ديمقراطية الاخوان في خطر وليست الحرية

لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية دينية وتظل الطرق سالكة.
انقلب سعيد على ذلك الاستبداد الذي قاد البلاد إلى فوضى مقصودة
النهضة بزعامة راشد الغنوشي اقتطعت عشر سنوات من حياة الشعب التونسي

هناك مَن يتحدث عن الديمقراطية الدينية رافعا شعار الدفاع عن حرية التعبير. تونس تعيش اليوم في ما يُسمى بمعصية الرئيس بالرغم من أن نبيل القروي وهو زعيم حزب قلب تونس قد ألقي عليه القبض في الجزائر هاربا من سؤال حرية التعبير الذي ترفعه حركة النهضة شعارا لها في مواجهة الخوف من استبداد الرئيس قيس سعيد الذي قرر أن يضع الجميع في مواجهة ما اقترفته أياديهم عبر السنوات العشر الماضية.

تبدو الحجة متهالكة. الديمقراطية والدين أمران متناقضان. الحرية والاستبداد لا يلتقيان. هل هناك سوء فهم يصل بالغرب إلى أن يناصر الاستبداد الديني على الديمقراطية؟ انقلب سعيد على ذلك الاستبداد الذي قاد البلاد إلى فوضى مقصودة. لمَ لا يكون القروي رمزا لتلك الفوضى؟ الرجل المتهم بالفساد الذي دعمته حركة النهضة فوضع حزبه في خدمتها فكان ذلك مكسبا لها في مجلس النواب.

وهناك مَن يستبدل مصطلحا بآخر للترميز لما يقع. الثورة والثورة المضادة. لكل واحدة منهما قواها. لكل واحدة منهما نسبتها من النجاح. كنا في ماضي الربيع العربي على يقين من أننا قد تعرفنا على الثورة. الشعب الذي رفع شعار "الشعب يريد تغيير النظام" هو الرائد فإذا بنا نكتشف بعد قليل من الوقت أن الشعب لم يكن إلا زبونا في مزاد دولي وأن الربيع العربي حقل غبار يخفي وراءه مستقبلا كالحا.

كان مخطط الثورة يقوم على استهلاك ما هو فائض من الوجدان الشعبي. ذلك ما حدث في مصر أولا. أيعقل أن تكون جماعة الاخوان المسلمين تنظيما ثوريا يقلب الواقع الفاسد ويحرث الأرض بأدوات تقدمية صالحة لأن تنهض بالمجتمع المصري وتعوضه عن سنوات الحرمان والفوضى والافقار وانهيار مفهوم العدالة الاجتماعية؟

في سنة واحدة كشف الاخوان أنهم في مكان والثورة في مكان آخر. فالتنظيم الذي كان فوزه في الانتخابات محصلة لسنوات طويلة من الفوضى قطف ثمار ثورة لم يشارك فيها وليس له علاقة بأهدافها ولا بمصير مادتها البشرية. اما حين انقلب الشعب على حكم الاخوان فقد انتشر مصطلح قوى الثورة المضادة والشعب هنا هو المقصود بالرغم من أن وسائل اعلام غربية مارست الكثير من التضليل من أجل أن يبدو أن هناك مؤامرة لإفشال الربيع العربي وحرمان الشعوب من فرصة التمتع بالديمقراطية.

الغرب هنا لم يكن معنيا بميزانه الخاص للديمقراطية. ديمقراطيته هي غير ديمقراطية المصريين والتونسيين. تلك شعوب تعودت أن تخلط الدين بوجباتها الغذائية. لذلك يمكن أن تكون هناك ديمقراطية دينية وتظل الطرق سالكة. ولكن الواقع رفض ذلك الافتراض النظري. فالاخوان في مصر وهم قوة دينية ذات نفوذ شعبي وصلت إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع ولكنها عبر سنة واحدة من الحكم خرقت كل شروط الحياة الديمقراطية. سنة واحدة كانت كافية لحرق كل آمال المصريين في الحفاظ على الحريات العامة وتطويرها.

اما حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي فقد اقتطعت عشر سنوات من حياة الشعب التونسي لتثبت في كل لحظة أن على الشعب الذي ارتكب خطأ انتخابها أن يدفع الثمن. لذلك فإنها لم تُصدم حين انفض الشعب عنها ما أن أعلن الرئيس سعيد عن قراراته الثورية. اخوان تونس تركوا قوى اليسار المريض تدافع وحدها عن الديمقراطية التي انقلب عليها سعيد اما هم فإنهم يعرفون أن هناك دولا وقوى وأجهزة اعلام ستدافع عنهم في مواجهة "قوى الثورة المضادة" التي هي من وجهة نظرهم تخون الثورة التونسية من غير أن تخرق الدستور.  

تلك واحدة من أهم النقاط التي استند عليها الرئيس التونسي في ثورته المضادة كما تُسمى. وإذا أردنا الحق فإن ديمقراطيي تونس الذين تدافع بعض أجهزة الاعلام الغربية عنهم هم الأكثر استبدادا في التاريخ السياسي المعاصر لتونس. وهكذا تكون قوى الثورة المضادة قد انتصرت على قوة الاستبداد الجديدة. ولكن ما موقع نبيل القروي من كل ذلك؟

تلاحق القروي تهم اقتصادية. فالرجل لا علاقة له بالعقائد. إنه رجل متهم بصفقات فاسدة وعمليات غسيل أموال. سمحت له الديمقراطية الخجول في أن يرشح لانتخابات الرئاسة وهو سجين. لا بأس. فشلت يومها الصفقة وخرج الرجل من السجن ليذهب إلى مجلس النواب. ولكن ذنوبه لا تزال تلاحقه بدليل أنه تسلل من البلاد بالرغم من أنه زعيم حزب سياسي.

انتظرت تونس طويلا لتقول كلمتها القاطعة الأخيرة في كل ما اقترحه ربيعها من تحولات. واثقة هي اليوم أكثر من أية لحظة في تاريخها من أنها تسير في خطها الوطني الصحيح.

ربما ستكون الديمقراطية الجاهزة والمعلبة في خطر. ولكن الحرية في تونس لن تكون كذلك.