دولة الولي الفقيه أم المشروع الشيعي

سيُقال أن الشيعة ذبحوا الشيعة. الصحيح أن الإيرانيين وأتباعهم ذبحوا العراقيين.

غير مرة تحدث نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق عن مؤامرات تُحاك ضد المشروع الإسلامي.

شخص طائفي بل ومنقطع عن العالم بطائفيته مثل المالكي يقصد بالمشروع الإسلامي المشروع الشيعي وهو ستار للمشروع الإيراني.

وإذا ما عرفنا أن النظام الإيراني قد نصب نفسه وصيا على أتباع المذهب الشيعي في العالم العربي فإن مشروعه لم يكن غامضا منذ البدء.

من خلال تلك الوصاية استطاع الإيرانيون أن يعززوا مواقعهم من خلال بث الدعاية المتعلقة بالعدو "السني" المفترض.

كان ذلك مناسبة لتكريس كذبة الحرب الدينية التي لم تنقطع بين يزيد، باعتباره قاتلا، وبين الحسين، باعتباره قتيلا.

كان المالكي قد أشار في أحد خطبه إلى تلك الحرب التي يمكن أن تكون مسوغا معقولا لرفع شعار طائفي رث هو "يا لثارات الحسين".

لقد هيأت إيران وأتباعها في العراق الأرضية المتينة لحرب أهلية لا تنتهي. انطلاقا من مفهوم المظلومية الذي سيظل قائما بالرغم من أن الشيعة في سياق نظام المحاصصة قد استلموا الحكم.

وبعد أن تم تدمير المدن ذات الأغلبية السنية وتحويل سكانها إلى حشود من النازحين الذين لا يملكون أملا في العودة إلى مدنهم اكتشف شيعة العراق أن المسألة لا تتعلق بصراع طائفي وأن ذلك الصراع لم يكن إلا وهما تمت صناعته من أجل سرقة الوقت بالرغم من أن الثمن البشري والمادي لتلك العملية كان باهظاً.

لم يكتف الإيرانيون بسرقة الوقت بل أنهم من خلال تلك السرقة استطاعوا أن يجهزوا على إمكانية بناء دولة في العراق بدلا من تلك الدولة التي حطمها الأميركان.

بدلا من أن يكون للعراقيين دولتهم أقام الفاسدون دولتهم التي حظيت برعاية إيرانية مقابل أن يُسمح لإيران تبسط سيطرتها من خلال الميليشيات المسلحة التابعة لها والتي قيل إنها جزء من البنية العسكرية الرسمية في حين أنها كانت في حقيقتها تعتاش على الدولة ولا تخضع لأوامرها.

لذلك لم يكن صادما أن نكتشف في الأحداث الأخيرة أن الميليشيات هي أقوى من الجيش وهي التي في إمكانها أن تُحيل ضباط ذلك الجيش الكبار على التقاعد بسبب اعتراضهم على ما يرتكبه أفرادها من مجازر في حق المدنيين الذين كان ينبغي على الجيش أن يحميهم.

قتلت الميليشيات الشيعية التابعة لإيران شبابا عراقيين محتجين على الأوضاع المعيشية المتردية لم يكونوا من "أتباع" يزيد غير أنها شملتهم بالعقاب نفسه الذي كانت قد نفذته قبل سنوات بأبناء المدن ذات الأغلبية السنية.

كان ذلك السلوك الهمجي بالنسبة للمنتفضين لحظة القطيعة التي انتظروها ليؤكدوا من خلالها صواب توجهاتهم. كان المشروع الإيراني هو الحقيقة أما المشروع الشيعي فهو الكذبة القذرة.

لم يكن هناك مشروع شيعي.

لقد ذبحت الميليشيات أبناء الناصرية والنجف وكربلاء والعمارة والديوانية وبابل وكلها مدن ذات أغلبية شيعية.

سيُقال أن الشيعة ذبحوا الشيعة.

الصحيح أن الإيرانيين وأتباعهم ذبحوا العراقيين المطالبين باستعادة وطنهم وحريتهم وكرامتهم وحقهم في العيش الكريم.

ما فعلته الميليشيات الإيرانية زاد من تصميم الشباب على إفشال المشروع الطائفي الإيراني واستعادة المشروع الوطني. 

فليست الدولة التي أقامها الطائفيون هي الحل. إنها دولة الفاسدين الذين يحتمون بميليشيات يقودها قاسم سليماني ولا يؤمن أفرادها إلا بشريعة الولي الفقيه القائمة على أساس فقدان الإنسان لحريته واستلابه وسرقة ثرواته وتجهيله وافقاره وسحقه من أجل أن يستعيد الفرس امبراطوريتهم التي لم تكن إلا لحظة عابرة في التاريخ.

العراقيون الشباب اليوم هم غير العراقيين الذين انطلت عليهم أكاذيب الأميركان عن الديمقراطية وشائعات الإيرانيين عن داعش التي ستحتل بغداد. إنهم جيل آخر. جيل وضع الحقيقة كلها على مائدته وصار وصيا على مستقبله، حتى وإن قدم من أجل تلك الوصاية حشودا من الشهداء.