دراسة تؤكد أهمية الاهتمام بالظهور الرئاسي في البرامج الحوارية

الباحثة سارة نصر اهتمت في دراستها بالتحليل الكمي بجانب التحليل الكيفي لدراسة أبعاد الظاهرة.
السيسي كثيراً ما طالب أن يسانده الإعلام بأدواته وإمكانياته وكوادره بما يتناسب مع قوة وشراسة الحرب التكنولوجية الحالية
مؤشرات أكدت على ارتفاع حجم الاهتمام بقضايا مؤسسة الرئاسة المصرية، والتي تمثلت في عدد القضايا في البرامج غير المصرية

قُدر لمصر بحكم موقعها وجغرافيتها أن تصبح محط أنظار وأطماع العالم، ووهبها ذلك أيضاً ريادة إقليمية وجعلها دولة محورية كبري، ومن هنا فإن صانع القرار السياسي المصري على مدار التاريخ لم يغفل تأثير تلك الحقائق الجغرافية والتراكمات التاريخية، والتي تفرض عليه تبني مفهوماً شاملاً للأمن القومي يتناسب مع دورها ومواقفها السياسية ويحقق لأهلها ولجيرانها الأمان. من هنا تأتي أهمية هذه الدراسة "مؤسسة الرئاسة والبرامج الحوارية.. المعالجة الإعلامية وعلاقتها باتجاهات الجمهور" للباحثة د.سارة نصر المدرس بالمعهد العالي للإعلام التي تناولت تأثير معالجة قضايا مؤسسة الرئاسة المصرية بالبرامج الحوارية المختلفة على اتجاهات وتقييم الجمهور المصري لأدائها الجزئي والعام.
اهتمت الباحثة في دراستها الصادرة عن دار العربي بالتحليل الكمي بجانب التحليل الكيفي لدراسة أبعاد الظاهرة، وذلك في إطار منهج المسح، إلى جانب الاهتمام بمقارنة القضايا المعروضة في البرامج المختلفة وقياس تأثيراتها عليهم، حيث قامت بعمل مسح شامل لقضايا مؤسسة الرئاسة بالبرامج الحوارية بالقنوات: الفضائية المصرية "برنامج من القاهرة" ـ on tv "برنامج 30/25" ـ الجزيرة "برنامج ما وراء الخبر" ـ Sky News Arabia "برنامج المساء". واشتملت العينة التحليلية علي 78 حلقة بإجمالي عدد 101 حدث وقضية عن مؤسسة الرئاسة المصرية داخلية وخارجية في البرامج الأربعة، وذلك في دورة برامجية كاملة في الفترة من 1/1/2015 إلى 31/3/2015.
وقالت الباحثة إن الأعباء التي تواجهها أول مؤسسة رئاسية منتخبة في أعقاب ثورة يونيو 2013 كونها جزءاً لا ينفصل عن الوضع الإقليمي في المنطقة العربية، تتمحور في إرهاب يروع، ودول شقيقة تتساقط واحدة تلو الأخرى، وتدخلات خارجية تنال من سيادة الدول واستقرارها، وتفكك نسيج أبنائها باستقطاب بعضهم وإقصاء الآخر على أساس ديني أو مذهبي أو طائفي لتغيير خارطة العالم العربي، بل وقد امتد التهديد ليصل للأمن المائي وحقوق مصر التاريخية المائية لوقف قطار التنمية المصري وتحجيم دورها.

الجوانب الفنية في لقاءات الرئيس كحجم اللقطات وزوايا التصوير والمونتاج فعلى قدر ما تكون غير ملحوظة إلا أنها تؤثر سلباً على تفاعل الجمهور مع ما يتم عرضه

ولفتت إلى أنه على المستوى الداخلي يأتي على رأس تلك المشكلات مكافحة الارهاب والذي اتخذ أشكالاً مختلفة، فأصبح إرهاباً فكرياً ودينياً وسياسياً مُدرباً ومُدعماً بقوى وتنظيمات وأجهزة أمنية ومخابراتية إقليمية ودولية لها أطماع بمصر، وتبلور ذلك في السعي الدائم للسيطرة علي حدود مصر الشرقية والغربية لاختراق وحدة الشعب المصري وتفكيك مؤسساته شأنه شأن كثير من الدول التي تسللت إليها أيادي الإرهاب وانتهت بالتفتيت وتشتيت أبنائها، والذي قد انعكس بدوره على الوضع الاقتصادي تاركاً بعض الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالدولة كنتاج لمكافحة تلك العمليات الإرهابية وتأمين الحدود، هذا بالإضافة إلي الزيادة السكانية التي أفرزت البطالة والأمية والجهل والتي تعيق الجهود التي تبذلها الدولة ومحاولات تحقيق استراتيجيات تنموية واضحة ورؤية مصر للتنمية المستدامة 2030.
