زيارة إلى الجحيم حسب بشارة الجنرال

نبوءة الرئيس عون الذي أوجز فضرب الهدف قد تحققت في وقت قياسي. اللبنانيون يقيمون اليوم في الجحيم.
ليس هناك مَا يشير إلى انفراجة في لبنان مهما كان نوعها
تبين أن هناك لبنانين. لبنان الشعب ولبنان الطبقة السياسية الحاكمة

أجاب الرئيس اللبناني ميشال عون على سؤال يردده العامة كلما شعروا بالضيق والحيرة "إلى أين ذاهبون؟" بقوله الصادم المختصر "إلى الجحيم" كما لو أنه لم يكن إلا مشاهدا وليس مسؤولا.

أعجب الجانب الوصفي في الإجابة الكثير من المسؤولين العرب فصار البعض منهم يرددها لكي يوصف بالشجاعة والجرأة. يوما ما سيُقال إنهم قالوا ما لا يجرؤ الآخرون على قوله. عبارة دقيقة وأخاذة ولا تكلف مَن يقولها أي نوع من البلاغة ولكنها البلاغة كلها.

تلك لعبة لا يجيدها مَن يشعر بالحياء والخجل وسواهما من مفردات التعبير عن مستوى أخلاقي رفيع ولا تشير إلى أي نوع من القيم السياسية. فالعبارة البليغة انما قيلت في مواجهة شعب، لم يعد قادرا على أن يعثر على باب الحكومة التي هي الجهة المكلفة بتصريف شؤونه لذلك صار ذلك الشعب لا يرى إلا جدارا اينما وجه وجهه. أما حين يُفتح ذلك الباب فإنه يُفتح من أجل أن تدافع الحكومة عن نفسها من خلال استعمال عسكر الوطن المكلف بالدفاع عن حدوده.

ولأن الوطن صار مسألة شائكة تخضع لوجهات نظر متعارضة فقد صار عرضة للاختلاف الذي يبدو عرضيا ولكنه في الحقيقة اختلاف يمس الجوهر.

فإذا كان سياسيو لبنان ينظرون إلى الوطن من جهة سعة منافعه السياحية في ظل شجرة الارز فإن الوطن نفسه صار يضيق بالشعب ليتم النظر إليه من خلال ربطة خبز.

مَن يظلم الآخر حين يتهمه بالمبالغة في وصف الواقع؟

لقد انسحب حزب الله وهو الحزب الحاكم من المشهد العام منذ انفجار بيروت الذي عصف بجزئها التاريخي. ترك الحكومة والقضاء يتصارعان في الساحة ولم يعد لديه اهتمام إلا بحاكم مصرف لبنان الذي يظهر في أدبيات الحزب كما لو أنه تآمر بعيدا هن سلطة الطبقة السياسية. ذلك ما يظهر على السطح. ولكن الحقيقة التي تتوزع بين أطراف عديدة تظل غاطسة في العمق.

وكما يبدو فإن نبوءة الرئيس الذي أوجز فضرب الهدف قد تحققت في وقت قياسي. اللبنانيون يقيمون اليوم في الجحيم. كان الرجل على دراية بما سيحدث بالرغم من أنه أعلن بطريقة مواربة براءته مما حدث وما سيحدث. كان أشبه بعراف.

لن يعلق الرئيس بشيء على ما جرى بعد نبوءته وأكتفى بالصمت. الشوارع مقطوعة والحكومة معطلة والليرة في هبوط خرافي ولا أحد في إمكانه أن يقترح الخطوة التالية. حزب الله وهو الحاكم الوحيد لم يدل بدلوه في المسألة لا سلبا ولا ايجابا غير أنه ينظر بعينين مفتوحتين فلا أحد يقترح حلا مخافة ان يغضبه وليس هناك مَا يشير إلى انفراجة مهما كان نوعها في الأفق.

لا أحد من السياسيين يخرج على الشعب ليفهم ما الذي يريده. كما أن الشعب في حاجة إلى أن يعرف ما الذي يفكر فيه السياسيون. وما من أمل في أن يقترب الطرفان، بعضهما من البعض الآخر كما لو أن كل طرف يقول للآخر "لا تخترق حدودي".

كانت الفضيحة أكبر من أن يتستر عليها النظام الحاكم إذا كان ذلك النظام لم يتم اختصاره في حزب. لقد تبين أن هناك لبنانين. لبنان الشعب ولبنان الطبقة السياسية الحاكمة. فرق هائل بين اللبنانين. أما لبنان الذي يذهب إلى الجحيم هو لبنان الشعب، لبنان الذي كان صامتا ويكتفي بالسخرية على المسارح ولم يصرخ إلا حين وقع الانفجار العظيم.

كان الجنرال يصف للبنانيين لبنانهم إذاً.

ولكن الحكاية لن تنتهي إلى المرحلة التي يفقد فيها اللبنانيون لبنانهم أو ينخلون عنه. ذلك لأن حزب الله وإن كان لا يزال صامتا فإنه يخطط أن لا يسمح للبنانيين في أن يهربوا من الجحيم بل عليهم أن يدفعوا ما تبقى من كلفة المقاومة. فإلى أن ينهار النظام الحاكم في إيران سيظل لبنان منذورا بشعبه للثورة الإيرانية.

أليس لافتا أن تكون كل الدول التي ارتبطت بإيران قد انهارت عملاتها، سوريا، العراق، اليمن ولبنان وصارت شعوبها مهددة بالمجاعة؟  

الجحيم الذي بشر به رئيس الجمهورية في لحظة إلهام ليست مغادرته بالأمر اليسير. فمَن لا يجد باب الحكومة لن يكون في إمكانه أن يعثر على باب الجحيم. والشعب الذي صارت ربطة الخبز قضيته لن يتمكن زاحفا من الوصول إلى لبنان الآخر ليشعل النار في شجرة ارزه.