رحيل الطبقة السياسية هو الحل الوحيد

النظامان السياسيان في العراق ولبنان هما خارج الصلاحية وهما فاقدا الاهلية والتفكير في احيائهما ما هو إلا محاولة لإيقاظ ميت.

لا تعني دموع الأمهات اللواتي ثكلن بفقد أبنائهن الذين قتلوا في التظاهرات شيئا بالنسبة للسياسيين العراقيين الذين يفكرون بإعادة صياغة العملية السياسية كما لو أن الصياغة الجديدة ستعيد أولئك الشباب إلى الحياة.

من المؤكد أن أولئك السياسيين منفصلين تماما عن الحياة التي يعيشها العراقيون. هم يفكرون في شيء والعراقيون يفكرون في شيء آخر. لذلك فإن ما يصرخ به الشباب محتجين لم تصل معانيه الكبرى إلى عقولهم. أو أن مستواهم العقلي لا يؤهلهم لفهم ما يقوله الشباب.

الامر شبيه بإعادة تكليف سعد الحريري بتأليف الحكومة الجديدة في لبنان. ذهب الحريري حين استقال في إجازة اضطرارية وصار عليه أن ينهي اجازته لكي يؤلف حكومة جديدة. حينها تنتهي الأزمة. سقطت الحكومة كما طالب المحتجون وها هي حكومة جديدة ينتجها النظام نفسه تحل محلها.

السياسيون عمليون. وهم يتفهمون مطالب الشعب ويستجيبون لها.

الملايين التي خرجت إلى الشارع صار عليها أن ترضى بإعادة صياغة العملية السياسية في العراق وبتكليف سعد الحريري بتأليف حكومة جديدة.

ماذا تريد أكثر؟ لقد كانت التضحية كبيرة حين قدمت الطبقة السياسية تنازلات غير متوقعة. فهادي العامري وهو زعيم فيلق بدر التابع للحرس الثوري الإيراني كلف نفسه بإعادة النظر في العملية السياسية تعاطفا مع الشعب كما أن سعد الحريري السياسي الفاشل سيعمل على أن تكون حكومته ناجحة هذه المرة وذلك من أجل إرضاء الشعب.

"هذا كل ما لدينا" لسان حالهم يقول. الشعب الذي سيضحك لن يتوجه بالسؤال المتوقع "أهذا كل ما لديكم؟" وذلك لأنه أدرك منذ سنوات أن الحوار معهم لن يكون ممكنا. ما يقوله لن يكون مفهوما بالنسبة للطبقة السياسية. لا لأن ما يقوله غامض وملتبس المعاني بل لأنه واضح أكثر مما يجب.

ذلك هو الوضوح الذي لا يمكن تحمله.

ليس المطلوب إعادة صياغة العملية السياسية بل دفنها والانتهاء منها.

وليس المطلوب أن يقيل الحريري حكومته ويعود بحكومة جديدة بل المطلوب استبعاده واستبعاد كل الوجوه التي تعب الشعب اللبناني من رؤيتها.

ما لا يريد أهل الحكم فهمه أنهم لم يعد مرحبا بهم في السلطة. لقد آن لهم أن يرحلوا بسلام من غير أن يعقدوا الوضع الذي لم يعد يتحمل أي تعقيد مضاف. غيابهم أفضل ما يمكن أن يفعلوه في هذه المرحلة التي لم يعد فيها الإصلاح مطلوبا. تلك كذبة رثة مضى زمنها.  

النظامان السياسيان في العراق ولبنان هما خارج الصلاحية وهما فاقدا الاهلية والتفكير في احيائهما ما هو إلا محاولة لإيقاظ ميت. ولقد وضع الشعبان في البلدين من خلال تظاهراتهما نقطة في نهاية السطر.  

اما أن تكون هناك دول تفكر في استقرار لبنان والعراق من خلال دفنهما فإن ذلك صار شيئا من الماضي. فالشعبان تعبا من الانتظار الذي يمتزج فيه اليأس بالأمل. تعبا من الصبر الذي انتهى بهما إلى الفقر الذي يشبه العار. تعبا من وصاية زعماء الطوائف كما لو أنهما لم ينضجا بعد.

ليس عسيرا على الفهم القول إن من حق الشعوب ديمقراطيا أن تسحب الغطاء الشرعي عن الأنظمة. ولقد رفع الشعبان اللبناني والعراقي غطاء الشرعية عن النظامين السياسيين اللذين تمتعا لسنوات طويلة بحرية التصرف من غير أن يثبتا أنهما أهل لتلك الثقة.
خرجت الملايين إلى الشوارع لتعلن للعالم سحب الشرعية عن نظامين فاسدين. لم يعد مطلوبا من الطبقة السياسية سوى أن تغادر. ليس مطلوبا منها أن تعتذر فقد فات زمن الاعتذار.

ما من حل آخر وسيكون الشعب قادرا على صنع مصيره.