زعبرات كردية

ينسق الكرد مع الجميع إلا بين أنفسهم.

في مقال سابق كنت قد أشرت إلى ان أحد أهم عوامل ديمومة معاناة الكرد وبقاء هذا الشعب الذي يربو تعداده على الأربعين مليون نسمة دون كيان سياسي يجمعهم هو توزع كردستان في اربعة اجزاء وبين أربعة دول على الرغم من خلافاتهم البينية هناك تنسيق أمني وعسكري على أعلى المستويات فيما بينهم حين يتعلق الأمر بالشأن الكردي. في المقابل الكرد لديهم أحزاب وقوى سياسية، وكبرى تلك الأحزاب موجودة في كل من كردستان العراق وتركيا. وكما يقول المثل "شر البلية ما يضحك". فهذه القوى الكردية أيضاً لديها تنسيق ولكن ليس فيما بينها بل بينها وبين الدول الأربعة المذكورة أيضاً من أجل البقاء كطرف في الصراع من جهة والاستقواء على الطرف الكردي الآخر المنافس له من جهة أخرى فالاتحاد الوطني لديه تنسيق تام مع ايران والعمال الكردستاني مع النظام في سوريا والبارتي الديمقراطي مع تركيا وهذا ليس اتهام بل واقع معاش بعد تجارب تاريخية ومعاصرة.

القضية الأخرى التي من المفروض أن نكون معنيين بها أكثر هو سعي هذه القوى الى استغلال الورقة الكردية في سوريا والعمل على بقاءهم كحديقة خلفية لصالح تقوية أحزابهم ومحاورهم.

اليوم وفي ظل غياب استراتيجية كردية موحدة تتمتع بالتقييم الموضوعي وبُعد النظر في انتقاء الشركاء السياسيين وبعيداً عن الزعبرات العاطفية القومية يحتم على الكرد السوريين الخروج من تحت عباءة البرزانيين والآبوجيين معاً والعمل على ايجاد منصة سياسية خاصة بهم فيها يكونون هم أصحاب قرارهم بعيدين عن الوصاية المباشرة وغير المباشرة. هنا لا بد من الاشارة إلى أن هذا المطلب لا يعني بالضرورة معاداة هذه المحاور بل التعامل بندية سواء كان ذلك مع كرد العراق أو مع كرد تركيا وحين تريد الأطراف المذكورة التوصل إلى استراتيجية مشتركة خارج إطار أحزابها وأبعد من حدود محاورها حينها يمكن الجلوس معاً في مؤتمر قومي مشترك مثلأً.

نعم هناك إدارة ذاتية في روج آفا بقيادة كرد سوريين لكنهم في واقع الأمر غير مخولين بتحريك ساكن دون الرجوع لقيادة العمال الكردستاني في قنديل وكذلك هو حال كتلة المجلس الوطني الكردي مع محور البرزاني ليس فقط كمرجعية وحيدة لهم بل كصاحب للقرار.

المعطيات المذكورة آنفاً حولتنا في المحصلة إمّا إلى أناس صامتين غير معنيين بشؤونهم وشجونهم وإمّا إلى غوغاء. فأتباع هذا المحور يخونون الطرف الآخر والعكس صحيح بل حتى بعض المثقفين أخذوا على عاتقهم أداء دور أبواق السلطان من خلف دروع وشعارات قومية مضللة وانحدر خطابنا إلى ما دون حدود الشعبوية و"تعال حلها يا حلال"!

بكل بساطة دعنا نتساءل عن سبب تفويض أمرنا إلى المحاور المذكورة:

هل هي زيادة النخبة المثقفة والوعي القومي الفائض مثلاً لديهم؟

هل هو اعتبارنا قُصَّرْ وبحاجة لأوصياء؟

هل هي حاجتنا لقدراتهم المادية وإمكاناتهم العسكرية المستقلة؟

أم هو ضعف قياداتنا مقابل قدرة زعمائهم الفائقة على المناورة السياسية وادخالنا في متاهات يصعب علينا إيجاد طريق خاص بنا دونهم وبالتالي لا يبقى أمامنا إلا أن نكون أتباعاً؟

إشارات استفهام كثيرة جديرة بوقوفنا عند كل واحدة منها واستخلاص الأجوبة.

خلاصة القول نحن اليوم علينا أن نكون معنيين بالشأن السوري بشكل عام مع بقية المكونات السورية والشأن الكردي السوري بشكل خاص والاعتماد على قدراتنا الذاتية حتى يتم النظر الينا كطرف إيجابي فاعل وحين يرغب إخواننا (الكبار) في أجزاء كردستان الأخرى التحاور معنا على مبادئ مشتركة حينها يكون لكل حادث حديث.