دوغلاس كينيدي يصوّر عمق الانقسام الأميركي في 'الرجال يخافون من النور'

الكاتب الأميركي يضيء في روايته على الجانب المظلم من الولايات المتحدة مسلطا الضوء على الطفرة المسيحية في مواجهة 'الاسترخاء الأخلاقي' ليبين إلى أي مدى أصبح الحوار بين المعسكرين مستحيلا.

بعد أن تتم إقالته يجد بريندان، وهو في الخمسينيات من عمره، نفسه عاطلا عن العمل، وللتعامل مع الاحتياجات الأكثر إلحاحا وكسب المال بسرعة، يقرر العمل لدى أوبر. خلف مقود سيارته، لا يتوقف الزبائن الذين لا يطاقون عن الركوب والنزول، في متاهة لوس أنجلس، حيث تجتمع الثروة الأكثر وقاحة مع الفقر الأكثر كارثية.

عندما يقوم بنقل زبونة اسمها إليز، لا شيء يسمح له بتوقع الكارثة التي توشك أن تزلزل وجوده. ومع ذلك... فإن الأحداث التي سيعيشها ستجبره -هو الرجل المتضرر بشدة من الأزمة، المتزوج الذي لديه ابنة- على إعادة النظر في أولوياته والتساؤل عن أسئلة جوهرية.

تصبح الولايات المتحدة بسبب ترامب الذي تسبب في تفاقم الانقسام الذي تعانيه، بعد اعتلائه العرش، مثالا لا ينبغي الاحتذاء به.

يسلط دوغلاس كينيدي الضوء على الجانب الآخر من أميركا، الجانب المظلم، المضاد للحلم الأميركي: الأوضاع المالية الصعبة، فقدان الوظيفة دون سابق إنذار، ودون تأمين البطالة أو التأمين الصحي، والوظائف الغريبة الضرورية للبقاء على قيد الحياة، كما يكشف عن نظام عمل أوبر.

من خلال معرفتي الجيدة بالولايات المتحدة، أود أن ألفت انتباهكم إلى نقطة واحدة: كل ما قاله دوغلاس كينيدي في "الرجال يخافون من النور" صحيح. كل شيء عن الحياة في لوس أنجلس، وتكاليف المعيشة، وعادات الأغنياء، والعبيد المعاصرين، صحيح.

ظهرت هذه الرواية في لحظة مهمة من تاريخ البلاد: التشكيك في حق المرأة في الإجهاض.

لقد أدرك الحزب الجمهوري أن استعادة البيت الأبيض يتطلب حشد الأصوليين الدينيين لصالح قضيته. إن تصوير دوغلاس كينيدي لأفكار داعش أميركا من خلال الكاهن تودور (إحدى شخصيات الرواية)، يوضح بشكل جيد للغاية إلى أي مدى يسعى البيض المتطرفون إلى الاستحواذ على السلطة والتحكم في السود -بشكل واضح- وفي النساء كذلك.

تحظر الكثير من الولايات الأميركية -حاليا- الإجهاض، وبالتالي، هناك الآلاف من النساء في منزلة الدجاج البياض، حيث لم يعد للمرأة أي حق في التصرف في جسدها: حالات الحمل غير المرغوب فيه، الاغتصاب، سفاح القربى، مهما كان السبب، فإن الجواب على الحق في الإجهاض يظل كما هو: لا، بل وحتى وسائل منع الحمل أصبحت غير قانونية في بعض الولايات مثل لويزيانا.

الرواية تظهر في لحظة مهمة من تاريخ البلاد: التشكيك في حق المرأة في الإجهاض

يحلل دوغلاس كينيدي الخطاب البيوريتاني، ويسلط الضوء على هذه الطفرة المسيحية في مواجهة "الاسترخاء الأخلاقي" ليبين إلى أي مدى أصبح الحوار بين المعسكرين مستحيلا بكل بساطة.

إنه زمن تشهد فيه الولايات المتحدة الأميركية حربا أهلية للأفكار وتراجعا حادا في التعليم وزيادة الجهل الذي تغذيه الأخبار الكاذبة.

الذين هم مثل بريندان الذي لا يزال بإمكانه إثارة النقاش، مشغولون للغاية بالبقاء على قيد الحياة في مدينة مترامية الأطراف حيث المال هو الملك.

أرى أن دوغلاس كينيدي كان ذكيا للغاية حين جعل زوجة بريندان مناضلة بيوريتانية نشيطة. لقد وجدتها فكرة رائعة بقدر ما هي حقيقية، فهذا يظهر بوضوح أن الأصولية لا تخص الرجال فحسب، بل إن النساء أيضا، ولأسباب عديدة من بينها الخلفية الثقافية والاجتماعية... إلخ، يعتبرن أسلحة جيدة للإقناع والتجنيد.

إذا كانت "الرجال يخافون من النور" في المقام الأول رواية إثارة مشوقة، ذات حبكة رائعة ومنعطفات وتقلبات جيدة، فإنها قبل كل شيء صورة مثيرة للاهتمام للغاية لأميركا اليوم: عدم الاستقرار، الانقسامات الاجتماعية، التضخم، والصراع الطبقي. كما تشير إلى حق المرأة في التحكم في جسدها.

في عام 1985، تخيلت الأديبة الكندية الكبيرة مارغريت أتوود مجتمعا يقتصر فيه دور بعض النساء على الإنجاب للتعويض عن الانخفاض الحاد في معدل المواليد.

وكم كانت محقة! لا شك لدي أننا إزاء ديستوبيا. من الواضح أن هناك مستقبلا مرعبا يقترب أكثر فأكثر من حاضرنا.

وأخيرا، يُظهر دوغلاس كينيدي في "الرجال يخافون من النور" قدرته الكبيرة على الملاحظة والتحليل، بل وعلى التنبؤ أيضا. وقبل كل شيء، يبدي موهبة هائلة في كشف نمط تفكير مقزز ورجعي. إن عبارة "الخوف من النور" تعكس بقوة كل مخاوفي بشأن المصير الذي ينتظر النساء في السنوات القادمة.