روسيا في مقعد القيادة... وإسرائيل من خلف

ان تستهين روسيا بالدروز يعني انّها لا تعرف سوريا جيدا ولا تريد الاعتراف بانّ لا مكان لبشّار الأسد في ايّ مرحلة انتقالية.

لم يعد من مجال للشكّ في انّ روسيا موجودة في مقعد القيادة في سوريا. لكنّ الملفت في الامر ان من يدير اللعبة السورية، من خلف الجانب الروسي وبالتفاهم معه هو إسرائيل. يؤكد ذلك الكلام الصادر عن السفير الروسي في تل ابيب عن بدء انسحاب القوات الايرانية الموجودة في سوريا الى مناطق تبعد خمسة وثمانين كيلومترا عن خط وقف النار بين سوريا وإسرائيل.

اذا كان من عبارة تختصر نتائج القمة التي انعقدت في هلسنكي يوم السادس عشر من تمّوز – يوليو الماضي بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، فان هذه العبارة تتمثّل في الاتفاق الاميركي – الروسي على "حماية امن إسرائيل". من الواضح بالنسبة الى الجانبين الاميركي والروسي ان الاولوية هي لأمن إسرائيل من جهة وضرورة خروج ايران من سوريا من جهة أخرى. هذا لا يعني ان ايران ستخرج غدا. هناك تفهّم إسرائيلي لعدم قدرة روسيا على تنفيذ المطلوب منها لجهة الانسحاب الايراني من سوريا. في نهاية المطاف، لا وجود لقوات روسية على الأرض السورية، فيما تلعب ايران وميليشياتها دورا كان مفترضا ان تلعبه مثل هذه القوّات في ظل تغطية من سلاح الجو الروسي.

تحوّلت عملية اخراج الايرانيين من سوريا الى قضيّة في غاية التعقيد، خصوصا في ظلّ النقص في العديد البشري لدى الالوية التابعة للنظام. كان افضل تعبير عن هذا النقص استخدام النظام لـ"داعش" في تأديب الطائفة الدرزية في محافظة السويداء وذلك من اجل اجبارها على المشاركة في الحرب التي يشنّها النظام مع ايران وروسيا على الشعب السوري.

كان محزنا ذلك الصمت الدولي والإقليمي حيّال المجزرة التي تعرّض لها أبناء الطائفة الدرزية في محافظة السويداء. لم يعد هناك من يريد ان يدرك ان الدروز في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن ليسوا طائفة هامشية بمقدار ما انّهم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، أينما كان لديهم وجود. ليس الصمت العربي والدولي سوى دليل على وجود تواطؤ معيّن يستهدف تعويم شخص لا مجال لتعويمه اسمه بشّار الأسد، شخص مستعدّ لعمل ايّ شيء من اجل البقاء في دمشق وذلك في وقت بات واضحا ان لا امل في انقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا في غياب مرحلة انتقالية حقيقية تنتهي بقيام سلطة جديدة تشرف في المستقبل على إيجاد صيغة جديدة لسوريا ما بعد رحيل النظام الاقلّوي الذي يحكمها منذ العام 1966، وليس منذ العام 1970، تاريخ تفرّد حافظ الأسد بالسلطة تمهيدا لتوريث ابنه صيف العام 2000.

سيتوجب في القريب العاجل الإجابة عن سؤالين في غاية الاهمّية. أولهما ما الذي تريده إسرائيل التي باتت تمتلك الكثير من الاوراق السورية بعدما تبيّن انّها من يتحكّم بالقرار الاميركي؟ السؤال الآخر هل في استطاعة روسيا قيادة المرحلة الانتقالية في سوريا؟

سيتوقف الكثير على ما اذا كان بشّار الأسد قادرا على الذهاب الى النهاية في تنفيذ المطلوب منه إسرائيليا بعد ايصاله سوريا الى ما وصلت اليه بسبب عمق العلاقة بينه وبين ايران من جهة وجهله في التوازنات الإقليمية والدولية من جهة أخرى في ظلّ اعتقاده ان ابتزاز الآخرين عبر الأدوات الإرهابية مثل "داعش" سيضمن مستقبل لنظامه.

