "الخلافة الإسلامية" على مناطق واسعة سيطر عليها في سوريا والعراق المجاور تعادل مساحة بريطانيا، بات وجوده يقتصر اليوم على جيب محاصر داخل بلدة نائية على الضفاف الشرقية لنهر الفرات، خرج منه الآلاف من الرجال والنساء والأطفال خلال الأيام الأخيرة.

وقال القيادي الكردي في قوات سوريا الديموقراطية جياكر أمد من الباغوز الأربعاء "بدأت اللحظات الأخيرة لداعش".

ويقتصر وجود التنظيم في الباغوز حالياً على مخيم عشوائي محاط بأراض زراعية تمتد حتى الحدود العراقية.

وتشن الفصائل العربية والكردية بدعم من التحالف الدولي منذ ليل الأحد هجومها الأخير للقضاء على من تبقى من الجهاديين. فتستهدف مواقع التنظيم ليلاً، قبل أن تتراجع وتيرة قصفها خلال النهار.

ورغم توقف الضربات الجوية صباح الأربعاء، إلا أن القصف المدفعي ما زال مستمراً مع محاولة مقاتلي التنظيم الذين يختبئون بين خيم المدنيين شن هجوم معاكس.

وقال جياكر "يجري التصدي للهجوم حتى هذه اللحظة (...) قد يكون هذا آخر هجوم لهم".

ويستخدم التنظيم وفق مقاتل في موقع متقدم في الباغوز، "الكثير من الانتحاريين" في هجوم بدأه قرابة السادسة صباحا، مستفيداً من عاصفة رملية تشهدها المنطقة.

ويطلق ثلاثة مقاتلين من قوات سوريا الديموقراطية عند خطوط الجبهة الخلفية في الباغوز، وسط حقل غطته زهور برية صفراء، قذائف الهاون باتجاه بقعة الجهاديين.

وكانت مقاتلة بينهم ترفع قذائف الهاون، الواحدة تلو الأخرى. وتضعها مع زميلها في القاذفة، ثم تبتعد عنها لتقف خلف ساتر قريب وتشد حبلاً فتنطلق القذيفة نحو هدفها.

وعند مشارف الباغوز، تتصاعد سحباً كثيفة من الدخان فوق البلدة، بينما يحيط مقاتلون من قوات سوريا الديموقراطية وعناصر من التحالف الدولي بعشرات الأشخاص غالبيتهم نساء وأطفال علقت الرمال المتطايرة بوجوههم وثيابهم. ويرجح أنهم خرجوا خلال الساعات الأخيرة من الجيب المحاصر.

وتأتي المعارك اليوم بعد ساعات من إعلان مدير المركز الإعلامي في قوات سوريا الديموقراطية مصطفى بالي أنه "خلال ساعة، استسلم ثلاثة آلاف إرهابي لقواتنا في الباغوز"، في ما اعتبره مؤشراً على أن "ساعة الحسم أصبحت أقرب من أي وقت مضى".

و"استسلم" مقاتلو التنظيم، وفق بالي، "بشكل جماعي"، خلال الأيام الماضية.

ولا تملك قوات سوريا الديموقراطية تصوراً واضحاً لعدد مقاتلي التنظيم الذين ما زالوا محاصرين في الباغوز، بعدما فاقت أعداد الذين خرجوا في الأسابيع الأخيرة كل التوقعات.

وقال أمد "يبدو أنه لا يزال هناك الكثير من المقاتلين في الداخل".

واستأنفت قوات سوريا الديموقراطية الأحد بدعم من التحالف هجومها الأخير، بعدما أعلنت أن مهلة "استسلام" مقاتلي التنظيم قد انتهت.

وأفاد المتحدث باسم التحالف شون راين الأربعاء أنه بفضل عمليات قوات سوريا الديموقراطية وضربات التحالف، "تم احراز تقدم وتدمير قدرات التنظيم بشدة".

وقال إن طائرات التحالف "تواصل شن الضربات دعماً لعملية هزم داعش كلما تطلب الأمر وسمحت الفرصة، ليلاً أم نهاراً"، موضحاً أنه "لا يُسمح للعدو بحرية الحركة ليلاً".

في الأسابيع الأخيرة، علّقت هذه القوات مراراً هجومها ضد جيب التنظيم، ما أتاح خروج عشرات الآلاف من الأشخاص، غالبيتهم نساء وأطفال من أفراد عائلات المقاتلين، وبينهم عدد كبير من الأجانب.

وبدأت قوات سوريا الديموقراطية منذ أيلول/سبتمبر هجومها في شرق سوريا. وعلى وقع تقدمها العسكري، خرج نحو 60 ألف شخص منذ كانون الأول/ديسمبر من مناطق التنظيم.

وخضع الرجال والنساء والأطفال وغالبيتهم من عائلات مقاتلي التنظيم لعمليات تفتيش وتدقيق في هوياتهم بعد خروجهم. وتمّ نقل الرجال المشتبه بأنهم جهاديون إلى مراكز اعتقال، فيما أرسل الأطفال والنساء إلى مخيمات في شمال شرق البلاد أبرزها مخيم الهول الذي بات يؤوي أكثر من 66 ألفاً.

وتوشك "خلافة" التنظيم على الانهيار في سوريا، بعد سنوات أثار فيها الرعب بقوانينه المتشددة واعتداءاته الوحشية. ومُني التنظيم بخسائر ميدانية كبيرة خلال العامين الأخيرين.

ولا يعني حسم المعركة في منطقة دير الزور انتهاء خطر التنظيم، في ظل قدرته على تحريك خلايا نائمة في المناطق الخارجة عن سيطرته واستمرار وجوده في البادية السورية المترامية الأطراف.

وفي شريط مصور نشرته حسابات جهادية على تطبيق "تلغرام" ليل الاثنين، دعا التنظيم أنصاره في الباغوز إلى "الثبات"، في مواجهة الحصار والقصف الذي يتعرضون له.

وقال أحد المتحدثين في الشريط "إن قُتلنا وإن أُبدنا عن بكرة أبينا، فهذا نصر". وأكد أن "الحرب سجال ولم تنته المعارك".

وتضمن الشريط صوراً لخيم وغرف من الطين وشاحنات، تشبه إلى حد بعيد صورا سبق لوكالة فرانس برس أن عاينتها من نقاط متقدمة على الجبهة قرب الباغوز.