زينب عفيفي: أكتب لأنني أحببت الكتابة

الكاتبة الصحفية والروائية المصرية تؤكد أن غياب الكتابة أمر سئ للغاية في حياتها
الأدب رسالته تغيير الواقع وفتح آفاق رحبة للتطوير والتغيير من أجل إنسان أفضل وحياة أفضل
الأدب والصحافة يشتركان في هم واحد أن لكل منهما رسالة
الصحافة لم تترك لي مجالا واسعا للتفرغ للكتابة الأدبية

قدمت الكاتبة الروائية زينب عفيفي خلال مسيرتها الروائية والقصصية عددا من الأعمال التي تميزت برؤاها وأفكارها البسيطة شكلا والعميقة مضمونا، حيث تعالج عوالم فريدة في أجوائها وشخصياتها، حتى ليكاد قارئها لا يصدق أن مثل هذه الأجواء وهذه الشخصيات تعيش داخل الواقع الاجتماعي الذي يضج بالمتناقضات والتشوهات، لتؤكد لنا أن وسط هذا العالم المشوه هناك من يعيشون برقي ونقاء وشفافية، وهو اختيار ميز شخصيتها الروائية وأكسبها حضورا مختلفا.
صدر لعفيفي التي تعمل مديرا لتحرير أخبار اليوم، "شمس تشرق مرتين" و"أهداني حبا" وأخيرا "أحلم وأنا بجوارك"، ولها مجموعة قصصية "خمس دقائق". 
"أحلم وأنا بجوارك" أحدث أعمالها التي صدرت حديثا عن الدار المصرية اللبنانية، تحكي قصة امرأتين، أم وابنتها، اختارتا أن تعيشا في بيت منعزل عن العالم في حي هادئ، تجنبا لعيون الفضوليين وأسئلتهم الملحة "ما سبب إصابة الأم الجميلة الأنيقة المثقفة بالعمر؟ وما سر عدم زواج الابنة الجميلة الثرية حتي الآن دون زواج"، هذه الأسئلة وعشقهما للهدوء والعزلة جعلت من القراءة عالما رحبا لحياتهما، التي اختارا أن يجعلا منها عالما موازيا أصبحتا لا تستطيعان أن تتجاوبا مع مفرادته وعلاقاته المتشابكة التي تحمل العديد من الأسئلة حولهما كامرأتين وحيدتين دون رجل، وخاصة بعد رحيل الأب؛ ورغم اختيارهما الحر للعزلة، لم يمنع حلم الأم بزواج ابنتها وانتظار الحفيد، وحلم الابنة بزوج يتفهم طبيعتها المحبة للقراءة، التي تنبأ لها أبوها بأن القراءة يمكن أن تسبب لها العنوسة. 

الحراك الثقافي من حولنا يدور في فلك بعيد عن الثقافة الحقيقية، وخاصة بعد وجود أكثر من منافس للمؤسسات الثقافية التي اختلت فيها الأدوار والأهداف

وفي أول علاقة حقيقية للابنة خارج هذا العالم، تلتقي صدفة بروائي حقيقي يتضح فيما بعد أنه كان حبيبا لأمها، وجذبته ملامحها التي تشبه ملامح حبيبته، ويفجر وجود هذا الرجل حياتهما نقاشا طويلا حول الزيف والكذب وتشويه العلاقات العاطفية النقية، ويتأكد لهما أن العالم الذي اختارتاه، عالما حقيقا، اكتشفت كل منهما حقيقة ذاتها بجوار الأخرى وخاصة بعد اكتشاف زيف الروائي الذي تعلقت به الابنة وخدع الأم في شبابها بإصداره رواية تحكي قصة حب مغايرة للحقيقة، ويكون رد الفعل الطبيعي أن تكتب الأم قصة حقيقية ترد بها على الزيف، أنها رواية قيم ومفاهيم أختفت من عالمنا الذي أصبح تحكمة المصالح والمنفعة حتى ولو على حساب الحب النقي، والصدق مع الذات بعيدا عن زخارف العالم المشوه الذي رأته الابنة خارج عالم القراءة وعرفته الأم الكفيفة بالبصيرة.
بداية وحول عالم روايتها الأخيرة "أحلم وأنا بجوارك" قالت عفيفي "روايتي الأخيرة ليست رواية خرافية، بعيدة عن الواقع، بل بالعكس، العالم الملئ بالزيف والخداع وعدم احترام الخصوصية جعل من بطلتي الرواية "الأم وابنتها أعتزال العالم الخارجي، وصنع عالم آخر، يعيشان فيه، دون ضجيج وأسئلة المتطفلين، بسؤالين طالما كرهتا الأجابة عنهما: ما سبب إصابة الأم بالعمى؟ ولماذا لم تتزوج الابنة حتى الآن رغم أنها تتمتع بقدر كبير من الجمال والثراء المادي.
وكشفت عفيفي "عندما كنت في العاشرة من عمري أدركت أن في بيتنا مكتبة صغيرة تضم كتبا وقصصا وروايات تخص أخي الأكبر، ولا أحد من أخوتي يستطيع أن يلمس هذه الكتب دون استئذان الأخ الأكبر، تولد بداخلي شغف، بأن أعرف ما تحتويه هذه الكتب السرية، ذهبت إليه وطلبت منه أن يسمح لي بأن اطلع على أي من هذه الكتب، فقال لي: هذه الكتب أكبر من عمرك، أنها كتب للكبار، وأنت يناسبك حكايات وقصص المكتبة الخضراء، وفي اليوم التالي وجدت أخي يحضر لي مجموعة من قصص الأطفال، التي لم يرق لي معظمها وبدأت أتسلل إلى مكتبة أخي لينفتح العالم من أمامي لكتابات لم أفهم معظمها في هذه السن المبكرة مثل كتابات جان بول سارتر والبير كامي، وكولون ولسون، ثم عرفت فيما بعد أن أخي من عشاق فلسفة الوجودية، وأدركت هذه الفلسفة بعد سنوات من عمري، وأحببتها ثم طوعتها بما يناسبني، وحينما تعرفت علي الأدب الروسي في سن المراهقة وقعت في غرامه، ولم أستطع التخلص منه حتى الآن، كان في مكتبة بيتنا أربعة مجلدات تضم أعمال تشيكوف القصصية كان محظور أن ألمسها وعندما أكتشف أخي أنني أقرا في كتبه أثناء غيابه بدأ يغض بصره عما أفعله في غيابه طالما أنني أعيد الكتب إلى مكانها، وبدأت أقرأ الأعمال العالمية المترجمة، وأحببت أعمال يوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس وعشقت كتابات توفيق الحكيم، وأغرمت بكتابات تشيكوف القصصية ونهاياته المضيئة في حكايات تبدو بسيطة وعادية، ولكنه كان يختمها بمقولة سحرية تقلب التفكير وتطرح الأسئلة، التي لم أجد لها مخرجا غير الكتابة في صور يوميات أشبه بالقصص القصيرة. 

