رائحة فضيحة في قضية ميكروسوفت

لبضعة أيام بدا كما لو كانت قضية ميكروسوفت، إحدى أكبر القضايا في مكافحة الاحتكار، تتجه إلى نهايتها بهدوء وبصورة غير مثيرة.
وفي وسط معركة بشأن الآليات الاحتكارية التي تطبقها مايكروسوفت، وافقت وزارة العدل الاميركية على إجراء تسوية خارج المحكمة، بدت لبعض المحللين المستقلين كما لو كانت تعفي الشركة من مسئوليتها بدون عقاب.
ولكن تسعة من الولايات الثمانية عشر المشتركة في القضية رفضت الموافقة على التسوية المقترحة، وسوف يستلزم رفض هذه الولايات القيام بجولة جديدة في العميلة القضائية التي مضي عليها عام. وتعتزم القاضية كولين كولار كوتلي مناقشة تحفظاتها بشأن إطالة التسوية في مطلع العام المقبل.
وخرجت مايكروسوفت بعد ذلك بعرض لدفع تكاليف التقاضي للولايات التسعة إذا ما قامت هذه الولايات بالتوقيع على التسوية بحلول منتصف الاسبوع المقبل. ولكن البعض، مثل توم ميلر حاكم ولاية أيوا، قالوا أنهم لن يفعلوا مثل ذلك الشيء.
وتجد وزارة العدل الاميركية الان نفسها في موقف لا تحسد عليه حيث تواجه انتقادات شديدة. ويبدو محامو الوزارة للبعض كما لو كانت مايكروسوفت قد نجحت في الالتفاف عليهم. ويبدو أن التفاصيل الفنية المعقدة للاتفاق تعطي لشركة صناعة البرمجيات حرية كبيرة في مواصلة النمط السابق من سلوكياتها.
ولا يبدي تلك الملاحظات المدعون العموم للولايات ولا منافسي مايكروسوفت فحسب، بل يوافق عليها الكثير من المراقبين المستقلين.
ويقول تيموثي بريسناهن كبير الخبراء الاقتصاديين في هيئة مكافحة الاحتكار في إدارة كلينتون "إن هذه التسوية تعتبر سقطة كبيرة من جانب الحكومة". وقد نشرت ملاحظاته في صحيفة نيويورك تايمز.
وينفي تشارلز جيمس، الذي اختاره الرئيس جورج دبليو. بوش لرئاسة هيئة مكافحة الاحتكار، أنه أتم الاتفاق بدون التشاور مع محاميي إدارته. وقد قضى العديد منهم سنوات في متابعة القضية. ويقول جيمس "إن التقارير بأنني قد أبرمت اتفاقا خلف الكواليس مع مايكروسوفت هو محض افتراء".
غير أن غالبية المراقبين يوافقون على أنه بدون تغيير الحكومة في واشنطن، ما كان لهذه التسوية أن تبرز إلى الوجود أبدا. ولم يخف الرئيس جورج دبليو. بوش أثناء حملته الانتخابية نيته في أن يبقي على البلاد خارج ساحة معركة التنافس الخاصة بشركة مايكروسوفت.
ومن جانبه أعلن جيمس عن نيته في متابعة القضية بأكبر قدر ممكن من المثابرة. وعلى الرغم من ذلك أعلنت وزارة العدل مؤخرا أنها سوف تتخلى عن محاولاتها الطويلة لتقسيم الشركة.
وربما كان تداعي الاقتصاد الاميركي وحملة الضغط المكثفة التي قادتها الشركة من أهم العوامل التي شجعت وزارة العدل الاميركية على إغلاق القضية.
وبدون أن تثقل كاهلها الاجراءات القانونية الكثيرة، ربما تتمكن مايكروسوفت التي تعد رائدة في صناعة برمجيات الكومبيوتر، من إخراج ذلك القطاع المضطرب من أزمته.
غير أن الولايات المفردة لا زالت تحتشد تحت راية المستهلك. وللحقيقة، فقدكان الدافع إلى ذلك النشاط المناوئ للشركة بعض منافسي مايكروسوفت في الولايات، ممن يدفعون ضرائب ويسهمون في الحملات السياسية للقادة المحليين.
ويقول توم رايلي المدعي العام لولاية ماساشوسيتس "إن التسوية ليست مليئة بالثغرات فحسب، ولكنها تسمح لمايكروسوفت بإملاء ما تراه بشأن مصيرها". ويقول ريتشارد بلومنثال المدعي العام لولاية كونيتيكت "إننا نعتزم المضي في المحاكمة".
أما بيل لوكر المدعي العام لولاية كاليفورنيا فيقول "أنا واثق أنه بمجرد أن ترى القاضية العيوب والفجوات في التسوية الحالية، فسوف تفرض تعديلاتها لكي تقوم بتقويتها". وسوف تكون هذه النهاية بمثابة إضافة البنزين إلى نار منتقدي وزارة العدل، الذين لا يقبلون الحجة القائلة بأن مايكروسوفت ليست بحاجة إلى تطبيق القوانين الصارمة عليها.
وحتى لو نجح الملاحقون القانونيون الاميركيون لمايكروسوفت في النهاية في إنهاء الاجراءات، فإن الاتهامات بالاحتكار ضد الشركة لن تموت بسرعة. وتقوم لجنة حماية المنافسة الاوروبية أيضا بإجراء تحقيق حول إذا ما كانت مايكروسوفت قد استغلت قوتها الاحتكارية. وسوف يمضي التحقيق في طريقه بغض النظر عما يجرى في الولايات المتحدة، وفقا لما ذكرته اللجنة في بروكسل.