رائحة تركيا في مصر

الشعب المسكين في مصر يظن أن القصة هي الاسلام مقابل الكفر، وليس قتال على غاز المتوسط.
الربيع العربي لم يكن بالأصل لنشر بل لقد كان بسبب اكتشاف الغاز في شرق المتوسط
عزلة تركيا بعد اقصائها من منتدى غاز المتوسط سيدفعها لدعم الاسلاميين في مصر

في الأسبوع الماضي، تم تشكيل منتدى غاز المتوسط الذي ضم إسرائيل واليونان وايطاليا ومصر وقبرص والأردن، واستبعد تركيا. هذه المبادرة  أفقدتها عقلها، وقررت الإطاحة بالسيسي وإعادة الاسلاميين الى السلطة، وهذا ما يثير الرعب والخوف والقلق على أهل مصر، مع انتشار الكورونا والمتظاهرين بلا كمامات ومتزاحمين الكتف بالكتف. لك الله يا مصر، قلوبنا معكم، ولكن ألا تشمون رائحة تركيا بينكم؟

انتشرت مظاهرات في ديار مصر مطالبة بإسقاط الرئيس عبدالفتاح السيسي، ولا تبعدوا كثيرا في التفكير. فالقصة قصة ثروة الغاز التي اكتشفت في شرق البحر المتوسط في عام 2009، ولكن إسرائيل كانت تعلم بوجود كميات مهولة من الغاز منذ نهاية التسعينات من القرن الماضي، ولكنها لم تقم باستخراجه فورا إلا بعد تدمير العراق. وما علاقة العراق بهذا الأمر؟ إن ثروة الغاز ستستفيد منها الدول العربية وأهمها مصر وسوريا، ولا بد من تدميرهما أولا قبل استغلال الغاز، وكانت الطريقة الوحيدة هي إدخال ايران الى المنطقة، وقد اتخذ آنذاك القرار بتخريب المنطقة لأن إسرائيل شعرت بالخطر من أن تؤول ثروة الغاز لدول لا تحب إسرائيل، وهذا خطر وجودي عليها، وفي الجانب الآخر، فليس هناك ثروات في المشارق والمغارب إلا وترى الولايات المتحدة حقا لها فيه، وقد بدأ تنفيذ قرار نشر الخراب بإسقاط العراق وتسليمه لايران لكي تنتشر الفوضى بعد ذلك. والدليل على ذلك هو أن أول استخراج واستثمار إسرائيلي لغاز المتوسط بدأ في عام 2004 أي بعد انهيار العراق ودخول ايران واطمئنان اسرائيل أنها أشغلت العرب بأنفسهم. ثم وقعت إسرائيل اتفاقيات مع شركات أوروبية لاستخراج الغاز على نطاق واسع.

وغني عن الذكر أن الاسلاميين صنيعة أميركية بكل فئاتهم وتستخدمهم ليكونوا النقيض الذي يخرب أي هيكل ويفتك به من الداخل وإلا لما جلبت أميركا الخميني من منفاه في باريس ليقوم بثورة مضادة على الثورة الشعبية الايرانية ويتسلم الحكم، لأن الحكم الديني أقصر طريق لإشعال الحروب. لذا فعندما سقطت بغداد، انسحبت أميركا وسلمت العراق لايران لتنفذ منه الى الداخل العربي، فتشتعل الحروب وتفتح أبواب الجحيم على الجميع. وحين تنكسر جميع الدول المحيطة بإسرائيل، تؤول كل الغنائم إليها، وتنام قريرة العين وتمد نفوذها ما استطاعت، وبالطبع، فإن الولايات المتحدة سيكون لها نصيب كبير من هذا الفوز الساحق على جميع دول المنطقة.

إن "الربيع العربي" لم يكن بالأصل لنشر الديمقراطية كما ظننت وظن الكثيرون مثلي، باستثناء تونس، بل لقد كان بسبب اكتشاف حقول غاز في شرق البحر المتوسط وكان لا بد من تخريب المنطقة عن طريق ايران، التي دخلت العراق وسوريا ولبنان واليمن ومدت أذرعها في جميع البلاد، وما كانت الولايات المتحدة لتجلب الخميني من منفاه في باريس ليسقط الثورة الشعبية الايرانية بثورة مضادة تسلمها الخميني وأتباعه إلا لتكون جاهزة لتخريب المنطقة عندما تقرر أميركا وإسرائيل.

اليوم، شعرت تركيا بالعزلة فيما يتخذ الاتحاد الأوروبي قرارات بفرض عقوبات عليها، وبعد تشكيل منتدى غاز المتوسط واستبعادها منه، ولم تجد بدا من محاولة إسقاط الحكم في مصر، لإعادة الاسلاميين، وتعيد اليهم القوة من بعد ضعف، وهو ملاذها الأخير، ولن تتراجع، بل ستمد المظاهرات بالدعم بجميع أشكاله، كما ستمدهم قطر بالدعم الاعلامي وربما المالي، والشعب المسكين في مصر يظن أن القصة هي الاسلام مقابل الكفر، وليس قتال على غاز المتوسط.

إن المؤلم حقا هو أن شعب مصر يخوض الملحمة بإخلاص ويظنها حربا دينية ولا يقدر عواقب الأمور، فتركيا اليوم توحشت، وسوف تضحي بالشعب المصري برمته لكي لا تخرج صفر اليدين من ثروة الغاز.