وذكرت الباحثة أن الرئيس عبدالفتاح السيسي كثيراً ما طالب أن يسانده الإعلام بأدواته وإمكانياته وكوادره بما يتناسب مع قوة وشراسة الحرب التكنولوجية الحالية، وذلك بتوحيد الهدف وتحديد أولويات الخطاب في إطار استراتيجية واضحة المعالم توظف وسائل الإعلام كافة، وتعتمد على المعلومة الصحيحة والدقيقة بالسرعة المطلوبة لضمان سرعة التفاعل والقضاء على كل ما قد يسبب أزمات ويثير الرأي العام، بل إنه طالب المجتمع الدولي للقيام بدوره وتحمل مسئوليته في محاربة الإرهاب بإغلاق مواقع الإرهاب على الإنترنت، ويكتمل ذلك الدور باهتمامه بالتواصل بشكل دائم مع الإعلام المصري والخارجي بما يساهم في تقليص المسافات بينه وبين المشاهد ويقدم لهم المعلومة الموثقة بما يحقق الشفافية المطلوبة وينشر الحقائق ويدحض الشائعات، هذا إلى جانب سعيه الدائم لدمج الشباب سياسياً حيث إن مشاركتهم في العمل السياسي هي إحدى الوسائل المهمة للقضاء على جذب الإرهاب لأعضاء جدد تحت مسمى الكبت والتهميش السياسي.
وأكدت أن قدرات مؤسسة الرئاسة الحالية تتناسب مع قدر التحديات المختلفة خارجياً وداخلياً والمشكلات التي تقع على عاتقها من فترات سابقة، ورأت أن أهمية البرامج الحوارية تأتي نظراً لارتفاع مستويات التعرض والمشاهدة لها حيث تلعب دور الوسيط بين الجمهور وكثير من الأحداث الجارية في الشارع المصري، ورصدت أساليب واتجاهات معالجة القضايا البارزة عن مؤسسة الرئاسة المصرية في البرامج الحوارية المختلفة ودراسة تأثيراتها في خلق اتجاه وتقييم لأدائها الجزئي والعام، مع الأخذ في الاعتبار تأثير الأداء الإعلامي للرئاسة سواء من حيث "الخطاب الرئاسي الرسمي ـ الظهور الإعلامي في المناسبات الرسمية - اللقاءات التليفزيونية الداخلية والخارجية - الحوارات الإذاعية" بما يتيحه ذلك من تفاعل مع الجمهور والذي ينعكس بدوره علي تقييمهم العام.
ولفتت الباحثة إلى مؤشرات أكدت على ارتفاع حجم الاهتمام بقضايا مؤسسة الرئاسة المصرية، والتي تمثلت في عدد القضايا في البرامج غير المصرية، هذا إلى جانب اهتمام القنوات المصرية والتي تفوق فيها البرنامج الخاص 25/30 بحوالي 46 قضية وبنسبة 45.5% من إجمالي القضايا، وجاء البرنامج الحكومي "من القاهرة" بعدد قضايا 35 قضية وبنسبة 34.7%، واتضح الاهتمام أيضاً بمؤسسة الرئاسة في ترتيب القضايا في البرامج حيث إن ما يزيد على 75% من عينة القضايا جاء ترتيبها في بداية ووسط تلك البرامج وجاء عرضها في حلقة كاملة حوالى 15%.