سيتوقف الكثير أيضا على ما اذا كانت روسيا تمتلك ما يسمح لها بقيادة مرحلة انتقالية في سوريا. حسنا، طرحت موسكو مسألة صياغة دستور جديد وهي صادقة في انشاء جيش سوري مختلف نواته الفيلق الخامس الذي تشرف على تأسيسه. وهي في صدد الاعداد لقيام مجلس عسكري يتولّى السلطة عمليا في انتظار انتخابات رئاسية في السنة 2021  بموجب الدستور الجديد. فوق ذلك كلّه، تخطط روسيا لعودة اللاجئين السوريين من لبنان والأردن. تفعل ذلك تحت عنوان عريض هو قمة هلسنكي بين ترامب وبوتين. هذه تبدو خريطة الطريق الروسية التي لم تأخذ في الاعتبار ان الوضع السوري ليس بالبساطة التي تعتقدها خصوصا لجهة بقاء بشّار الأسد في دمشق حتّى السنة 2021 حين يفترض اجراء انتخابات رئاسية.

كشفت مجزرة السويداء غياب المنطق في كلّ ما تقوم به روسيا في سوريا. لا يمكن للمجزرة التي ارتكبت في حقّ الدروز ان تساهم باي شكل في نجاح المرحلة الانتقالية في سوريا. دروز سوريا ليسوا مثل ايزيديي العراق، الذين ذهبوا ضحية "داعش" في العام 2014. حتّى لو كان الدروز اقلّية في سوريا، ما لا يمكن تجاهله انّهم ليسوا طائفة ثانوية. يشكل الدروز طائفة مؤسسة للكيان السوري في شكله الحالي مثلما انّهم طائفة مؤسسة للكيان اللبناني. اكثر من ذلك، هناك عصبية درزية تجمع بين كلّ الدروز اكانوا في فلسطين او سوريا او لبنان او الأردن او الجولان.

ان تستهين روسيا بالدروز يعني انّها لا تعرف سوريا جيدا ولا تريد الاعتراف بانّ لا مكان لبشّار الأسد في ايّ مرحلة انتقالية بغض النظر عن القدرة على تهميش دوره في تلك المرحلة. الاهمّ من ذلك كلّه، كيف سيكون التعاطي مع ايران وهل صحيح انّها تنسحب تدريجا من سوريا وباتت على مسافة خمسة وثمانين كيلومترا من خط وقف النار في الجولان؟

عاجلا ام آجلا، سيتبين هل تستطيع روسيا ممارسة الدور الذي رسمته لنفسها في سوريا. ما سيتبيّن خصوصا هل تستطيع فهم مدى عمق العلاقة بين بشّار الأسد وايران وان لا مجال لديها في فكّه عن طهران، فضلا عن توفير كلّ الضمانات المطلوبة إسرائيليا.

لا خلاف على ان الحلف الروسي – الإسرائيلي هو الحلف الأكثر عمقا في المنطقة. لا خلاف أيضا على ان اميركا تخلت عن دورها في سوريا لمصلحة إسرائيل وذلك على الرغم من وجودها العسكري البالغ الاهمّية شرق الفرات. لا يُغني كلّ هذا الكلام عن الاعتراف بان ساعة الحقيقة آتية. ما الذي يمكن عمله ببشار الأسد الذي تلوثت يداه بدماء ما يزيد على نصف مليون سوري وما الذي يمكن عمله بالوجود العسكري الايراني في سوريا؟

تزداد التعقيدات السورية، حتّى لو بدا انّ الامور بدأت تتحلحل وانّ الدروز تلقوا ضربة قويّة قد تحملهم على إعادة النظر في موقفهم من مشاركة أبناء الطائفة في الحرب على الشعب السوري. ليس بعيدا اليوم الذي سيظهر فيه بشكل جلي ان الانتصار على الشعب السوري لن يوفّر ايّ حل في سوريا. التسوية الوحيدة الممكنة تقوم على انتصار الشعب السوري بكلّ مقوماته بدل الرهان على حلف الاقلّيات الذي هو رهان إيراني، كما هو إسرائيلي قبل ايّ شيء آخر. هل يكفي الرهان المشترك بين هذين الطرفين كي يتمكن الجانب لروسي من إيجاد صيغة تعايش بينهما في سوريا وتفادي صدام ذي ابعاد في غاية الخطورة على المنطقة كلّها وعلى خرائط الدول التي تتشكّل منها؟