من روايات زينب عفيفي
شخصيات تعيش داخل الواقع الاجتماعي

وأشارت إلى أن الكتابة بدأت في حياتها كوسيلة للخروج من الوحدة، وتشكيل عوالم خيالية أضع فيها نفسي في المكانه التي أحلم بها في قصص مصنوعة من الخيال، لم أفكر بأن يقرأ أحد ما أكتبه، كنت أكتب لنفسي، وعندما فكرت في نشر أول عمل لم يكن قصصا بل كانت رسائل في صورة قصص لصديق عاقل جدا تخيلت أنني أكتب له رسائل في كل ما يواجهني من مشاكلي في هذه السن المبكرة. وقالت: الكتابة تمثل لي حياة متوازية، وليس بالضرورة أن يعرف أحد عنها شيئا، يكفي أنني أشعر بالارتياح حينما أكتب إلى أن عملت بالكتابة والصحافة، من خلال دراستي الأكاديمية في كلية الإعلام جامعة القاهرة.
ورأت عفيفي أن عملها في مجال الصحافة الأدبية أتاح لها الاقتراب من عمالقة الأدب في هذه السن الصغيرة مقارنة بأسماء من أمثال توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وأحسان عبدالقدوس وفتحي غانم وصلاح طاهر ويوسف فرنسيس وفاروق جويدة وأحمد سويلم، كنت أقرأ القصص والروايات وبعض القصائد لمحمود درويش ونزارقباني، ما يروق لي ولطبيعتي في القراءة، هذه التجارب الصحفية منحتني مساحة شاسعة من الخبرات الحياتية، فالتعامل الشخصي المباشر غير التعامل من خلال الورق، التعلم العملي أكثر تأثيرا وأكثر وجودا في بقائه في الذاكرة، عما قرأته لهؤلاء العمالقة أصحاب الأسماء اللامعة في مجال الإبداع وفنونه.
وأوضحت "بدأت أتخذ خطوات أكثر جرأة حينما نشرت رواية قصيرة أشبة بالنوفيلا بعنوان" عفوا لأنني أحببتك"، ومما دفعني لنشرها بلا خوف تشجيع الرسام الكبير يوسف فرنسيس برسم الغلاف لها بريشته التي كانت من أكثر الرسومات جمالا وانتشارا، وخاصة بعد أن شاركني برسوماته في أول عمل في حياتي، وكان مجموعة رسائل أدبية "إليك وحدك" التي صاحبت كل رسالة لوحه فنية من رسومات صديقي الفنان. ثم توالت كتاباتي بصور متباعدة، ثم اقتربت في الفترة الأخير، ليصبح كل عامين تقريبا في عمل جديد وأن كنت أحسب إنتاجي برغبتي الحقيقة في إنجاز عمل يؤرقني ويريد أن يخرج للنور بغض النظر عن الزمن. 
وأكدت عفيفي أن الصحافة لم تترك لي مجالا واسعا للتفرغ للكتابة الأدبية، لأنها كما يقال عنها لا تحب الشريك" على قدر ما تعطينا الصحافة من تجارب وخبرات حياتية، على قدر ما تسرق من أعمارنا من الوقت والجهد، الصحافة مغرية وخاصة عندما يتوجها النجاح والشغف هي أشبه بالنار التي لا تشبع حينما تريد الاشتعال أكثر، ورغم كل الإغراءات الصحفية وما حققته فيها من نجاحات عشت فيها أيضا الكثير من الإحباطات والخيبات، إلا أن الكتابة الأدبية ظلت المنقذ في عالمي السري الذي كنت أسرق فيه الوقت لأعيش في الخيال، لم أكن محسوبة على جيل، ولم يكن لي رفاق في رحلة الكتابة الادبية، أنني أكتب للتوازن مع نفسي، وأحيانا كثيرة للهروب من الواقع وتجميله في الخيال. إنني أكتب لأنني أحببت الكتابة.
وأضافت "بدأ وعيي بالكاتبة بداخلي يكبر في غفلة من عين الصحافة التي كانت تترقب الأخبار والأحاديت والحوارات الصحفية وقراءة الأعمال الأدبية العالمية والعربية والمصرية وكل ما يقع تحت يدي، تختزنه الكاتبة بداخلها، وكان يخرج أحيانا في صورة كتب "أعظم قصص الحب في القرن العشرين" وكتابات من مقالات في مجال الأدب والثقافة، مجموعات قصصية "أتصل في وقت لاحق" ومجموعة "خمس دقائق"، ولا أخفي سرا كلها قصص وكتابات أردت أن أتخلص منها من داخلي حتي أشعر بأنني خفيفة الحركة، أحيانا تثقلنا هموم الحياة حتي نشعر بثقل خطواتنا في الحياة.
ولفتت عفيفي إلى أنها لم تفكر يوما في كتابة رواية تحقق أكثر مبيعا أو تحصل على جائزة، وقالت "كان همي دائما أن أخوض عوالم جديدة في الكتابة وأفهم منها العالم من حولي وأكتشف فيها ذاتي، التي تحيرني وتشعرني بالغربة والوحدة بالرغم من زحام الحياة الحقيقية من حولي. غياب الكتابة أمر سيء للغاية في حياتي. كتبت رواية عن غربة الذات في رواية بطلها رجل، لم يخطر في بالي أن أعبر عن المرأة في أعماقي أو المرأة في المجتمع، همي أن أكتب عن الإنسان وصراعاته الداخلية سواء كان رجلا أو امرأة، أننا متشابهون بعيد عن الجنس والنوع".

