ذلك البلد المنسي المصاب بلوثة الحروب

مثير أن ترى سلبية العراقيين في عدم اكتراثهم بما يؤول إليه مصيرهم.

لو أن انتخابات ديمقراطية قد جرى تزويرها واللعب بنتائجها في جزر الواق واق التي هي ليست عضوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة لكان للمنظمة الدولية موقف مندد بها.

غير أن انتخابات مزورة في العراق وهو دولة عضو بل ومؤسس في الجمعية العامة للأمم المتحدة يمكن العبور عليها وتناسيها وعدم الاهتمام بما تنطوي عليه من تخط للقانون وانحطاط أخلاقي واستهانة بالقيم الديمقراطية.

ما هذا السحر الذي يملكه العراق بحيث تتخلى أمامه المنظمات الدولية عن شروطها الصارمة في تقييم الانتخابات وتسمح لقوى ظلامية بأن تتخذ من الديمقراطية ستارا لمسرح شياطينها؟

أتوقع أن ذلك السحر يكمن في سوء الحظ الذي أمسك بالعراق منذ أربعة عقود وجعل منه ملعبا مفتوحا لحروب لا يمكن أن تنتهي. حروب ما كان العراق دائما طرفا فيها بالرغم من أن حصته من خرابها وآلامها كانت وستكون دائما هي الأكبر.

حتى "الاحتلال" لم يشكل حلا لسوء حظ العراق. بالرغم من أن تلك المعالجة القذرة ينبغي منطقيا أن تكون نهاية لتاريخ وبداية لتاريخ لن يكون مكملا لما قبله. فالاحتلال الأميركي واقعيا قلب الأرض ومَن عليها ولم يعد هناك العراق التاريخي الذي نعرفه.

غير أن ما حدث على الأرض يمكن تلخيصه في أن العراقيين ما أن استقر الاحتلال حتى استأنفوا مآسيهم السابقة كما لو أن كارثة جديدة كبرى لم تقع على رؤوسهم وكما لو أن الزلزال لم يصب أركان حظهم السيء بخلل.

مقموعون، جائعون، منبوذون، معزولون عن العالم، محرومون من ثرواتهم، مهددون بالأسوأ دائما، محاصرون، تسحبهم الأرض إلى الوراء بقوة إرث دموي، ينظرون إلى السماء في انتظار الخلاص.

كانت تلك حالهم عبر دورات تاريخية من العنف انتقلت بهم من سلطة استبداد إلى حصار لم يسبق له مثيل في التاريخ إلى غزو عسكري انتهاء بالخضوع لسلطة دينية ربطت مصيرها بمصير جار، لا يبيت للعراق والعراقيين إلا الشر ومزيد من الكآبة.

لقد نجا العراق من حروب مهلكة أو هكذا يمكن تصوره باعتباره مركبا متهالكا لا يزال في إمكانه الوصول بشق الأنفس إلى الضفة الأخرى. حرب الثمانية سنوات ثم حرب تحرير الكويت ثم الغزو الأميركي.

بعد كل تلك الحروب التي يمكنها أن تمحو جبالا لا تزال هناك بقايا بدائية تشير إلى عراق، يمني أهله أنفسهم بأن يكون وفيا لنفسه مرة واحدة ليعترف بأن سوء الحظ ليس الكلمة الفصل التي تقرر مصير الشعوب.

لقد أُلصقت به الحرب عنوة. فلم لا يحاول الانفكاك عنها؟

لقد افترض النظام السابق أن حرب الثمانية سنوات ضد إيران هي آخر الحروب غير أن ما فتئ أن اخترع حكاية مأساوية انتهت بحرب سلمته والشعب العراقي إلى حصار انتهى بحرب اخترعتها الولايات المتحدة لتحل من خلالها عقدة لسانه وتعلي من شأن وطنيته بالرغم من العنف الذي كان سمة لازمت سنوات حكمه.

لقد انتهى كل شيء. شُنق صدام حسين ودُفن نظامه وحُطمت آلته العسكرية وأُلغيت خدمة العلم وتم تفكيك الأجهزة الأمنية ووُضع حزب البعث في لائحة الاجتثاث فلمَ يستمر العراقيون في التعثر بحروبهم الكبيرة والصغيرة؟

ذلك البلد الذي أباحت المنظمات الدولية لنفسها التغاضي عما يُرتكب فيه من جرائم ضد الإنسانية وخرق لحقوق الإنسان وتزوير للعملية الديمقراطية لا يزال يقيم خلف حربه الدائمة كما لو أن قدره قد صُمم في غرفة عمليات عسكرية.

العراق اليوم في حالة حرب. لم يغادره إرهابيو "داعش" إلا بعد أن أطمئنوا إلى أنهم سلموه للحشد الشعبي. وهو ميليشيا تابعة لإيران، لا هم لها سوى دحرجة العراق إلى هاوية حروب لا نهاية لها، هي حرب نظام الملالي في إيران ضد العالم.

ليست هناك أية مقاومة داخلية لذلك المصير الذي صار جزءا من أسلوب العيش في بلد، حُرم أهله من نعمة التفكير في السلام بالرغم من كل الخيرات التي تحيط بهم.