رحيل سلمان داود محمد بعد تركه بصمة في قصيدة النثر

الشاعر سلمان داود محمد يودع الحياة بعد معاناة مريرة مع سرطان الرئة، والإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق يعتبر ان شعره يمثل تجربة مهمة من التجارب الشعرية التي اتخذت الحداثة طريقاً لها، وان قصائده تجذب المسرح والسينما والأجناس الفنية الاخرى لعدم توقفها عند حدود البلاغة اللغوية الكلاسيكية.

نجم عراقي ساطع يأفل هذه المرة في بلاد الرافدين الزاخرة بالإبداع والمبدعين، إنه شاعر قصيدة النثر البهي سلمان داود محمد الذي أطلق لروحه العنان يوم الأحد الماضي (29/8/2021) في فضاءات الأبدية بعد معاناة مريرة مع سرطان الرئة الفتاك، بفعل معاناة طويلة من غربته داخل الوطن الذي توجع لأجله ولأجل أبنائه من المقموعين والمضطهدين والمقهورين من فساد المفسدين ومن ظلم الظالمين، وتقاسم معهم أحلامهم بوطن معافى ونظيف.
 فغادرنا ولما تزل هذه الأحلام طرية وستظل مادامت هذه الثلة المارقة من الفاسدين تعيث في الأرض فساداً، تهلك الزرع والضرع وتحرق الأخضر واليابس لتئد هذه الأحلام المشروعة، في بلد يطفو على بحيرات من الخيرات ولا توجد فيه حتى إمكانية لمعالجة مبدعيه.
رحل سلمان داود محمد الشاعر الوسيم الجميل المعتق بالإبداع والعطاء والحب والجمال، وهو لما يزال في قمة عطائه وعنفوان ابداعه وشبابه المهدور، رافضاً الإذلال والمهانة في أروقة ما يسمى بوزارة الصحة في رحلة تحد واختبار لإرادته ومبادئه وفي قلبه غصة من عبدة السلطة والمال والجاه، الذين ما عرفوه ولن يعرفوه ماداموا لا يمتلكون إلا الوعود الفارغة الجوفاء تجاه فقراء ومبدعي الوطن.. مات لأنه كان يؤمن أن "الشرف لا يُجزّأ...لا يوجد 10% شرف...أما شرف 100% وأما العهر والمفسدة".
عاش  الشاعر الراحل طوال مسيرته الابداعية وعبر مداد كلماته الأثيرة الى النفوس المتوجعة والمواقع التي تولاها والمبادئ التي آمن بها، متطابقاً بقوة مابين سلوكه الثقافي والإبداعي وسلوكه الشخصي بشهادة جميع من عملوا معه وعايشوه وجايلوه وزاملوه.
 ولعل تمزيق وحرق قميصه في الوقفة الشعرية التي قرأ فيها الشعراء نصوصاً شعرية لإدانة التفجير الإرهابي لموئل المعرفة والثقافة في شارع المتنبي في بغداد عام2007، كانت أعظم قصيدة حينها.

