دموع في عيون المرايا

رواية إنجي البسيوني تحكي قصة حب عادية، قصة فريدة الكاشف التي تعمل بالصحافة.
فصول الرواية تصور أجواء واقعية يتجاذبها نزوع عاطفي وليس رومانسيا
التعارف يحدث ببساطة وبنفس الطريقة التي اتبعتها أحلام مستغانمي في "فوضى الحواس"

تحكي رواية "عيون المرايا" للدكتورة انجي البسيوني، قصة حب عادية، قصة فريدة الكاشف وهي أرملة تعمل بالصحافة، سافرت إلى باريس في مهمة عمل، وهناك تلتقي بباهر وهو أكاديمي مصري يعمل في إحدى جامعات باريس، يحبها وتبادله الحب، وتعلم أنه مريض بمرض يهدده بفقدان الذاكرة، لكن لا مرضه ولا الحادث الذي تعرض له وكاد أن يودي بحياته حالا دون زواجهما، لتنتهي الرواية بإقرار فريدة بأن أوقات السعادة محدودة ومعدودة فاقتنصتها لتحيا على ذكراها ذات رحيل.   
وهكذا مضت فصول الرواية مصورة أجواء واقعية يتجاذبها نزوع عاطفي وليس رومانسيا، ونلمس أشكال هذه الواقعية في المشاعر والتوجسات والتأملات عند كل من باهر وفريدة. بما يذكر بروايات أحلام مستغانمي التي صنفها بعض النقاد بأنها "واقعية عاطفية"، وقد ذكر النص أن مستغانمي هي الكاتبة المفضلة لدى فريدة، ونقلت عنها مقولتها "أحبيه كما لم تحب امرأة، وانسيه كما ينسى الرجال". وقد امتد تأثيرها إلى بعض أحداث الرواية وخصوصا عند لقاء فريدة وباهر لأول مرة في المطعم: "كانت مرتبكة بعض الشيء، صبت الشاي ثم عادت إلى طاولتها وهي تحمل الفنجان ومن فرط توترها سقط هاتفها، فانحنت لالتقاطه فإذا بشخص ما يسبقها لذلك ثم يعطيه لها بأدب جم فابتسمت ابتسامة ودودة".
هكذا حدث التعارف ببساطة، وبنفس الطريقة التي اتبعتها أحلام مستغانمي في "فوضى الحواس"، إذ تم التعارف بين الحبيبين في السينما، حيث يجلس شخص ما بجوار البطلة، يتابع الفيلم، وعندما يسقط من أذنها القرط تبحث عنه في الظلام، وفجأة تشتعل ولاعة الرجل الجالس بجوارها مضيئًا لها لكي ترى القرط، هكذا تقريبا نفس طريقة التعارف.

الفصل الثاني يبدأ بتقرير غير سردي عن إضراب السترات الصفراء، هذا التقرير لم يفد الرواية، وكان يمكن الإفادة منه خاصة وأنه حدث وقت وجود فريدة في باريس وهي تعمل بالصحافة

