سؤال المسرح في علاقته مع الناس سؤال محوري

المسرحي المغربي بوسلهام الضعيف يشتغل على النظريات الكبرى المؤسسة للمسرح وقراءتها بأدوات منهجية حديثة.
اقتراح الاشتغال على معجم للمصطلحات والمفاهيم المرتبطة بمهن الممثل والأداء الركحي
المعايشة اليومية التي يتداخل فيها الهاجس التطبيقي الإبداعي بالأسئلة النظرية يولد الحاجة لربط التجربة بالبحث الأكاديمي وإعطائها عمقا معرفيا.

المسرح بحكم وجوده "المزدوج – المضاعف" كنص أدبي له امتداد في الدراسات الأدبية واللسانية، وعرض فني تحضر فيه اللحظة العابرة التي يساهم فيها الجسد والمعمار والسينوغرافيا، فإنه عرف بدوره تحولات وتداخلات مع معالم ومدارك متعددة، جعلت الظاهرة المسرحية معقدة في سياقها وبنيتها وأسسها، مما يتطلب من الباحث استغلال كل الأدوات المعرفية والنقدية والجمالية للقبض على الظاهرة المسرحية في تحولاتها. من هنا كان رهان الباحث والمخرج والفنان المسرحي بوسلهام الضعيف في أطروحته التي نال عنها أخيرا درجة الدكتوراه، هو الاشتغال داخل مجال بكر في النقد الفني للظاهرة المسرحية، ومنها هذا المحور المتعلق بنظريات الممثل والمسرح في تطبيقاتها مع مناهج التكوين والتدريس.
اختار بوسلهام الضعيف هذا المحور جاء بحكم اشتغاله الحرفي والمهني بالمسرح ممارسة كتابة وإخراجا ونقدا، هذه المعايشة اليومية التي يتداخل فيها الهاجس التطبيقي الإبداعي بالأسئلة النظرية. مما ولد الحاجة الملحة لربط التجربة بالبحث الأكاديمي وإعطائها عمقا معرفيا.
وأكد الضعيف على أن رهان هذه الأطروحة كان الاشتغال على النظريات الكبرى المؤسسة للمسرح وقراءتها بأدوات منهجية حديثة وفي نفس الوقت استشراف أفق نظري من خلال اقتراح نماذج ومناهج للتكوين المسرحي الأكاديمي داخل الوطن العربي، وخصوصا المغرب، وكذا اقتراح الاشتغال على معجم للمصطلحات والمفاهيم المرتبطة بمهن الممثل والأداء الركحي.

التكوين المسرحي ومستواه مرتبط بالمستوى التعليمي للطلبة وعليه تبدو الحاجة ملحة لخلق بكالوريا مسرح

وأضاف أن المسرح فن مركب ومضاعف، فن متعدد، فن الكلمة وفن الحركة. وهاته الازدواجية جعلت وجوده ومساره التاريخي يطرح أسئلة مرتبطة بالأدب والفكر من جهة ثم بالجسد والحياة اليومية من جهة أخرى. ولقد تطور الفن المسرحي بحيث إنه لم تعد الموهبة وحدها تكفي بل أصبح التكوين والتخصص من أبرز ميزات الفن المسرحي، وكما يؤكد حسن المنيعي "فالفن له علاقة وطيدة بالثقافة، وأن جميع الدول الديموقراطية تعمل على دعم هاته العلاقة، لأنها تشكل نشاطا إنسانيا يساعد الفنانين على التأمل في موضوع الغايات الفردية والجماعية ورصد أبعادها من منظورات متعددة اجتماعية، سياسية دينية، الخ..، وإذا كان المسرح يعد أبأ الفنون فلأنه طرف فاعل في هذه العلاقة نظرا لبروزه كثقافة عالية ذات عوالم متعددة". 
إن سؤالنا الأساس منصب على التكوين المسرحي. فعلى ماذا يعتمد التكوين المسرحي؟ وأي منهج تعتمده مؤسسات التكوين المسرحي؟ وماعلاقة التكوين المسرحي بالممارسة؟ وكيف يؤثر ويتفاعل التكوين مع الممارسة المسرحية؟ وأي النظريات والمناهج المعتمدة في مدارس التكوين المسرحي؟". 
وأوضح الضعيف "إذا كانت الممارسة المسرحية المغربية بشكلها الغربي حديثة التأسيس فإن التكوين المسرحي وخصوصا الأكاديمي لم ينطلق إلا سنة 1986 من خلال المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي. فكيف أثرت هاته المؤسسة وتفاعلت مع المسرح المغربي "القائم ساعتها" والتجارب المسرحية العالمية. يصعب أن نفرق بين الذاتي والموضوعي في هذا البحث، أكيد أن هناك حدودا بين المعرفة العلمية والمناهج والمدارس والذات المبدعة، الذات الحائرة والتائهة بين المسرح كمعرفة، وبحث ونظريات وقراءات رصينة، وبين المسرح كفن باطني، جواني له سحره وأسراره الخالصة ومشاهداته البرانية والعرفانية، كفن شامل تتداخل فيه المعارف والعلوم والأسرار، كتواشج مع طلاسم الإلهام والجنون الأرطي. 
مسار هذا البحث هو مساري الشخصي فمنذ أن وعيت نفسي ممارسا مسرحيا في مسرح الهواة، تداخل لدي المسرح بالقراءة، بالتشخيص بالمعرفة وفي نفس الوقت بالسؤال السياسي المحرج، لماذا المسرح؟ ولأي قضية نمارس المسرح؟ ولأي جمهور نقدم هذا المسرح؟ قد تبدو الأسئلة عامة قد يطرحها أي مسرحي، ولكنها في لحظات معينة تصبح ملحة ومحرجة للذات، إن سؤال المسرح في علاقته مع الناس هو سؤال محوري، سؤال خطر ومربك قد نغفله ونستغفله لكنه يستفزنا في أي لحظة ومهما حققنا من تراكم "مثل ذلك الممثل المكرس، ولكنه مطالب، كل مساء أن يكون في أبهى لحظات إشراقاته، ومنتهى طراوته وإبداعه، مهما كانت ظروفه".
وأشار الضعيف إلى إن أطروحته تسعى من خلال جرد لإبراز المدارس الغربية والعربية والوقوف على أهم المناهج والنظريات المعتمدة في التكوين المسرحي وخصوصا التكوين الاكاديمي. وقال "إن اختياراتنا جاءت من خلال الملاحظات التالية: أولا ندرة (إن لم نقل غياب) الدراسات الجامعية التي تناولت الجوانب المتعلقة بفنون الأداء في ارتباطها بالتكوين الاكاديمي. 
ثانيا: إذا كانت بعض الدراسات والأبحاث قد اشتغلت على الممثل فإنها لم تواكب النظريات الحديثة والتداخل الحاصل بين المسرح والفنون الأخرى ثم إنتقال المناهج الى مجال التكوين المسرحي. 