لقد كان سفره الإبداعي ناصعاً بقوة مواقفه وثبات مبدائه ..عطاؤه لم يكن تقليدياً ولا نمطياً فغادر المألوف وغير المألوف وكان في كل ما أبدعه ذلك الفارس الذي لايشق له غبار.
 لقد كان ذلك المثير للجدل دوماً فيما أبدعه من معان وبوح وسرد دال ومعبر وصادق لامس العقول كما القلوب متوجاً بعصامية لا نظير لها، فالمتابع لسيرته الذاتية والإبداعية يلحظ علامات الأصالة والحضور والتأثير والتواصل الإبداعي الرصين.
كان شعره - كما ذكر الإتحاد العام للأدباء والكتاب العراق في بيان نعيه - "يمثل تجربةً مهمة من التجارب الشعرية التي اتخذت الحداثة طريقاً لها، فنصوصه من البصمات المعروفة لقصيدة النثر، إذ تنتهج بأسلوبها المبني على المفارقة محاور عدّة تباغت ذائقة القارئ بشحنتها الإبداعية، تنفتح قصيدته لتجذب المسرح والسينما والأجناس الفنية المجاورة، لعدم توقفه عند حدود البلاغة اللغوية الكلاسيكية".
المتابع لسيرته الذاتية والابداعية يلحظ علامات الأصالة والحضور والتأثير والتواصل الإبداعي الرصين، فالشاعر سلمان داود محمد من مواليد بغداد صدرت أولى مجاميعه الشعرية عام 1995 بعنوان (غيوم أرضية)، ومن ثم أصدر مجموعته الثانية (علامتي الفارقة) عام 1996، ومجموعته الثالثة (ازدهارات المفعول به) عام 2007، التي ضمها الجزء الأول من مجموعة أعماله الشعرية الكاملة التي أصدرتها دار ميزوبوتاميا / بغداد - العراق في ‏10 حزيران 2012.
ومن ثم أصدر جزءً ثانياً من  الأعمال الشعرية  الكاملة، وكتب الراحل رواية عنوانها (الجار الثامن) للتخلص من الجيران السبعة الموصى بهم ومن المستقبل، وطبعت أعماله الشعرية مرات عدة، وله (ماراثون إنفرادي) وهي مسرحية مأخوذة عن  المجموعات الشعرية المذكورة آنفا، وهي من اعداد واخراج الفنان سنان العزاوي، وقد فازت بجائزة أفضل عرض مسرحي ضمن فعاليات مهرجان ربيع المسرح العراقي الأول الذي أقامته لجنة المسرح العراقي عام 1998.
وله مخطوطات (هنا "بغدآآآآآآآآآآآآآآآه" / يوميات الحرب العالمية الرابعة على العراق من 20 /3 / 2003 ولغاية 9 / 4 / 2003 وما زالت، و(واوي الجماعة)، و(سعفة كلام)، وترجمت قصائده الى الانكليزية والفرنسية والاسبانية والالمانية.
أصدر عنه الناقد العراقي الكبير ياسين النصير كتاباً نقدياً بعنوان (مملكة الضلال ..دراسة في تجربة الشاعر سلمان داود محمد)، أكد فيه أنه "محاولة أن أضع تجربة الشاعر ضمن تطور الشّعريَّة العراقية، وهذا يعني أنَّ التجربة تخضع لعوامل إجتماعيَّة وذاتيَّة فيها ما هو جوهري يغني الشِّعريَّة، وفيها ما هو ثانوي يشكل امتدادًا لتجارب شعرية أخرى. فالشاعرلا يتحدث عن تجربته فقط، بل ينشىء حديثًا عن الإنسان الذي يشكّل عصب المجموعات الإجتماعيَّة، لأن الجمع بين التجربة الذاتيَّة، وتجربة الإنسان بمفهومها المطلق، يعمق المدونة الشِّعريَّة، ويجعلها أكثر شمولًا وعمقًا".
كما صدرت عنه تجربته الشعرية المميزة دراسات أكاديمية ونقدية عدة، وله مقالات عدة في صحف ومجلات وكتب صدرت في بغداد والوطن العربي.
عمل‏ سكرتيراً ورئيساً لتحرير مجلة (الأقلام) العراقية الفصلية المعنية بالأدب والفكر الحديث، ورئيساً لتحرير مجلة آفاق أدبية، ومن ثم مسؤولاً لشعبة تسويق الكتب الألكترونية والورقية سابقاً في دار الشؤون الثقافية العامة، مع الكتابة في الصحف والمجلات والمشاركة في المهرجانات والأنشطة الثقافية العامة.

سلمان داود محمد كان– فعلاً – بهاء الثبات على صراط العراق المستقيم

وشارك في انجاز فكرة مشروع ثقافي بإطار مشغل التنمية البشرية (جهود الجميع من أجل الجميع)، وكان عضواً في الإتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق.
وله المخطوطات الآتية: (هنا بغدآآآآآآآآآآآآآآآه / يوميات الحرب العالمية الرابعة على العراق للفترة من 20 /3 / 2003ولغاية 9 / 4 / 2003 وما زالت )، (واوي الجماعة / شعر)، (سعفة كلام / شعر).
لقد كان سلمان داود محمد، كما قال عنه الأديب الراحل الدكتور حسين سرمك : عصياً على من لم يخبروا معنى أن يكون الرجل كلمة.. وسلمان كل حياته كلمة.. سلمان كلمة.. سلمان الكلمة.. بهاء الثبات على صراط العراق المستقيم.. وما لا ينساه له الجمهور المحب له، مواقفه وهو يطلق الحمائم من صدره في إحدى المهرجانات، ناشداً السلام للعراق كل العراق.
‏ فلروحه السلام.. ولنا نحن محبوه وأصدقاؤه العزاء.. فسلمان داود محمد كان  – فعلاً – بهاء الثبات على صراط العراق المستقيم...! (