دفاعًا عن متعة اللمس والحبر الأخضر


جوانا نوفاك تدافع عن فكرة الكتابة على أصولها فلا شيء يضاهي المتع الملموسة وفوائد الكتابة باليد.
نحن لا نحتاج إلى استبدال الصور المجسمة في هيئة أفاتار بأجسادنا، بقدر حاجتنا إلى رعاية حاسة اللمس التي تجدد شعورنا بالبقاء على قيد الحياة.

استعدت تجربة الروائي الراحل فؤاد التكرلي عندما كان يكتب مقالاته بقلم الحبر الأخضر الذي لا يفضّل سواه، وكان يضع المقال تحت تصرف ابنه الصغير عبدالرحمن ليكون مدير أعماله التكنولوجي. لم يتجاوز عبدالرحمن الخامسة عشرة من عمره لكنه تعمق كثيرا في احتراف والده للكتابة، وهو يعيد طباعة ما كتبه الأب في كمبيوتره البدائي، إلى درجة أنه كان يقترح على أبيه بعض التفاصيل التي لا تمنع صاحب المسرات والأوجاع من الابتسام!

كان الصغير يحث أباه على الرد على كاتب موتور انتقد بطريقة جوفاء أحد مقالات التكرلي، ليس حبّا في نتاج الأب، بل لأنه مَن طَبَع المقال وأرسله إليّ لنشره، كان يشعر بأن ماركة المقال مشتركة بينه وبين أبيه فؤاد التكرلي.

اليوم وجدت معادلا بعد أكثر من عقد على رحيل الروائي العراقي في فكرة الدفاع عن الكتابة وفق أصولها القديمة، تتحمس لها الروائية والشاعرة الأميركية جوانا نوفاك.

هذه الكاتبة ليست متخلفة تكنولوجيًّا، وهي أقرب إلى عمر عبدالرحمن التكرلي، لكنها تتوق إلى الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يمنحها إياه فيسبوك اليوم وميتا في المستقبل.

تدافع عن فكرة الكتابة على أصولها فلا شيء يضاهي المتع الملموسة وفوائد الكتابة باليد، عندما توضع أمامنا صفحات المخطوطات التي كان يدونها كبار صناع الأفكار، آخرها مخطوطة لأينشتاين بيعت بثروة مالية، بالطبع نتذكر مخطوطة “مئة عام من العزلة” بوصفها علامة تاريخية في الكتابة آنذاك، وكيف أرّخت لما دار بين غابريال غارسيا ماركيز وزوجته ميرسيدس!

لدى هذه الكاتبة أمثلة مفضلة تدافع فيها عن فكرة الكتابة باليد، مع أنها تملك في منزلها أجهزة طباعة، فمتعة اللمس التي يوفرها لها الورق والقلم غير متاحة في الخدمات التكنولوجية المغرية.

تدافع عن تلك المتعة عندما لا تريد للتكنولوجيا أن تبعدها عن جسدها، مع أنها غير مناهضة للتكنولوجيا أو مرتبطة بشكل متطرف بمتعة أقلام الحبر والكتب الصلبة، مستعينة بجملة للفيلسوف الأيرلندي ريتشارد كارني “إذا فقدنا الاتصال بأنفسنا فإننا نفقد الاتصال بالعالم. عندما لا يوجد اتصال ملموس، فلا صدى بين الذات والآخر”.

كذلك تستعيد نوفاك الإحساس الأكثر حيوية الذي توفره الكتابة التقليدية في اللمس باعتباره حاجة أساسية مرتبطة بالشعور بالبقاء على قيد الحياة، فاللمس أساسي لإنسانيتنا وهو أول شعور قابل للتطور إلى مشاعر أخرى لدى الإنسان.

وترى أن ميتا التي يضعها فيسبوك للمستقبل كأحدث تكنولوجيا، تجعلنا أكثر نفورا من أجسادنا، فنحن لا نحتاج إلى استبدال الصور المجسمة في هيئة أفاتار بأجسادنا، بقدر حاجتنا إلى رعاية حاسة اللمس التي تجدد شعورنا بالبقاء على قيد الحياة.