رواق فسيفساء ومعارض بمعايير فنية وجمالية حديثة

التشكيلية التونسية لمياء الفريني تبعث المحبة للفن والصناعات التقليدية والحرف وإبداعات الحرفيين. 
انحياز للفن التونسي وأعلامه وحضور لإبداعات الحرفيين والهوية الثقافية التونسية
حيز من أناقة الحال وتمجيدا لفتنة الفن وفصاحة ذوقه وفداحة التخييل والإبداع

المكان والمكانة .. حيز من أناقة الحال وتمجيدا لفتنة الفن وفصاحة ذوقه وفداحة التخييل والإبداع حيث القول بالإبداع يؤثث المكان ويعلي من القيمة وفق نذر تجاه القامات والتجارب والرموز. هكذا ووفق رؤية مخصوصة يمنح المكان زائريه شيئا من عناوينها وبوحها وفلسفتها. من هنا مر الفنان يحمل سنوات التجربة ويرنو لإغنائها بالمزيد.
وهنا يرنو الفنان الأمهر إلى أن يتمثل المكان شيئا من تجربته في معرض يفتح أبوابه على وأمام وتجاه أصحاب الشغف بالفن التشكيلي والتلوينات والابتكارات الحرفية ورواد الفضاءات المعدة لعرض الإبداع الفني التشكيلي الجمالي بما يمكن معه توسيق دائرة الفن ودوره الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والحضاري عموما.
تدخل هذا الفضاء لتخال نفسك في رواق ببلد أوروبي أو بإحدى غاليريهات العالم المتطورة نظرا لأناقة المكان وجودة الإعداد لشكله الخارجي والداخلي في ضرب من جمالية الإطار المفتوح أمام مختلف الأعمال الفنية وأشكالها. جودة في الهندسة الداخلية وهذا يعود لباعثة الرواق ومهندسة فكرته ووعيها الجمالي وهي صاحبة الخبرة والمعرفة والجانب العلمي من حيث التخصص.. والنتيجة تحفة فنية اسمها "موزاييك" فسيفساء.
في ضاحية من تونس وبحي النصر تحديدا بعثت المحبة للفن والصناعات التقليدية والحرف وإبداعات الحرفيين المهندسة لمية بن خليفة الفريني هذا الرواق ولحلم قديم متجدد على صلة بالابداع والفن والثقافة وتونس الجميلة عموما وكان ذلك حلما يتحقق وهي خريجة معهد الفن والمعمار بتونس سنة 1982 مع نيلها شهادة الهندسة الداخلية حيث عملت في أشهر مكاتب المعمار في تونس ومنها مكتب أحمد بوسلامة وهي الدارسة على عدد من الأساتذة والفنانين التشكيليين ومنهم بالخصوص شلتوت وبن محمود وحسين التليلي ومميطة، وتنقلت في دراستها بين مختلف الورشات ما جعلها تحوز خبرة ومعرفة في مختلف الأشكال والتعبيرات الفنية كالنحت والخزف والصورة. وقد كان الفن حاضرا لديها باستمرار في حرصها على التعلم والمتابعة والشغف رغم انجذابها إلى الهندسة الداخلية التي هي فن قائم بذاته وهو ما مكنها من التعرف على الحرفيين وعالمهم الجميل الذي يتقد فنا وإبداعا وتابعت عملهم الدقيق لتكتشف العديد من الموهوبين منهم. 
وعن هذا الخصوص تقول صاحبة رواق "الموزاييك" المهندسة لمياء بن خليفة الفريني "...بعد هذه الخبرة والمعارف بمجالات الهندسة ومقتضيات الأعمال الفنية جماليا وتقنيا كان تصوري هذا بخصوص الرواق وشكله الداخلي حيث أجمع بين تواجدي بمكتبي للعمل كمهندسة والعناية بالإخراج الجيد والأنيق لحضور الأعمال الفنية وتناسق توزيعها وتعليقها وبالنسبة للمجال الحرفي اكتشفت مبدعين من بينهم، ولي حرص خاص على إبداعنا المنتج من قبل "الأرتيزان" أعني الحرفيين المهرة والأكفاء وهنا أقول إن العناية بتراثنا الحرفي يتطلب الكثير من التجديد والإبداع بين مواكبة روح العصر والحفاظ على خصوصياتنا وهويتنا التونسية وكان لي حرص كبير خاصة من خلال تجربتي في الديوان الوطني للصناعات التقليدية. فانا أوجه من يقصدني بخصوص تنسيق الفضاءات الداخلية وفق هندسة الداخل إلى الحرفيين المميزين كما أنني أزور المعارض في تونس وخارجها للمواكبة والاطلاع على راهن الإبداعات الفنية والحرفية.
درست الطلبة بالجامعة وحرصت على حسن تكوينهم وكان لي إصرار كبير على ذلك. أنا واقعية وأحب كل ما هو تونسي وكل صنائعي وحرفي وفنان طالما هناك حرص على الإبداع والتفنن والتميز. 