واتضح من نتائج الدراسة ارتفاع نشاط مؤسسة الرئاسة الخارجي والذى انعكس على اهتمام البرامج بها، فقد عُرضت قضايا مؤسسة الرئاسة الخارجية بنسبة 50.5% من إجمالي القضايا المعروضة، وقد اتضح اهتمام البرامج غير المصرية بالشأن الداخلي، والتي حصدت 49.5% وشغلت نسبتها في كل برنامج كالتالي: 54.5% برنامج ما وراء الخبر و33.3% برنامج المساء.
وأوضحت الباحثة أن أهم أنواع القضايا المعروضة عن مؤسسة الرئاسة جاءت القضايا السياسية في المرتبة الأولى بنسبة 55.4% ثم الأمنية وتلاها الدينية والاقتصادية، وفي المرتبة الأخيرة القضايا الإعلامية (الأداء الإعلامي للرئيس) والتي أول مرة تعرض على الشاشات المصرية بل والعربية، ورأت أنه فيما يخص الأسباب الدينية الداخلية التي طرحتها البرامج، جاء في المرتبة الأولى ادعاء الجماعات الإرهابية الإسلام، ويرجع ذلك إلى أن تلك الجماعات تتستر بالإسلام فترهب من يختلف معها سياسياً لتحقق أهدافها الاقتصادية وأجندتها السياسية، وجاء في المرتبة الثانية ضعف أداء الأزهر، فانتشار تلك الجماعات قد يعكس عدم قيام الأزهر بدوره على الوجه الأمثل في نشر صحيح الدين، وجاء في المرتبة الأخيرة تحسين صورة الإسلام، ويتفق ذلك مع سيطرة تلك الجماعات الإرهابية على مناطق الثروات في العراق وليبيا ومن ثم يدرك العالم حقيقة استخداماتهم الخفية للدين، ويُلاحظ عدم اهتمام البرامج غير المصرية بعرض أسباب دينية للقضايا ويتفق ذلك مع اهتمام برنامج المساء بالقضايا السياسية والاقتصادية خاصة الخارجية، إلا أن اهتمام برنامج ما وراء الخبر الواضح بالقضايا السياسية الداخلية يتناقض مع عدم اهتمامه بالقضايا الدينية كتجديد الخطاب وأهميته في القضاء على الإرهاب ليس في مصر فقط بل إقليمياً ودولياً. 

Foundation Chair
دراسة الأداء السياسي بشكل عام 

وأشارت إلى تفوق عرض العلاقات المصرية الخليجية لتأتي في المرتبة الأولى، ويرجع ذلك إلى طبيعة القضايا المثارة وخاصة زيارات الرئيس للخليج من أجل توحيد الرؤى ودعم الخطوات العربية في المجالات المختلفة، ويأتي في المرتبة الثانية العلاقات المصرية بدول الجوار، فقد نجح الإرهاب في السيطرة على بعض الدول العربية من حولنا واستخدامها كمقار له ولقيادتها يوجه منها هجماته وضرباته للدول الأخرى كما هو الحال في الشقيقة ليبيا (ذبح داعش لمواطنين مصريين) ليكتمل بذلك الحصار الحدودي لمصر، وجاء في المرتبة الثالثة علاقات مصرية بدول حوض النيل، ويرتبط ذلك بإعلان إثيوبيا رغبتها في بناء سد النهضة لتوفير الكهرباء اللازمة لعمليات التنمية بها في يناير/كانون الثاني 2011 بالتزامن مع كثير من التغييرات السياسية بمصر وتخوفات مصر من تأثيره على تهديد الأمن المائي لها خاصة في ظل الاختلافات حول الدراسات الخاصة بالسد ومعامل الأمان وشروط الملء والتفريغ وتعنت إثيوبيا باستمرار البناء أياً كانت النتائج، واحتلت المراتب الأخيرة القضايا المتعلقة بالمنظمات الإقليمية والدولية ويرتبط ذلك بتصعيد بعض القضايا التي تم عرضها سواء على صعيد إقليمي أو دولي.
