دستور تونس الجديد يقلص المسافة مع صندوق النقد الدولي
قال الخبير الاقتصادي معز الجودي في تصريح خاص لـ"ميدل إيست أونلاين" إن "بذور الموقف المرتقب لصندوق النقد الدولي الأخيرة إزاء تونس كانت واضحة منذ زيارة مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالصندوق جهاد أزعور إلى تونس يومي 20 و21 يونيو/ حزيران الماضي ولقائه برئيس الجمهورية قيس سعيد، الذي قد يكون أطلع أزعور على بعض مضامين مشروع الدستور الجديد".
وذكرت وكالة التصنيف الائتماني فتش رايتنغ أن تونس ستتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في النصف الثاني من 2022 دون الحاجة لإبرام اتفاق مع النقابات، مع استمرار رغبة المقرضين الرسميين في دعم البلد بعد الموافقة على الدستور الجديد.
وأوضح الجودي أن "احتكار رئيس الجمهورية للسلطة التنفيذية يعني أنه سيكون للصندوق طرف رسمي قوي يمكنه التفاوض معه وبالتالي لن تكون هناك عقبة أمام صندوق النقد لإبرام الاتفاق مع الحكومة التي سيكون رئيسها الفعلي سعيد".
ويُنتظر أن يوقع صندوق النقد الاتفاق مع تونس بخصوص القرض الجديد البالغ 4 مليارات دولار على أربع سنوات.
فتش رايتنع تؤكد أن الدستور يوفر أساسا أقوى لتحرك تشريعي دون الحاجة لاتفاق مع النقابات
واعتبرت الوكالة في يونيو/ حزيران المنقضي أن توصل الحكومة التونسية والاتحاد العام التونسي للشغل إلى اتفاق حول الإصلاحات الاقتصادية يمكن أن يفضي إلى صرف تمويل من صندوق النقد الدولي ودعم موقع تونس للحصول على تمويل خارجي.
وأضافت أن التجاذبات بشأن هيكل دستوري مستقبلي تعيق التوصل إلى اتفاق وتزيد من مخاطر دخول تونس في برنامج مع صندوق النقد الدولي من الآن إلى نهاية الربع الثالث من سنة 2022 وهو السيناريو الأساسي.
وبررت الوكالة الجمعة، إمكانية إبرام تونس اتفاقا مع صندوق النقد الدولي دون اتفاق مع النقابات، بأن "الدستور يوفر أساسا أقوى لتحرك تشريعي".
وبات لتونس دستور جديد بعد أن وافق التونسيون بأغلبية واسعة في استفتاء شعبي عام أجري في الـ25 من يوليو/ تموز الجاري.
وقال الجودي إن الاتفاق مع صندوق النقد سيؤثر على موقف موديز وفتش اللتين ستستبدلان على الأرجح عبارة "آفاق سلبية" بـ"آفاق مستقرة"، الأمر الذي سيُمكّن الاقتصاد التونسي من استرجاع بعض الثقة من قبل دوائر المال العالمية.
ورجح أن تحافظ البلاد على تصنيفها الصادر في آذار/ مارس الماضي لأنها ستلتزم بتعهداتها من حيث خدمة الدين خلال هذا العام، محذرا من أن خدمة الدين ستؤثر سلبا في تآكل احتياطي تونس من النقد الأجنبي ومواصلة انحدار سعر صرف الدينار التونسي مقابل اليورو والدولار.
وتوقعت فتش تناقص احتياطيات تونس الدولية تدريجيا وانخفاض قيمة الدينار، في حال غياب التمويل.
وأصدرت مجموعة خبراء تابعين لصندوق النقد الأسبوع الماضي، تقريرا إيجابيا عن لقاءات وصفوها بـ"المثمرة" أبرموها مع مسؤولين سامين في الدولة التونسية ورؤساء منظمات مدنية كبرى على رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي أبدى أمينه العام نور الدين الطبوبي بعض اللين في موقفه من شروط الصندوق لضخ دفعة جديدة من التمويلات التي تحصل عليها تونس بشكل دوري من الصندوق مقابل إدخال إصلاحات هيكلية على المنوال الاقتصادي التونسي.
ويشترط صندوق النقد رفع الدعم (التعويض) عن المواد الأساسية والمحروقات والضغط على كتلة الأجور المتضخمة بالقطاع العام.
ويعارض الاتحاد هذين الشرطين معتبرا أنهما يؤثران سلبا على القدرة الشرائية للشغالين.
وأثارت عدم مشاركة اتحاد العام الشغل في الحوار الوطني المقترح من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد وشنه إضرابا عاما في القطاع العام، مخاوف لدى الصندوق تتعلق بمدى قدرة تونس على تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي.
وقالت الوكالة وقتها إن "مشاركة الاتحاد تزيد من مصداقية برنامج الإصلاحات الاقتصادية وتزيد من فرضية التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي".
قبل الاستفتاء سادت توقعات بأن يتجاوب صندوق النقد مع تونس بأكثر إيجابية في حال مرور الدستور الجديد
وأضافت في وقت سابق أن "الرئيس سعيّد لديه دعم شعبي لكن تبنّي إصلاحات سياسية واقتصادية، دون دعم الاتحاد العام التونسي للشغل يبقى أمرا صعبا".
وقبل إجراء الاستفتاء على الدستور توقع عديد المتابعين للشأن الاقتصادي التونسي أن يتجاوب صندوق النقد مع تونس بأكثر إيجابية في حال مرور الدستور الجديد.
وقال باديس شبيلات المحلل لدى موديز تعليقا على التصنيف السلبي للقطاع البنكي التونسي الشهر الماضي، إن "ضغوط التضخم التي فاقمها تأثير النزاع العسكري في أوكرانيا واحتمال تراجع قيمة العملة المحلية، في حال فشلت المباحثات المتعثرة بمخطط الإنقاذ مع صندوق النقد الدولي، ستزيد من حدة مشاكل قروض البنوك وتفاقم شح السيولة ما يمكن أن يشكل خطراً على قيمة مردوديتها".
وأضاف أن "الانتعاشة الاقتصادية الهشة لتونس بعد ركود شديد جراء جائحة كورونا واستمرار عجز الموازنة وعدم القدرة على الخروج إلى أسواق المال العالمية، سيكون لها تأثير في القدرة على السداد وعلى تأمين السيولة لدى البنوك خلال الفترة المتراوحة بين الـ12 و18 شهرا المقبلة".
وأسهمت التمويلات التي تحصلت عليها تونس من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك الإفريقي للتصدير والاستيراد من تخفيف الضغط على موارد تونس من العملة الصعبة على المدى القريب خاصة في ظل ارتفاع أسعار المواد الأولية على غرار البترول والقمح بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.