رحيمة بنت مبارك الجابرية تتبع 'النص المسرحي العماني نشأته وتطوره'
تتبع المسرح العماني من النشأة إلى التأسس يحتاج إلى دراسة معمقة من جميع النواحي من أجل استكناه مغاليقه ورسم صورة دقيقة لنشأته وتطوره عبر المراحل الأساسية وصيرورته، وهذا ما قامت به الناقدة العمانية د.رحيمة بنت مبارك الجابرية في دراستها "النص المسرحي العماني نشأته وتطوره" الصادر عن الهيئة العربية للمسرح، وذلك انطلاقا من تساؤل: ما طبيعة النصوص المسرحية العمانية؟ وما العامل الأساسي والفعلي الذي أدى إلى تشكل النص في المسرح العماني وإلى التنوع في المقاربة في التأليف؟ وما الصورة التي انتهت النصوص إليها؟ وما هي المؤثرات التي ساهمت في نجاحه واختلافه؟.
اعتمدت الجابرية في دراستها ثلاثة منهاج، الأول المنهج التاريخي "دراسة أمر حصل في وقت سابق لتاريخ البحث، وجمع البيانات والنتاج ـ النصوص في حال البحث" وفهم مدى تأثير المعطيات والتفاعلات السابقة على تطور الحركة المسرحية وطبيعة الأعمال، ولتتبع الجذور الأولى التي انبثق منها المسرح العماني، وقد نزعت ـ الجابرية ـ في هذا البحث إلى التطبيق أكثر من التنظير للتعرف أكثر على نتائج هذا المنهج التحليلي وآلات تطبيقه على النص المسرحي العماني. والثاني المنهج الوصفي التحليلي حيث قامت بوصف علمي لما أحاط بظاهرة نشوء المسرح العماني وتطوره ونتاجاته، سعيا إلى تفسيرات منطقية بالدلائل والبراهين وتحليلها تحليلا لغويا بهد استخراج خصائصها الواضحة. والثالث المنهج البنيوي الذي عمدت فيه الجابرية إلى فهم بنية النص المسرحي العماني والتعرف على أهم الملامح المشكلة لنصوص من خلال مرتكزات البناء المسرحي.
الأسطورة والحكاية الشعبية
وقد رأت الجابرية أن المصادر التي استلهم منها الكتاب العمانيون موادهم المسرحية هي مصادر مختلفة ومتنوعة، اعتمدت على الأسطورة والتراث والتاريخ في جزء مهم من هذه المصادر، بغية التعبير عن رؤاهم التي رغبوا في تقدمها داخل المسرحيات، فتلك المصادر ألهمت المسرحيين. وحفزت إبداعيتهم بما لها من تدفقات رمزية، وعناصر درامية تصلح للتشكيل المسرحي. ورغم أن استلهامها لم يتح للمسرح العماني فرصة للتطور، حيث أدى إلى ثبات الشكل الفني في المسرح العماني. فاستمر الكتاب في نهجهم الحكائي السردي دون تغيير، فإنه استجاب لذائقة المتلقي العماني الذي يميل إلى تفضيل السرد والحكايات والغنائية. واستطاع المسرح العماني إلى حد كبير أن يزاوج بين كل من الأسطورة والحكاية الشعبية والتاريخ والمقامة في النصوص المسرحية، على اعتبار أن هذه الأنواع الأدبية باتت تشكل عصب وركيزة المسرح العماني، باعتبارها رافدا أساسيا من روافد التأليف بالنسبة للكتاب العمانيين. وبذلك نزعم التأسيس لمزيد من الأبحاث في مسألة المسرح والأسطورة في إبداعات جديدة.