فن تشكيلي
إبراز الفنانين وتقديم الدعم خاصة للمنسيين منهم

افتتحت رواقي هذا سنة 2007 لمعرفتي بالفن والفنانين ومنهم من درس معي ومن جايلته في التكوين والتعلم بالجامعة. الرواق هو مجال مفتوح للإبداع التشكيلي والفني والحرفي ولما هو جميل يسر الناس ويعلي من شأن الثقافة الوطنية وما يؤلمني هو وجود ماركات وعلامات لإنتاجات تونسية في مجلات أجنبية تفد علينا وتأتينا من الخارج وهي لإبداعنا وهذا يعني أن الكثير من فننا وتراثنا وإبداع حرفيين غير محمي وبلا رقابة وهذا قلته من سنوات لمسؤولي معهد الأآار ومنهم سي الدولاتلي. فخزف سجنان مثلا نجده في معارض دولية بالخارج ومنسوبا لجهات عرض أجنبية وهذا الرواق مثل الاستثناء في إقامة معرض مع إصدار كتاب جامع للمشاركين ضمن خانة الحفر الفني لمجموعة "آرت كوت" في تقديم للفنان والناقد والكاتب علي اللواتي، وهي تجربة مهمة جدا حيث قدموا شهادات عن تجاربهم والمشاكل والعراقيل التي اعترضتهم، وقد شفع ذلك بنقاش وأسئلة من قبل جمهور ورواد الرواق والمعرض.
وعملت كمستشارة في الديوان الوطني للسياحة وكنت دائما مدافعة وبشراسة على خصوصياتنا وهويتنا الفنية ضمن صناعاتنا التقليدية، وما يخص الحرف والحرفيين كذلك. بعثت الرواق سنة 2007 وفق المعايير الفنية المعهودة وشئت عرض الأعمال الفنية لذوي التجارب والقانات الفنية والخبرات الجمالية وذلك ليتعرف عليهم جمهور ورواد الغاليري ومحبو الفن الجميل حيث إنني صرت أعرض للفنانين الذين أشعر أن لهم خصوصية وقيمة وجمهور كما كانت هناك معارض جماعية سنة 2013 مثلا ضمن عنوان لافت وهو "حرف" حيث المناسبة الجامعة لعدد من الحرفيين والديزاينور في نوع من رد الاعتبار للحرفيين الذين لا يقلون "قيمة واإبداعا عن الفنانين...  hiraf ".
رواق الفسيفساء هذا شهد العديد من المعارض منذ انبعاثه وقدم عدة مناسبات لعرض كل ما هو تونسي على غرار صالون شاي كامل من صنع تونسي بكل مكوناته وأجزائه وتسعى صاحبة الرواق إلى إبراز الفنانين وتقديم الدعم خاصة للمنسيين منهم في لفتة اعتبارية. وعن تسمية الرواق تقول باعثته "لماذا رواق موزاييك.. ببساطة لأنني أؤمن أن بلادنا تونس هي بمثابة الفسيفساء الحضارية والثقافية وهذا عنصر ثراء...".
الرواق يشهد الآن معرضا مميزا لعدد من أعمال الفنان التشكيلي الصادق قمش "رؤى متجذرة" وفق تجربته الممتدة لعقود حيث شكل خصوصيته الجمالية باعتباره الفنان الذي واكب وكان محركا في أجيال وتجارب ومجموعات تشكيلية منذ الستينيات من القرن الماضي. وكذلك المعرض الفني الخاص بتجربة الفنان التشكيلي فاضل غديرة من خلال عوالمه التجريدية الساحرة. كما سعى الرواق للانفتاح على فنون وإبداعات أخرى كعرض الكتب الأدبية من ذلك مجموعة قصصية بعنوان "مباراة ساخنة" للكاتبة نورا خليل، إضافة لحضور فن الشعر من خلال برمجة قراءات شعرية.
ومن الفنانين الذين عرضوا بالرواق منذ افتتاحه نذكر سامية بن صالح وناجي الثابتي وهند عبدالناظر ومصطفى الدنقزلي وجاك بيريز وليليا بن زيد وحاتم الغربي وحنان بن صالح ومجموعة شريفة مصلي والحرفيين ضمن معرض "حرف" وباكر بن فرج ومحمد المالكي وايران وناس وسارة بن عطية وايزابيل لوريتيف وسارة شوشان ومجموعة من الشبان الفنانين ومجموعة الحفر وفاضل غديرة وصولا إلى المعرض الحالي للصادق قمش.
تجربة في تناسق الفضاءات السكنية والتجارية والسياحية والاقتصادية وشغف بالفنون ومعرفة بالحرف والإبداع الحرفي التونسي وغير ذلك قاد إلى بعث هذا الرواق لتتواصل تجارب العرض حيث من يزور هذا الغاليري الأنيق  في جماله ورونقه يطلع بأريحية وتأمل عميق على جانب مهم من إبداعنا التونسي المعاصر. موزاييك الرواق وتجربة مخصوصة للعرض الحديث ومجال للتعرف على عيون فننا التونسي بمختلف اتجاهاته وتياراته وأقطابه.