رهان إيراني على شلل إدارة ترامب

اذا لم يلحق ضرر بترامب بسبب قضيتي كوهين ومانافورت، لن تقدّم الطائرة التي اعلن الرئيس حسن روحاني عن انتاجها تحت اسم "كوثر" او تؤخر.

يعطي اعلان ايران عن انتاج طائرة حربية جديدة فكرة عن مدى الافلاس الايراني. تبيّن ان الطائرة من طراز "ف- 5" أميركية الصنع من بقايا السلاح الذي استورده الشاه من الولايات المتحدة في سبعينات القرن الماضي. كانت المملكة العربية السعودية تمتلك عددا لا بأس به من هذه الطائرات. اهدت سربا منها لليمن الشمالي في عهد علي عبدالله صالح في العام 1979 عندما دخل في تلك السنة، بعد عام فقط على توليه الرئاسة، في مواجهة مع اليمن الجنوبي الذي كان مدعوما الى ابعد حدود من الاتحاد السوفياتي. بل كان اليمن الجنوبي في تلك المرحلة مجرّد موطئ قدم لموسكو في شبه الجزيرة العربية.

يعطي الإعلان عن تطوير ايران لمثل هذه الطائرة واعتبار انّها طائرة حديثة فكرة عن حال الانفصام التي يعيشها النظام في طهران مع اقتراب السنة الأربعين لقيامه على انقاض ما كان يمكن ان يكون دولة حديثة من بين الأكثر تطورا بين دول العالم الثالث. حال دون استمرار تلك الدولة تردّد محمّد رضا بهلوي الذي امضى السنوات الخمس الأخيرة من حكمه يعاني من مرض السرطان الذي ما لبث ان انتصر عليه بعد خروجه الى المنفى.

مثل هذه الطائرة ليست سلاحا إيرانيا حديثا يمكن استخدامه في أي مواجهة مع الولايات المتحدة. مثل هذه الطائرة ليست سوى خدعة تستخدم للاستهلاك الداخلي في ايران وإقناع بعض الجهلة، وما اكثر هؤلاء، بانّ هناك مجالا لاقامة توازن استراتيجي مع الولايات المتحدة. مثل هذا التوازن ليس واردا في ايّ وقت وفي ايّ ظروف. ليس لدى النظام في ايران ما يقدّمه في مجال التكنولوجيا المتطورة. لديه القدرة على الايذاء، إيذاء الايرانيين ودول الجوار ودول المنطقة، من جهة والقدرة على الاستفادة من الغباء الاميركي من جهة أخرى.

يمكن للنظام الايراني ان يستفيد هذه الايّام من احتمال تعرّض دونالد ترامب لمشاكل داخلية، خصوصا بعد قبول محاميه السابق مايكل كوهين ان يكون "مذنبا" في قضية مرفوعة ضده مرتبطة بالتهرب من دفع الضرائب. مثل هذه القضية يمكن ان تكون مرتبطة بترامب نفسه الذي استطاع الى الآن تحصين نفسه في مواجهة كلّ الحملات التي تعرّض لها، بما في ذلك الدعم الروسي في حملته الرئاسية التي كان يواجه فيها هيلاري كلينتون. ليس سرّا ان الرئيس فلاديمير بوتين كان يفضّل دونالد ترامب على هيلاري التي ارتكبت خطأ التحريض عليه في الداخل الروسي. لدى بوتين رعب من تحريض على قيام تظاهرات كبيرة في المدن الروسية سيجد انّ عليه قمعها بالقوّة. لديه هاجس سقوط جدار برلين عندما كان ضابطا في الاستخبارات شاهد بنفسه كيف استطاع جمهور كبير تغيير التاريخ بمجرد تحطيمه الجدار الذي كان يفصل بين الشرق والغرب في تلك المدينة. كان ذلك إيذانا بانتهاء الحرب الباردة وبدء العدّ العكسي لتفكّك الاتحاد السوفياتي.

يمكن لإيران الافلات من دونالد ترامب في حال اشتد الخناق عليه في الداخل الاميركي، خصوصا بعدما بدأ القضاء الاميركي يلاحق أيضا احد مساعديه المباشرين السابقين بول مانافورت المتورط في قضايا مرتبطة باخفاء ملايين الدولارات بغية التهرّب من الضرائب.