وأكدت الجابرية أن نصوص المسرح العماني نهلت من التراث والتاريخ، قصصا قديمة من حضارات جنوب شبه الجزيرة العربية قبل دخول الإسلام إليها، لتكشف عن خزان من القصص والمواد التي لم يلتفت إليها كثير كتاب المسرح العربي، وهي تثير جوانب من الحضارة العمانية القديمة لتعيدها إلى الزمن الحاضر بكل قوة وإبداعية. هكذا استطاع المسرح العماني أن يوطد العلاقة مع المسرح العربي، ويستثمر التاريخ وقصصه وأساطيره ويوظفها في النصوص المسرحية العمانية، ويتجه نحو منع أقوى الدلالات للحياة المعاصرة، قلما تعيشه المجتمعات الحديثة من صراعات واهية تضحي بحرية الإنسان وحقه في العيش المشترك. حيث قام المسرح العماني بتقديم نماذج مسرحية تقرر مواجهة المجتمع في راهن القضايا الإنسانية، وتلامس واقعا يممتد من أماكن في العالم العربي، إلى الأماكن التي تتخبط في الحروب والفتن.
مسرح الشباب
ورأت الجابرية أن المسرح الجامعي في عمان لعب دورا كبيرا في المسرح العماني، في اعتبار أن الجامعات العمانية ساهمت بشكل كبير في هذا الباب، باعتبارها السند الرئيس في رعاية المواهب من الطلبة في المجال المسرحي. إذ يمكن الإقرار بأن الخطوة الأولى لمسرح الجامعات في عمان كانت بإنشاء قسم الفنون المسرحية بجامعة السلطان قابوس وخطوة مهمة لإنتاج جيل من الشباب العماني المؤهل أكاديميا ليساهم في تنشيط الحركة المسرحية في السلطنة. كما تجدر الإشارة إلى أن المسرح النسوي استطاع أن يختط له مسارا مهما ضمن قائمة الأجناس الأدبية الأخرى المعروفة في عمان، وقد ساهم هذا المسرح بتجارب مسرحية، وهو بتلك التجارب يفتح الباب أمام مقاربات جديدة، نتمنى أن تكون مادة إبداعية ومادة لأبحاث مستقبلية، فلابد أن نوسع الأبواب لنقاش عميق وطرح الصوت عاليا في مسألة المرأة في المسرح.
وأوضحت أن التجربة المسرحية في عمان تبلورت من عدة تجارب تم عرضها في أماكن مختلفة وارتبطت البدايات الأولى للنشاط بالمؤسسة التعليمية حيث ظهر المسرح لأول مرة في المدارس السعيدية الثلاثة (المدرسة السعيدية في مسقط، والمدرسة السعيدية في مطرح، والمدرسة السعيدية في صلالة) التي كانت موجودة في السلطنة قبل عام 1970. وتعد مرحلة مسرح الشباب من المراحل الذهبية في عمر المسرح العماني الذي بدأ يشب عن الطوق ويخرج بزي عصري يتناسب مع معطيات العصر الحديث وشهدت فترة الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي تقديم كثير من العروض من قبل الشباب والمختصين، وهذا الأمر فعل الحركة الفنية وجعل الأنظار تتجه إلى هذا المجال الفني الذي يسمى لإثبات وجوده المسرحي على الساحة المحلية والخليجية والعربية.
يوم الزينة
ولفتت إلى أن استفاد المسرح العماني من الآخر الغربي مؤلفا للنصوص المسرحية، كغيره من المشتغلين على النصوص والعروض في المسارح العربية والخليجية، وذلك من خلال الأعمال المسرحية العالمية المترجمة إلى اللغة العربية، إذ شكل هذا التوظيف في بدايات المسرح العماني عاملا مساعدا لتقديم أعمال متكاملة البناء.
