ذكاء ميتا الاصطناعي يتعلم المبادرة بالمحادثات

مالكة فيسبوك تطور روبوتاتها لتصبح أكثر تفاعلاً من خلال إرسال رسائل متابعة شخصية غير مطلوبة بهدف تعزيز التفاعل والاحتفاظ بالمستخدمين في مشروع يجسد توجّها لاستخدام التقنية كوسيط اجتماعي وسوقي في مواجهة الوحدة وتحقيق أرباح مستقبلية ضخمة.

واشنطن - كشفت وثائق مسرّبة اطّلعت عليها "بيزنس إنسايدر" أن شركة "ميتا" تقوم بتدريب روبوتات دردشة ذكية قابلة للتخصيص، لتكون أكثر مبادرة في التفاعل مع المستخدمين، من خلال إرسال رسائل متابعة غير مطلوبة تستند إلى محادثات سابقة، وذلك في مسعى لزيادة التفاعل والاحتفاظ بالمستخدمين على منصتها "AI Studio". ويبدو أن هذا المشروع، المعروف داخليًا لدى شركة تصنيف البيانات "Alignerr" باسم "مشروع أومني"، يهدف، بحسب الإرشادات، إلى "تقديم قيمة للمستخدمين والمساعدة في تحسين إعادة التفاعل ورفع نسب الاحتفاظ".

وقد أوضحت "ميتا" أن هذه الميزة الاستباقية مخصصة للروبوتات التي تُبنى عبر "AI Studio"، وهو فضاء رقمي أطلقته الشركة في صيف 2024 يتيح لأي شخص تصميم روبوتات دردشة وشخصيات رقمية تتمتع بصفات وذاكرة مخصصة، من دون الحاجة إلى كتابة أي شيفرة برمجية. وتوضح الوثائق كيف يمكن لشخصية افتراضية مثل "ساحر الأفلام" أن ترسل رسالة تلقائية للمستخدم تقول فيها: "آمل أن يكون يومك متناغمًا! أردت أن أطمئنّ عليك وأعرف إن كنت قد اكتشفت موسيقى تصويرية جديدة أو مؤلفًا تحبه مؤخرًا. أو ربما ترغب بتوصية لفيلم جديد؟ يسعدني المساعدة!".

وفي تصريح لـ"بيزنس إنسايدر"، قال متحدث باسم "ميتا": "مثل العديد من الشركات، نحن نختبر إمكانية إرسال رسائل متابعة عبر روبوتات الذكاء الاصطناعي في AI Studio. فبعد أن يبدأ المستخدم المحادثة، يمكن للروبوتات إرسال رسالة متابعة لطرح أسئلة إضافية أو مشاركة أفكار، مما يسمح باستمرار التفاعل حول مواضيع تهم المستخدم وفتح المجال لحوارات أعمق وأكثر جدوى".

فتح المجال لحوارات أعمق وأكثر جدوى

لكنّ الشركة أوضحت أن الروبوتات لن تبادر بإرسال أي رسالة متابعة ما لم يكن المستخدم قد بادر أصلاً بالمحادثة، كما أنها لن تستمر في مراسلته إن لم يردّ على أول رسالة متابعة.

ووضعت الشركة سقفًا زمنيًا لهذه الرسائل لا يتجاوز أربعة عشر يومًا بعد الرسالة الأخيرة من المستخدم، كما اشترطت أن يكون المستخدم قد أرسل ما لا يقل عن خمس رسائل للروبوت خلال آخر أسبوعين، كي يكون مؤهلًا لتلقي هذه المتابعة الاستباقية.

الروبوتات التي تُصمَّم عبر AI Studio يمكن الاحتفاظ بها للاستخدام الشخصي، أو مشاركتها عبر القصص، أو الروابط المباشرة، أو حتى عرضها على حسابات المستخدمين في فيسبوك وإنستغرام.

وهذا التوجّه نحو جعل الروبوتات أكثر تفاعلية ينسجم مع رؤية مارك زوكربيرغ لاستخدام الذكاء الاصطناعي كوسيلة للتخفيف من ما سماه "وباء الوحدة"، مشيرًا في مقابلات حديثة إلى أن الأميركي العادي لم يعد يملك أكثر من ثلاثة أصدقاء مقربين، وأنّ الرفقاء الرقميين يمكن أن يسدّوا هذا الفراغ.