من روايات زينب عفيفي
الصدق مع الذات

ورأت أن الحياة الثقافية أصبحت شديدة الزحام بالمؤلفين والكتاب والكتابات ودور النشر التي تتقاضي أموالا من أجل النشر مما صنع عالما من الفوضي في غياب حركة نقدية توازي هذا الكم الهائل من الكتابات التي يتوه فيها الجيد وسط الردئ، مع وجود المصالح المشتركة والشلل والجماعات التي تحارب بعضها البعض ليس من أجل معركة فكرية مثلما كان يحدث أيام طه حسين وأقرانه، وإنما من أجل غاية شخصية أو مصلحة فردية وهذا للأسف ما نراه في غياب صورة واضحة لما نحن عليه في وسطنا الثقافي.
وأكدت عفيفي أن عالم الجوائز الذي انتشر في العالم العربي وارتفاع قيم الجوائز خلق صراعا وسعارا للكتابة الرائجة التي تبحث عن حصد الأموال والتي تواكب الاتجاهات الرائجة دون النظر إلى القيمة الفعلية. لا أحد ينكر التقدير والجائزة على عمل أنجزه، ولكن للأسف الجوائز في عالمنا الحالي أفسدت الإبداع.
وقالت "الحراك الثقافي من حولنا يدور في فلك بعيد عن الثقافة الحقيقية، وخاصة بعد وجود أكثر من منافس للمؤسسات الثقافية التي اختلت فيها الأدوار والأهداف وخاصة بعد أن تحولت إلى دور نشر تتسابق على إصدار الكتب بصرف النظر عن جدواها وفائدتها للمواطن الذي أقيمت أصلا من أجله، يكفي أنه أمام المئات والآلاف من الكتب والدوريات التي تصدر سنويا، التي لا يقابلها وجود مكتبات مدرسية أو جامعية تصل بالكتاب إلى الطالب في مدرسته، غالبية المدراس خالية من حجرة المكتبة وحجرات الموسيقي وحصص الهوايات التي تنمي الفكر وتشكل وعي الشباب الصغير. كما أن الأدب والصحافة يشتركان في هم واحد أن لكل منهما رسالة، الصحافة رسالتها باختصار الانحياز نحو المواطن وتحقيق أحلامه، أما الأدب فرسالته تغيير الواقع وفتح آفاق رحبة للتطوير والتغيير من أجل إنسان أفضل وحياة أفضل. حياة ليست للاستهلاك وإنما حياة ننعم فيها بأنفسنا دون ضغوط وظلم وقهر.