وقالت "مزجت "آمنة الربيع" في نصها "يوم الزينة" بين عالمين متناقضين ولعبت لعبة التمثيل داخل النص على لسان الشخصيات في مشهد استدعاء نص "أنتيجونا". لقد نسجت سردها عبر حكايات عاملات الصالون، الأمر الذي خلق متعة لدي المتلقي من خلال محتوى المسرحية. ونلفت إلى أن مسألة التحكم تتطلب قدرا عاليا من الإحساس بكل شخصية وجملتها ومعاناتها، وأن هذا النص يمتلك عناصر نجاحه، لأن الفكرة التي تحرك فيها كانت مختلفة ومبتكرة في آلية تقديمها واعتناقها لمفردات الموضة. لقد جمع نص "الربيع" بين ما هو واقعي وما هو فانتازي، كما أتى في العرض في أداء يبدو على قدر من الكوميديا العزلية السوداء التي تعيشها العاملات.
وأكدت أن نص "يوم الزينة" لآمنة الربيع كشف عن العديد من المكتوم والباطنوأماط اللثام عن أسرار خفية اجتماعية موبوءة، عملت الكاتبة لفضحها على توظيف لهجات مختلفة حملت موروثا عربيا متنوعا حافلا بالغرائبية والهلوسات والجنون، وتركت الباب مفتوحا كما الرؤية أمام مخرج راء ومنفتح على هذه المعطيات كلها، ليقدم عرضا يرتقي إلى هذه العوالم الغريبة والحميمية في آن. ولعل آمنة الربيع أرادت عبر الشخصيات النسائية الأربع في تنوع بلدانهم (لبنان، تونس، السودان، اليمن) أرادت أن تطرح قضية المرأة في المجتمع ككل، وليس فقط المرأة العمانية. لقد كسرت الكاتبة القواعد والقوالب الكلاسيكية بحيث لم نعد نجد البناء الدرامي في نصوصها كلاسيكيا؛ إذ لم تعد الحبكة منسوجة في سياقها التقليدي بحيث تنطلق منها الأحداث وإليها تعود، متصاعدة ومتطورة متأزمة ثم منفرجة، بل تستعين بمشاهد جديدة كاسرة لأي اندماج عبر الدراموتورج المنضبط.
مواء القطة
ورأت الجابرية أن الريادة الحقيقة التي أضافها بدر الحمداني إلى المسرح المعاصر تكمن في مجال اللغة الدرامية أو الدراما كلغة فنية، فمسرحياته تمتلك لغة درامية مبتكرة ومتنوعة طبقا لنوعية الشكل والمضمون، لغة جعلت لمسرحه مذاقا خاصا به، وهذا المذاق الخاص دليل على اللغة الدرامية الناضجة التي لا تتأتى للكاتب إلا بعد استيعاب وهضم التقاليد المسرحية العالمية، ومحاولة استنبات أنواع جديدة منها تلائم التربة العربية. تحمل مسرحيته "مواء القطة" عدة دلالات ورسائل صريحة وأخرى مشفرة، خصوصا منها تلك التي تتعلق بالرجولة المزيفة التي كان "الشارب الضائع" هو رمزها الكبير، في حوار جرئ مع بطلة المسرحية التي أبانت عن قوتها رغم تحملها مصاعب الحياة ومن ثم انهارت رمزيدة الرجولة المزيفة المتمثلة في أبي الشوارب بالإضافة إلى أنه أبرز سمات قهر المرأة من رجل هو في الأصل مقهور. إن نص المسرحية يفيض بالإسقاطات الإنسانية بأسلوب فلسفي كلغوم لتوصيل فكرة واقعية، لعمل قابل للتأويلات يفتح المجال أمام القارئ لعدة احتمالات، الشيء الذي يجعل النص المسرحي لا يخلو من إشارات فلسفية وسياسية واجتماعية واضحة الإسقاط.
