ديمقراطية المُهرّجين: كيف تحوّلت الانتخابات الأميركية إلى سيرك؟
يمكن اطلاق عنوان موحد للحملة الانتخابية في الولايات المتحدة وهو التنافس على "تعزيز الابادة في غزة". فخلال المناظرة التي وصفت بالكارثية، تنافس المرشحان الرئاسيان جو بايدن ودونالد ترامب على تأكيد دعمهم المطلق لاستمرار الة القتل والدمار.
لم تكن المناظرة استعراضا سياسيا بين مرشحين امام الشعب الاميركي، لكنها تحولت إلى فضيحة اعلامية كشفت عن سوء الحالة السياسية في الولايات المتحدة، حيث انحرفت الديمقراطية عن مسارها لتصل إلى دعمٍ مُخجلٍ للإبادة الجماعية والاستبداد والعنجهية.
وبعد كل سنوات التبشير بالحرية، والحرب من اجل الديمقراطية، ظهرت بوادر الإرهاق الديمقراطي على العقل السياسي الاميركي، سواء على مستوى الداخل او الخارج، فقد وصل دعم الديمقراطية إلى أدنى مستوياته تاريخياً، واظهرت الرئاسة الأميركية، بغض النظر عن الحزب الحاكم، توحشا مفرطا.
لقد بالغت واشنطن في التشديد على أهمية الانتخابات المنتظمة، ولكنها اهملت اقران الافكار الديمقراطية بالممارسة الصالحة. واعتقدت ان دورية الانتخابات كافياً للحفاظ على الشكل الديمقراطي، وان رعايتها للمنظمات الحقوقية في الدول غير الديمقراطية كفيل بالإبقاء على سمعتها العالمية بوصفها "رعاية الديمقراطية".
حافظت أميركا فعلاً على موعد الانتخابات، لكنها ظلت تغض النظر عن ديناميكيات سياسية مقلقة أخرى. فبينما تسارع لرعاية عمل المنظمات المعارضة المسلحة ضد حكوماتها كما حدث في سوريا وليبيا، فانها لا تتوانى عن اسناد أنظمة قمعية في دول اخرى.
وبينما تُدين استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين خارج الولايات المتحدة، إلا أنها لا تتردد من استخدامها متى استدعت الحاجة. فقد شهدت السنوات الأخيرة العديد من حالات القتل المروعة على يد الشرطة، خاصة ضد الأقليات العرقية، مما أثار موجة احتجاجات واسعة تحت شعار "حياة السود مهمة".
وبينما تُعبّر عن قلقها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في الدول العربية والإسلامية، إلا أنها تغض الطرف عن الضرر الفادح الذي يلحق بحقوق الإنسان جراء سقوط مئات القذائف والصواريخ على غزة، والتي خلفت 38 ألف شهيد، وتسببت بنزوح مليون فلسطيني.
أدت السياسات الاميركية الفوضوية إلى تفاقم الفقر والجريمة والعنف في اغلب الدول، وساهمت انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها الى زعزعة الاستقرار في العديد من البلدان، مما أدى إلى نشوب الصراعات الأهلية والحروب وتدفق اللاجئين.
هذه الفوضوية تجلت في المناظرة الأخيرة. فعندما تنحصر المنافسة بين مريض بائس ومجرم محترف يتنافسان على لقب أسوأ زعيمٍ في العالم، وكلاهما لا يمتلكان منطقا سياسيا، ويدعمان الابادة وهتك المبادئ، فان ذلك يعطي مؤشرات خطيرة على المستوى الذي تدني اليه العقل السياسي الأميركي.
ألا يعد عيباً فاضحاً أن تنحصر خيارات الناخب الأميركي بين حزبين يتنافسان على إبادة الشعوب وسلب حقوقها ونهب خيراتها؟ ألم يحن الوقت لوضع حد لهذه القوة المارقة التي تفتقر إلى أيّ وازع أخلاقيّ، وأن تستعيد الأمة الأميركية قيمها الإنسانية وتشارك في بناء مستقبل أفضل لأميركا والعالم؟