كذلك تثير الرواية عدة ملاحظات ابتداء من العنوان "عيون المرايا"، فالعنوان وبوصفه العتبة الأولى هو أول ما يطالعه القارئ من النص، لذا  يجب أن يكون متضامنا مع المادة السردية، لا مفسرا لها، وأن يكون نصا جاذبا وجماليا، وهذا ما فعلته الكاتبة باختيارها الموفق لعنوان "عيون المرايا"، وقد اختارته من بين ثنايا عملها، ففي ص 82 نقرأ: "وقال: أتعلمين لو أن للمرايا عيونا وذاكرة ستكون هذه المرآة أسعد المرايا حظًّا، كم هي جميلة صورتنا فيها، كم يليق كل منا بالآخر، أتمنى لو نظرت إليها بعد ذلك واستحضرت صورتنا هذه كما كانت تفعل العرافات في العصور القديمة"ز 
باهر تمنى لو أن للمرايا عيونا وذاكرة ليستحضر من خلالها صورة الحبيبة، وكأنه كان يستشعر أن الفراق آت لا محالة، وفريدة تعاملت مع مراياها وكأنها ذات عيون فأكثرت من التحديق فيها، سواء في بيتها أو بيت باهر أو الفندق الباريسي، وكأنها أرادت أن تتأكد من وجودها ذاته برؤية صورتها منعكسة في المرآة.  
وللمرايا حضور في النص كله ابتداء من الفصل الأول، ففي حلم فريدة أو كابوسها ترى المرآة لامعة وسط الخراب، تنظر فيها فترى وجهها حزينًا في المرآة وعيناها تذرف دمعًا أسود، فتحسَّست وجهها فلم تجد آثارًا لدموع، ففي الحلم لم تعكس المرآة ملامحها بل أظهرت روحها وعكست مخاوفها وقلقها. وكما تقول الرواية على لسان العجوز: "وما انعكاساتنا في المرآة إلا حقيقتنا التي نخبئُها ونخفيها عن أعين الناس، وما انعكاساتها إلا انعكاس لما تخفيه أرواحنا".     
فالعنوان إذن جاء كعتبة نصية موفقة قادت إلى استهلال جيد للرواية، والاستهلال كما يقول الكاتب العراقي ياسين النصير: "لا يضعك دفعة واحدة في صلب العمل ولا يحوم كذلك حول العمل؛ وإنما يمهد لك الطريق إلى أسرار العمل الداخلية. إنه أشبه بمفتاح باب البيت الكبير". 
وقد افتتحت انجي البسيوني روايتها بكابوس أقلق شخصيتها الرئيسة "فريدة"، واستهلته بقولها: "وجدَت نفسها تقف على أعتاب دهليزٍ طويل جدًّا، فتعجَّبت كثيرًا، من أتى بها إلى هنا، وما هذا المكان الموحِش المُريب الذي يبدو من أثاثه المترِب أنه بيت مهجور لا يوجد فيه أحد".
هكذا يعبر الكابوس عن نفسها القلقة ومخاوفها من المستقبل الذي لا تطمئن إليه، فهي على حافة الأربعين تعيش وابنتها وحيدتين بعد أن فقدت الأب ثم الزوج، وهكذا تعبر الافتتاحية من خلال الكابوس عن التيه النفسي الذي تعانيه فريدة، وعن رغبة دفينة لم تعلن عنها فريدة حتى لنفسها، فهي في أعماقها تهفو لحب آخر، لرجل يأخذ بيدها وينجيها من التيه، ربما لذلك لم تفلت الفرصة التي سنحت لها في باريس، فقد التقت به صدفة في المطعم، وفي اليوم التالي قبلت دعوته لتناول الشاي، وتدريجيا يتأكد الحب وتنتهي الرواية بزواج الحبيبين، رغم أن ما مر بهما كان كفيلا بأن يضع نهاية أخرى، كل الأحداث كانت تقود إلى موت باهر أو على الأقل عدم إتمام الزواج، وهكذا قد يحدد الاستهلال النهايات، أو على الأقل يؤثر فيها، وهو ما دعا الناقد الأميركي روبرت شولز إلى قوله: "انظر إلى البدايات والنهايات فالحركة في القصة هي على الدوام من وإلى. والإمساك بالبدء والانتهاء سيؤدي إلى فهم الاتجاه المتخذ للحدوث من البداية إلى النهاية".  

novel
التيه النفسي 

وكما يؤكد الناقد الفرنسي كلود دوشيه أن "الافتتاحية لا تأخذ معناها إلا في ضوء علاقتها بخاتمة النص"، هكذا تواطأت البداية مع الكاتبة ورغبتها في وضع نهاية سعيدة لقصة حب متعثرة، وهذه النهاية ربما لم تكن لتحدث لو لم تفلت الكاتبة من يدها خيوطا لو أحسنت استغلالها لأغنت نصها وزادت من دلالاته، ومن هذه الخيوط التي جاء ذكرها عرضا ولم تثرِ الكاتبة عملها بها، ومن أمثلتها ما حدث لنهال صديقة كارما، وقد تحرش بها زوج أمها، لم تتعمق الرواية في هذه النقطة المهمة، التي جاءت لفريدة كرسالة قدرية تدعوها لرفض الارتباط برجل ثان حتى لا يتكرر مع ابنتها ما حدث مع نهال، لكن الرغبة في النهاية السعيدة حسمت الأمر.
ويلاحظ قارئ الرواية مدى التفاوت في مستوى لغة السرد بين موضع وآخر، فمثلا مفتتح الرواية، يصلح كمثل للغة سلسة، وموحية، لكن يفقد الأسلوب قدرته الإيحائية ويأتي تقريريا جافا خصوصا في المقاطع التي يتولى فيها الراوي العليم مهمة تعريفنا بالشخصيات، كأن يقول باهر عزالدين، سكندري المولد والنشأة، أو فريدة حلمي الكاشف، سيدة في التاسعة والثلاثين من عمرها تقيم في مدينة القاهرة في حي النزهة.
_ يبدأ الفصل الثاني بتقرير غير سردي عن إضراب السترات الصفراء، هذا التقرير لم يفد الرواية، وكان يمكن الإفادة منه خاصة وأنه حدث وقت وجود فريدة في باريس وهي تعمل بالصحافة. ويفترض أن تكون مثقفة وذات رؤية وموقف، لكن مر بها الحدث ومرت أيام إقامتها بباريس دون أثر إلا لقائها بباهر.
_ كذلك كان المكان في الرواية مجرد إطار للأحداث، لم يكن عنصرا فاعلا، لم يؤثر لا في الشخصيات ولا في الأحداث.