مقامات هذا الزمان
وبينت إن للمسرح السياسي وظيفته القومية، حيث يعبر عن القضايا الوطنية، ويعتبر أحد أدوات التوعية والمساندة، كما يستطيع أن يتخذ موقفا واضحا، لا من قضايا السياسة الداخلية وحدها، وإنما من القضايا الخارجية أيضا، وأن يكشف بأسلوب فني عن وسائل الاستعمار وحيله وأقنعته، وأن يحمل في ذاته دعوة إلى التغيير، وهذه هي رسالة المسرح السياسي الأساسية، خاصة في مسرحية "مقامات هذا الزمان" حيث استخدم عبد الكريم جواد فضاءات درامية تتناسب مع الصراع الفكري الذهني في النص، فأسهمت بجانب مكونات البناء الدرامي الأخرى في إبراز الصراع الذهني، وطرح فكر جواد في صراع الإنسان مسهمة في الوقت ذاته في إنتاج معان جديدة، وتوليد دلالات لا حدود لها تتجدد مع كل قراءة للنص.
سمهري
وحول كتابات المسرحي عماد الشنفري، قالت الجابرية أن الجميل في كتابات الشنفري أنه لا يقلد كاتبا من الكتاب القدامى والحداثيين، من العرب والأجانب الغربيين، بل هم لا يعظمون في عينيه أو يصغرون، فلديه إيمان بأنه ند لهم، فقد سلك منهجا منفردا في الكتابة، فخاصمت كتاباته المسرحية المقلدين خصاما عنيفا. وتتميز مسرحيته "سمهري" بالشفافية والبساطة والوضوح إلى حد محاكاتها للكلام العادي أحيانا، ولكنها عميقة في معناها، تخلق علاقات جديدة بين الألفاظ دون ابتذال، وذلك عائد إلى حيوية التصوير. لقد برز "سمهري" كرمز لذاته لابد أن يتوازى المسرح السياسي مع ما يقدمه من قضايا تجريدية، يغلب عليها الرمز ويغلفها الإيحاء، والرمز والإيحاء هما اللذان يكملان دائرة الاتصال بين الكاتب والمتلقي ورغم أن طبيعة استخدام الرمز تختلف من كاتب إلى آخر إلا أن الرمز يظل هو القاسم المشترك، بين معظم الكتاب لدرجة أن تحول هو ذاته إلى رمز لمواصلة المسير نحو الأمام.
إن الإنسان هو أحد عناصر الفعل التاريخي، وحلقة التاريخ التي قلنا أنها تقوم على الإنسان والزمان والمكان، غير أن كيفية اندماج هذا الإنسان في صناعة الفعل التاريخي، وتحريك رحى التاريخ، والتأسيس للحضارة يستلزم تصورا كاملا عن الكيفية والدينامكية التي يرتحل بها الإنسان من مرحلة إلى أخرى، والانتقال من عتبة مرحلة إلى التي تليها وتعلوها، فمن هو الإنسان الصانع للتاريخ مسرحيا، كما في مسرحية "مرفعات في البلاط الحمداني".
والمسرح في البعض منه، شاهد على التاريخ وحامل لبعضه، كما أن الدراما تتعامل بدورها مع التاريخ وهو حاضر في كثير من نصوص المسرح الغربي، وفي مسرح صالح الفهدي بشكل ملموس.
ويستغل الكاتب التاريخ كوسيلة فنية للتعبير عن الأفكار المعاصر التي يحياها الإنسان، حيث يقيم المؤلف حوارا مع واقعه المعاصر بأسلوب فني غير مباشر كي تصل للمتلقي الرسالة المرجوة عبر الرؤية الدرامية للأحداث التاريخية من خلال انتقاء أسلوب فني مناسب قد يكون "كلاسيكي، رومانسي، واقعي، ملحمي، تعبيري"، والمهم أنه يخدم المضمون المعاصر من خلال تجميل الأحداث التاريخية دلالات فكرية جديدة كما فعل صالح الفهدي. إذ تتميز المسرحية التاريخية لديه بتنوع الأساليب الفنية المختلفة التي يوظفها الكاتب لخدمة مضمونه المعاصر المراد طرحه على المتلقي.