وأكدت الباحثة أن الاستراتيجية الشاملة لمكافحة الإرهاب فيما يخص الحلول السياسية التي طرحتها البرامج، جاءت في المرتبة الأولى ويعكس ذلك أولويات تلك المرحلة التي تمر بها مصر وخطوات الرئاسة في التعامل مع الإرهاب، ويأتي في المرتبة الثانية محاسبة المسؤول، فكثير من الأحداث السـياسية تحتاج إلى رد فعل سريع وحاسم تجاه الفاعل لضمان عدم تكرارها سواء كان ذلك عن عمد أو كخطأ ناتج عن إهمال وعدم اتخاذ قرار مناسب، وجاء في نفس المرتبة الثالثة قائمة حزبية موحدة ويتفق ذلك مع قرب انتخابات مجلس النواب والذى قد تستغله الجماعات الإسلامية للنفاذ إلى أي ركن من أركان الدولة، وجاء في المرتبة الرابعة التغييرات الحكومية، وقد يعكس ذلك عدم التوافق ما بين خطوات الرئاسة وأولويات تلك المرحلة وتفاعل الحكومة مع متطلبات الوضع الحالي، وجاء استخدام الحلول السياسية في المرتبة الخامسة، وقد يتفق ذلك مع رؤية الرئيس لأهمية تبنى استراتيجية شاملة للحرب سياسية ودينية وإعلامية ومخابراتية برؤى واضحة حتى لا يكون الحل الأمني هو الحل الأول والوحيد، وجاء معه في نفس المرتبة دمج الشباب سياسياً، فمشاركة الشباب في العمل السياسي إحدى الوسائل المهمة للقضاء على جذب الإرهاب لأعضاء جدد، وجاءت الشفافية في المرتبة الأخيرة بنسبة 2%، فتواصل القيادة السياسية الدائم مع وسائل الإعلام وفي كافة المناسبات تعكس رغبته في تأسيس قواعد الشفافية، وجاء معه في نفس المرتبة المحاكمات العادلة ويعكس ذلك المكانة التي يحتلها القضاء المصري وأحكامه خاصة في القضايا الكبرى.
واتضح للباحثة فيما يخص الحلول الدينية التي طرحتها البرامج، أن كلاً من تجديد الخطاب الديني ومراجعة وتعديل مناهج الأزهر الشريف جاءت كأهم حلول بنسبة 5% إلا إنه قد اقتصر عرضهما على القنوات المصرية فقط، وتتفق تلك الحلول المقترحة مع خطوات الرئيس السيسي في تجفيف منابع الإرهاب الذى يستغل الدين لنشر الكراهية والعنف ويتطلب ذلك مراجعة المناهج الأزهرية التي تستغلها تلك الجماعات لتأصيل ونشر الفكر الإرهابي، وتلاهما مشاركة المجتمع في تجديد الخطاب الديني بنسبة 4%، فنشر معانى الإسلام الصحيح ليست مسئولية الأزهر وحده بل هي مسئولية الجميع.
في ضوء اهتمام الباحثة بدراسة الأداء السياسي بشكل عام لتفعيل الدور الرقابي للإعلام، وتوحيد جهود وسائل الإعلام لخدمة متطلبات تلك المرحلة قدمت عددا من المقترحات من بينها: الاهتمام بالظهور الإعلامي للرئيس في البرامج الحوارية بالقنوات المصرية بقدر الاهتمام بالأحاديث المباشرة، فعلى قدر ما تتيحه الأحاديث المباشرة من تلقائية وارتجال بقدر ما يعكس الحوار بعض الصفات وملامح الشخصية وهو ما يقربه من الجماهير. والاهتمام بالجوانب الفنية في لقاءات الرئيس كحجم اللقطات وزوايا التصوير والمونتاج فعلى قدر ما تكون غير ملحوظة إلا أنها تؤثر سلباً على تفاعل الجمهور مع ما يتم عرضه. وإنتاج وترجمة برامج وثائقية ومواد فيلمية بلغات مختلفة تعكس نجاحات الجيش المصري لضمان تحقيق الأثر الإيجابي داخلياً وخارجياً.‏ وتوحيد جهود وسائل الإعلام وتكاملها مع مواقع التواصل الاجتماعي لخدمة أولويات تلك المرحلة، بداية برصد ومراقبة كل ما يمس الجماعات الإرهابية، وصولاً لتفعيل المشاركة والرد على تساؤلات المتعاملين مع تلك الوسائل.