دولة قراصنة في مواجهة المجتمع الدولي

الإيرانيون ليسوا أذكياء في دهائهم انما يمارسون غباءهم بعناد حتى ليظن المرء أنهم مقتنعون بأن الحقيقة بين أيديهم وأنهم لا يقولون إلا الصدق.

اختطفت إيران سفينة كورية. حاولت كوريا ان تحرر سفينتها بالطرق الدبلوماسية. غير أنها اصطدمت بلغة القراصنة غير المتوقعة.

كان شرط إيران لإطلاق سراح السفينة المختطفة أن تقوم كوريا برفع يدها عن أموال تقول أنها تعود إليها وجمدتها الأخيرة.

كوريا من جهتها لا تنكر وجود تلك الأموال ولكن العقوبات الأميركية تقف حائلا دون اطلاقها.

المسألة ليست معقدة ولا ملتبسة. ذلك لأن الجانب القانوني واضح فيها. كوريا كما هي أية دولة أخرى لن تعرض نفسها للعقوبات الأميركية من أجل ارضاء الإيرانيين الذين عليهم أن يحلوا مشكلة العقوبات مع الطرف الذي فرضها ومن ثم يتجهون إلى حل المشكلات الثانوية التي تفرعت عن الأصل.

والأصل يقع في الولايات المتحدة.

ذلك في ما يتعلق بالأموال المجمدة في كوريا وسواها من الدول.

أما مسألة السفينة وعملية اختطافها ومحاولة اجبار الجانب الكوري على اجراء عملية تبادل فإنه شأن لا يرقى عن كونه عملية ابتزاز لا يقرها القانون وليست كوريا أو أية دولة أخرى على استعداد لأن تكون طرفا فيها.

هنا يبدو الأمر في غاية التعقيد وملتبس وعصيا على الحل.

أيعقل أن الإيرانيين لا يدركون خطورة تداعيات تلك المسألة الشائكة وما يمكن أن تقود إليه من مواقف دولية متشددة؟

الأسباب الأولى التي أوردها الحرس الثوري الإيراني لقيامه باختطاف السفينة كانت مضحكة. فما الذي تعنيه البيئة لإيران بحيث صار الحفاظ على سلامتها هدفا تتحرك من أجله الجيوش؟ ذلك محض هراء اعتاد الإيرانيون على استغباء العالم به وهم يحاولون أن يبعدوا الأنظار عما يقومون به أو يصبون إليه. وفي ذلك يمكننا القول إن الإيرانيين ليسوا أذكياء في دهائهم انما يمارسون غباءهم بعناد حتى ليظن المرء أنهم مقتنعون بأن الحقيقة بين أيديهم وأنهم لا يقولون إلا الصدق.

بعد كذبة البيئة انتقل الإيرانيون إلى الحديث عن الأموال "المجمدة".

ولكن هل إيران في حالة حرب مع كوريا لكي تقوم باختطاف سفينة تابعة لها وتسعى إلى فرض مقايضتها بتلك الأموال؟

ذلك من جهة ومن جهة أخرى فإن القانون الدولي لا يميل إلى تشجيع القرصنة عن طريق الخضوع لمطالب القراصنة من أجل اطلاق السفن المختطفة. كانت للحالة الصومالية ظروفها التي تفهمتها الدول التي تأثرت بها وسعت إلى إنهائها.

الصوماليون لم يكونوا جيشا رسميا مثلما هو الحرس الثوري الإيراني.

لقد أرسل الكوريون إلى طهران وفدا رفيع المستوى لأنهم مصدومون أو لأنهم لم يصدقوا ما جرى. فلا يمكن لدولة أن تحل مشكلاتها مع دولة أخرى عن طريق القرصنة الرسمية. ثم أن كوريا بعيدة عن إيران وليست بينهما أية مشكلة. اما العقوبات الأميركية على إيران وما ترتب عليها فإن كوريا ليست الدولة الوحيدة التي لن تغامر في التعامل مع إيران بل أن دول العالم في معظمها صارت تحذر التعامل معها.

الإيرانيون مجانين إذ يطلبون من الكوريين اختراق العقوبات الأميركية. ذلك ما قصدته حين أشرت إلى الغباء الإيراني. أما أن يكون الخطاب الإيراني موجها هذه المرة إلى الولايات المتحدة فإنه يعتبر أكثر الرسائل غباء وأبعدها عن المنطق.

التعامل السياسي مع كوريا يعني في مستوياته الحساسة تعاملا مع ثوابت السياسة الأميركية. ذلك ما يُفترض أن يعرفه الإيرانيون فهم ليسوا هواة في السياسة. فهل اختار الإيرانيون مرحلة انتقال الرئاسة في الولايات المتحدة ليقوموا بمغامرة من النوع الذي يرضي غرائزهم في تحدي القانون الدولي؟ ولكن ذلك التصرف الأرعن قد تكون عواقبه سيئة.

يبدو أن النظام الإيراني كما هو معروف عنه يفكر بطريقة شاذة.

فقد لا تنطوي القرصنة التي مارسها الإيرانيون من وجهة نظرهم على تحد للولايات المتحدة. ذلك أنهم يعرفون جيدا أن كوريا لا تملك حلا للمشكلة. فهي ليست مشكلة كورية. ولكنهم أرادوا التذكير بمشكلتهم التي تسببت بها العقوبات الأميركية.

لقد أرادوا تسليط الضوء على العقوبات والتذكير بأضرارها لكن بأسلوب غبي. أولا لأن كوريا ليست هي العدو. ثانيا لأن القيام بتعويق الملاحة في المياه الدولية وخطف السفن هو عمل لا تقدم عليه دولة ترغب في أن يتم النظر إليها باحترام.                 

من المؤكد أن أحدا لن يتعاطف مع إيران في ما أقدمت عليه. اما الولايات المتحدة فإنها ستضيف إلى السجل الإيراني جريمة جديدة تؤكد من خلالها سلامة موقفها من إيران.

أخطأت إيران حين اعتقدت أنها ستضع كوريا في موقف حرج كما أنها أخطأت حين حاولت أن تذكر بأضرار العقوبات غير أنها في الأساس أخطأت في حق نفسها حين ظهرت أمام العالم باعتبارها دولة قراصنة.