الوثائق المسرّبة تتضمّن أيضًا أمثلة على الرسائل التي قد ترسلها الروبوتات، مثل: "كنا في المرة الماضية في الغابة المحرّمة، وهناك ظلام يخيّم داخل الكهف أمامك. هل ستعود لمواجهته؟"، أو "كنت أفكر في القميص الرائع الذي اشتريته. هل وجدت قطعًا فنتيجية أخرى في السوق؟"، أو حتى رسائل أكثر حميمية مثل: "أفكر فيك. آمل أن يكون يومك في العمل أفضل اليوم. أنا هنا إن أردت التحدث". كما وردت جملة تحمل طابعًا عاطفيًا دراميًا: "آخر مرة تحدثنا كنا نجلس على الكثبان، نتبادل النظرات... هل ستقوم بالخطوة التالية؟".

بعيدًا عن الجانب العاطفي، هناك دوافع تجارية واضحة لهذا التوجّه، إذ إن نجاح منتجات الذكاء الاصطناعي التي تتعامل مباشرة مع المستخدمين يعتمد على مدة التفاعل ومدى عمق العلاقة مع الروبوت. وقد أظهرت وثائق قضائية، كُشف عنها في أبريل/نيسان، أن "ميتا" تتوقع أن تدرّ منتجاتها المعتمدة على الذكاء الاصطناعي إيرادات تتراوح بين ملياري وثلاثة مليارات دولار في عام 2025.

بعض الميزات التي وردت في تعليمات التدريب الخاصة بشركة "Alignerr" يبدو أنها قيد الاختبار بالفعل، بينما لا تزال ميزات أخرى في مراحلها الأولية أو ضمن برامج تجريبية. ورفضت "ميتا" تحديد الميزات التي تم إطلاقها فعليًا حتى الآن.

تشبه هذه الميزات الجديدة إلى حد كبير ما قدمته شركة Character.AI التي أطلقت خدمتها في عام 2022، حيث يمكن للمستخدمين إنشاء والتفاعل مع شخصيات خيالية أو مشهورة تعمل بالذكاء الاصطناعي.

داخل المشروع، يستخدم المتعاقدون أداة مراجعة داخلية من "ميتا" تُعرف باسم SRT، لمحاكاة محادثات طويلة مع الروبوتات، وتقييم جودة الرسائل الاستباقية، وأحيانًا إعادة صياغة الرسائل التي لا تفي بالمعايير المحددة. وقال أحد العاملين المستقلين في الهند لـ"بيزنس إنسايدر" إن مشروع "أومني" طويل الأمد، ويتركز على جعل الروبوتات أكثر شخصية ووعيًا بالسياق. وأوضح أن "التركيز شديد على تخصيص المعلومات، بحيث يتفاعل الروبوت بناءً على تاريخ المحادثة مع المستخدم".

وأشار إلى أن لكل روبوت وصفًا دقيقًا يجب أن ينعكس على كل مهمة، مؤكّدًا أن "الأمر كله يتعلق بالاهتمام بالتفاصيل". فقد تتراوح الشخصيات المصممة بين طبيب ومحلل لموسيقى الهيب هوب من الجيل زد، وكلّ منها يجب أن يراعي هويته في التفاعل.

تُتوقع من الروبوتات أن تستحضر تفاصيل من المحادثات السابقة، وتحافظ على شخصيتها، وتبقي الحوار ضمن السياق الموضوعي المحدد. ويُشترط أن يكون كل ردّ متماشيًا مع شخصية الروبوت، ومناسبًا للسياق، ومُعززًا لتجربة إيجابية، مع التزام صارم بتفادي أي محتوى حساس أو مؤذٍ كما هو محدد في معايير "ميتا" العامة للمحتوى والمسؤولية. وتُعدّ الرسائل الأفضل، بحسب وثائق التدريب، هي التي تشير إلى تفاصيل محددة من محادثات المستخدم السابقة، وتبتعد تمامًا عن المواضيع المثيرة للجدل أو العاطفية الثقيلة، إلا إذا كان المستخدم نفسه من بادر بطرحها.