اذا لم يلحق ضرر بترامب بسبب قضيتي كوهين ومانافورت، لن تقدّم الطائرة التي اعلن الرئيس حسن روحاني عن انتاجها تحت اسم "كوثر" او تؤخر. ما سيقدم او يؤخر هو المأزق الذي سيجد ترامب نفسه فيه بسبب محاميه السابق ومساعده السابق مانافورت الذي لعب دورا كبيرا في ايصاله الى الرئاسة.

متى عرضنا الموقف الاميركي من ايران منذ وصول آية الله الخميني الى طهران في شباط – فبراير 1979 وحتّى قبل ذلك، نجد ان التواطؤ كان السمة التي ميّزت تصرفات كل الإدارات الاميركية مع ايران. في البداية كان عهد جيمي كارتر الذي سكت عن احتجاز ايران ديبلوماسييي السفارة الاميركية في طهران طوال 444 يوما. كشف كارتر الضعف الاميركي الذي شجع ايران على الذهاب بعيدا في تحديها لاميركا وصولا الى المشاركة الفعالة مع إدارة جورج بوش الابن في تغيير التوازن الإقليمي بعد التخلص من نظام صدّام حسين، الغبيّ الآخر الذي قاوم ايران ونظامها بين 1980 و1988 وانتهى العوبة في يدها بعد ارتكاب جريمة احتلال الكويت في العام 1990.

هناك للمرّة الاولى منذ 1979 إدارة أميركية تعرف تماما ما هو النظام الايراني. تختلف هذه الإدارة كلّيا مع إدارة باراك أوباما التي تغاضت كليا عن نشاطات ايران في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفي كلّ مكان تعمل فيه ايران من اجل اثارة الغرائز المذهبية. تكمن اهمّية إدارة ترامب في انّها لا تتغاضى عن النشاط الخارجي لإيران ولا عن تطوير صواريخ باليستية تطلق حاليا من اليمن في اتجاه المملكة العربية السعودية. فوق ذلك كلّه، بدا ان هناك فهما اميركيا لما هو على المحكّ في العراق حيث تحاول ايران فرض حكومة موالية لها وربّما إعادة نوري المالكي الى موقع رئيس الوزراء.

ليست قوّة ايران في السلاح الذي تصنعه. معروف مصدر معظم ّ ما تملكه من تكنولوجيا، بما في ذلك تكنولوجيا الصواريخ. هذا المصدر هو كوريا الشمالية ولا احد غيرها. لم تتخذ الولايات المتحدة في ايّ يوم قرارا بالدخول في مواجهة مع ايران قبل وصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض. اكثر من ذلك، فتح ترامب كلّ ملفات ايران المرتبطة بالإرهاب. بدأ بالكلام عن احتجاز ديبلوماسيي السفارة الاميركية في طهران ووصل الى نشاطات ايران في العراق ولبنان وسوريا مرورا بتفجير السفارة الاميركية في بيروت في العام 1983 وتفجير قاعدة المارينز قرب مطار العاصمة اللبنانية في تلك السنة أيضا.

هل يحصل التغيير الكبير في واشنطن ويدخل الرئيس الاميركي في دوامة مشاكل داخلية سيكون صعبا عليه الخروج منها. يمكن لهذه المشاكل، خصوصا انّ مانابورت كان في مرحلة معيّنة مدير الحملة الانتخابية للرئيس الاميركي، ان تشلّ الإدارة كلّيا.

استطاعت ايران اختراق كل الإدارات الاميركية منذ 1979. حققت انتصارا تاريخيا على العراق في العام 2003 بفضل جورج بوش الابن الذي لم يدرك معنى سقوط هذا البلد العربي وانعكاس ذلك على التوازن التاريخي بين العرب والفرس في الشرق الاوسط.

ليس الخوف من ايران بسبب طائرة "كوثر" التي تضحك اكثر مما تبكي. الخوف من شلل في واشنطن تستطيع طهران الاستفادة منه الى ابعد حدود، على غرار استفادتها من إدارة باراك أوباما. مثل هذا الشلل سيجعل إدارة دونالد ترامب اشبه ببطة عرجاء لفترة طويلة على الرغم من كل الجهود التي بذلها الفريق المحيط بالرئيس الاميركي لبناء سياسة متماسكة تضع حدّا للمشروع التوسّعي الايراني الذي لا همّ له سوى تفتيت كل دولة من الدول العربية في المنطقة خدمة لمشروع توسّعي يريد الظهور في مظهر القادر على انتاج طائرات تنافس الطائرات الاميركية، طائرات تخلت عنها المملكة العربية السعودية قبل أربعين عاما!