رئاسة لبنان وقيادة الجيش

سيناريوهات وصول قادة الجيش إلى الرئاسة متنوعة وتقدم خيارات حالية مختلفة.

من الأعراف التي وصلت الى حد الثبات في التداول السياسي اللبناني، ان ثمة وظائف في الفئة الأولى، كقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان وغيرها من الوظائف الأمنية والدبلوماسية، يعتبر شاغلوها مرشحين طبيعيين لرئاسة الجمهورية. وما رسخ هذه الظاهرة وصول بعض شاغليها لرئاسة الجمهورية في ظروف محددة.

ويشهد لبنان ظرفا استثنائيا خاصا، يتمثل بشغور منصب الرئاسة منذ سنة ونيف، وخوف كبير من شغور قيادة الجيش في العاشر من يناير/كانون الثاني القادم. وبالنظر لخصوصية الموقعين وترابطهما في الحياة السياسية اللبنانية، ثمة جدل كبير حول تفادي الشغور في قيادة الجيش وكيفية تلافيه، ومدى انعكاس ذلك على انتخابات الرئاسة.

ومن الاقتراحات المطروحة تمديد فترة التسريح للعسكريين، اما بشكل يسمح لجميع الفئات، او اقتصاره على الرتب القيادية العسكرية والأمنية، وبالتالي منصب قيادة الجيش. والامر لا يقتصر على ذلك، فالجدل يطال السلطة التي يمكن ان تنفذ ذلك، هل بقانون عبر مجلس النواب او بمرسوم في مجلس الوزراء، ولكلتا الحالتين خلفياتها واسبابها وتداعياتها.

وغريب المفارقات في ذلك، ان حدة الجدل والخلاف بين الفئات والأطراف السياسية بلغ اشده، بحيث لم يعد ممكنا بسهولة المفاضلة بين الخيارات وكيفيتها عبر الداخل، ليطلق ذلك الامر الى رعاة اللجنة الخماسية، التي زارها المبعوث الفرنسي لودريان الأسبوع الماضي، والذي أشار تلميحا وتصريحا إلى رغبة دول الخماسية التمديد لقائد الجيش الحالي، وبالتالي تعظيم فرص حظوظه في الانتخابات الرئاسية في ظل تباين كبير بين مختلف القوى الفاعلة والتي لها رأي فاصل في ذلك انطلاقا من حسابات اما شخصية واما فئوية في ذلك.

ثمة ثلاث سوابق في الحياة السياسية اللبنانية للانتقال من قيادة الجيش الى رئاسة الجمهورية. أولها وصول اللواء فؤاد شهاب في العام 1958 للرئاسة بعد احداث وانقسام اللبنانيين عاموديا حول سياسة لبنان الخارجية آنذاك. السابقة الثانية كانت لدى التمديد لقائد الجيش آنذاك اميل لحود لثلاثة سنوات لتأمين انتخابه للرئاسة بعد انتهاء التمديد الرئاسي للرئيس الياس الهراوي عبر تعديل دستوري. والسابقة الثالثة كانت انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية في ظل فراغ رئاسي بعد ولاية العماد اميل لحود. والملفت في هذه السابقة ان انتخاب سليمان رئيسا تم دون تعديل الدستور الذي يمنع موظفي الفئة الاولى من تولي مناصب رئاسية قبل ستة اشهر من تقديم استقالتهم منعا للاستغلال الوظيفي.

ان الظروف الاستثنائية التي يعيشها لبنان تزيد الأمور تعقيدا، في ظل الترشيح غير المعلن لقائد الجيش للرئاسة، والموصوف كخيار ثالث بين أسماء مطروحة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يمكن ان تحل المشكلة؟ هل عبر قانون في مجلس النواب يمدد للعسكريين البقاء في الخدمة الفعلية ومن بينهم قائد الجيش، او ان يتم التمديد في مرسوم في مجلس الوزراء، حيث تبدو الأمور اكثر تعقيدا ودونها عقبات كثيرة، في وقت يمكن تأمين الأغلبية المطلوبة لذلك في مجلس النواب دون عقبات تذكر؟

وأيا يكن الامر، في التمديد او عدمه، ثمة مشكلة كبرى هي ان لبنان سيواجه أيضا تداعيات الظروف الإقليمية التي سيكون لها اثر في المنحى الذي ستسلكه الأمور لاحقا في بلد ينقصه الكثير ليصبح بلدا ذا سلطة سيادية على ارضه. وفي ظل هده الظروف القاهرة، سيظل الجدل والتباين والانقسام قائما بين اللبنانيين حتى ولو في القضايا التفصيلية البسيطة، فكيف لو كان الامر متصل بمناصب رفيعة يتقرر معها إعادة تشكيل الموقع والدور الذي يمكن ان يكون للبنان في حال منح ذلك مجددا؟