رأي أعجبني

يقول بعض العرب أن ديكتاتورا عادلا خير من ديمقراطي ظالم، وكأن هذين هما الخياران الوحيدان، ولماذا لا يكون ديمقراطيا عادلا؟

يتساءل البعض: لماذا نجح فلان في برنامجه على اليوتيوب وصار له متابعون كثيرون، وصارت الشركات تعلن معه فربح مالا كثيرا، في حين يحاول غيره أن ينتجوا حلقات لتحقيق أهداف معينة من بينها الربح الوفير؟ من البرامج التي أعجبتني برنامج لصحفي مصري اسمه سيد جبيل،، إذ يمتاز برنامجه بقصر الوقت والتركيز والجدية والنقاء من الشتائم وسقط الكلام وشخصنة الأمور وثراء المعلومات، أي أن مستوى الارتياح في مشاهدة حلقته مرتفع مما يشجع المشاهد على متابعة برنامجه، وبالتالي يعلن التجار معه.

من الآراء التي أعجبتني قوله أن سبب تراجع العرب هو عدم وجود انتخابات، وأظنه كان يحمي نفسه من استخدام مصطلح "تداول السلطة" لأن لها مدلولات تمس بالزعماء العرب، ولكن الفكرة مفهومة على إطلاقها. فحين لا يحتكر السلطة شخص واحد، يتعلم الناس النظام والعمل لتحقيق أهداف ونتائج ملموسة على أرض الواقع، فإذا أخفق صاحب السلطة، ينتخب الناس غيره، وهذا ينطبق على كل شيء من إدارة المنزل إلى حكم الدولة. وعندما يمارس الناس عملية الانتخاب فإنهم يتعلمون كيف يختارون قائدهم، وهذا أمر مفقود في العالم العربي، على الرغم من وجود نقابات تمارس الانتخابات فعليا وبنزاهة كاملة، ولكن الانتقال الى مستوى اختيار حاكم الدولة محفوف بالمخاطر، لأن تغيير الثقافة الشعبية يحتاج إلى عقود وتضحيات جسيمة وخروج من الأنظمة الأخرى التي تتحكم بمسار الدول كالعشائرية والأحزاب الدينية والانتقال الى مرحلة الحاكم غير المحصن من المساءلة بحكم القانون ولا شيء غير ذلك.

قد يقول البعض أن العرب لا تصلح لهم الديمقراطية لأنهم لا يزالون يعيشون تحت عباءة كليب والزير سالم، وهذا صحيح، ولكن ليس الى الأبد. فبعد المخاض المؤلم، والاستمرار والتحمل، سوف يتعلمون كيف يختارون من يقود المركب الى بر الأمان. فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة، ولا يختلف على هذا اثنان. وعليه، فإن كل حاكم سيبذل قصارى جهده ليحقق طموحات الشعب وينجح في مهمته، ثم يغادر ويدخل التاريخ كأحد العظماء، أما إذا جثم على صدور الناس بالقوة، يفعل ما يشاء ويتاجر بمواردهم ويتصرف كرجل أعمال وينجو من المساءلة لأن الشعب مسكين، فسوف تتآكل الدولة تدريجيا حتى تنهار.

يقول بعض العرب أن ديكتاتورا عادلا خير من ديمقراطي ظالم، وكأن هذين هما الخياران الوحيدان، ولماذا لا يكون ديمقراطيا عادلا؟ ألا يوجد دستور ورقابة على الحاكم وأفعاله وأمواله؟ ولماذا ينتظرون من الحاكم أن يشفق عليهم ويعدل بينهم؟ لماذا لا تكون أجهزة الدولة منظمة بحيث لا يكون أمام الحاكم إلا أن يكون عادلا وإلا فإن البرلمان سيستجوبه وربما يعزله؟

الإسلاميون هم أول من يعارض هذا النوع من الحكم، لأن مبدأهم قائم على أن الحكم لله والقوانين مستمدة من القرآن، ويجب تطبيقها عنوة وبالقوة حسب القرآن والسنة، وطالما أن القرآن لا يأتيه الباطل من أمامه ولا خلفه، فلا يمكن تعديل أحكامه أو المساس بها مهما تغيرت الأزمان والظروف، وهو صالح لكل زمان ومكان.

ومع ذلك، فهناك من يعارض هذا النوع من النظام الذي تكون فيه السلطة متداولة غير الاسلاميين، ولا يرغبون في اختيار حكامهم، درءا للمخاطر المرتبطة بالعملية الانتخابية، وهم على هذا النحو يضعون حدا للتطور والإبداع وتحسين الظروف وتنافس الراغبين في السلطة على خدمة أوطانهم لكسب تأييد شعوبهم، وبهذا فهم يستقرون بل ويتجمدون على مفاهيم بالية خلاصتها أنهم لا يحق لهم أن يطمحوا لحكم دولهم ويتنافسوا على ذلك، إذ أنهم يوافقون على أنهم لا شيء ولا يمكن لهم التشكيك في أحقية الحاكم بحكم البلاد.

دائما نسب أميركا ونلعن سيرتها، وحق لنا ذلك لجسامة الضرر الذي أصابنا منها، ولكننا في النهاية نعترف أن ثقافتها هي الأفضل، حيث يمكن لفرد واحد أن يحرك قضية ويكسب فيها تعاطف الرأي العام مما يضطر المسؤولين أن يعيدوا له حقه. صحيح أن هناك جرائم وانحلالا وتراجعا اقتصاديا، لكنها لا تزال أقوى اقتصاد في العالم وأقوى جيش في العالم وبلاد الحرية التي استطاعت فيها نائبتان مسلمتان أن تواجها الرئيس وجها لوجه. أين نحن من ذلك كله؟