ثالثا: الحاجة إلى مثل هذه الدراسات وخصوصا إنفتاح الجامعة على الدرس المسرحي التطبيقي، حيث توجهت بعض كليات الآداب إلى خلق إجازاة مهنية في المسرح ثم التراكم الذي خلقه المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، حيث تظهر الحاجة ملحة لدراسته والوقوف على بنياته ومناهجه. 
رابعا: أهمية التكوين المسرحي وأثره الحاسم في تطوير الممارسة المسرحية. 
خامسا: وجود معهد عالي للتكوين المسرحي في غياب بحوث ودراسة تهتم بالتكوين وتسلط الضوء على تجربة المعهد.
قدم الضعيف من خلال المدخل النظري مجمل نظريات الممثل التي هي صلب كل بيداغوجيا مرتبطة بتكوين الممثل حيث يمكن الحديث عن نظريات فنون الأداء عبر مجموعة من المقاربات: 
ـ مقاربات فلسفية: وهي دراسات وأبحاث مست جوانب اجتماعية ونفسية لدى الممثل، وهمت في الغالب سياقات خارج – مسرحية وفي هذا السياق تحضر تنظيرات دينيس ديدرو لفن الممثل.
ـ مقاربات كتاب المسرح: فغالبا ما فكر كتاب المسرح على مر العصور في فن الممثل وخصوصا قبل ظهور المخرج كتخصص مستقل له أدواته وآلياته، وأبرز مثال نجده عند شكسبير في مسرحية "هاملت" حيث يعطي "هاملت" نصائح "تعليمات وتوجيهات" للممثلين بالإضافة إلى نصوص أخرى يمكن قراءتها في ضوء سياقها التاريخي والفني والأدبي.
ـ مقاربات المخرجين: ومنها على الخصوص النظريات التي اشتغلت على التفكير في منهج الممثل وطريقة أدائه، بدءا بمدرسة الفن بموسكو مع "ستانيسلفسكي" ونظريات البيوميكانيك، ومسرح المختبر مع غروطفسكي، وصولا إلى القراءات التطبيقية لهاته النظريات مع ريشارد طوماس وأناطولي فاسييليف.
ـ ويمكن أن نضيف مقاربات أخرى ومنها جرد أوراق الإخراج المسرحي وكنانيش المخرجين، حيث يتم الحديث عن تصورات التشخيص والأداء وإدارة الممثل. بالإضافة إلى السير الذاتية للممثلين الحافلة بمحطات ولحظات أدائهم المسرحي وما يعيشونه من تجارب قبل وأثناء وبعد العرض المسرحي من أسئلة.
إن التصورات التي قاربت التكوين لدى الممثل والتي عمل عليها الضعيف تركزت في المحاور التالية: محاولة فهم الطبيعة الإنسانية للممثل ـ محاولة فهم تقنيات وميكانزمات الأداء فوق الخشبة ـ طبيعة اشتغال الممثل على جسده وأدواته ـ طبيعة اشتغال الممثل على الدور والشخصية ـ العلاقة بين أداء الممثل والأنساق الأخرى المكونة للعرض المسرحي ـ تقاطع الأداء مع حضور المتلقي.
وجاء الباب الأول للدراسة للحديث عن أهم النظريات المتعلقة بالممثل مع أهم مفاهيمها النظرية والتطبيقية وقد قسم إلى ثلاثة فصول الأول: "الممثل ـ المنهج الطريقة" وجاء في ثلاثة مباحث: ستانيسلفسكي ـ ميخائيل شيكوف ـ لي ستراسبيرغ، أما الفصل الثاني: الممثل ـ الجسد الدمية، وجاء في أربعة مباحث: البيوميكانيك ـ الممثل القديس ـ الممثل الدمية ـ الممثل والجيستوس البريختي. وجاء الفصل الثالث "الممثل بين القناع والحقيقة" في ثلاثة مباحث: الممثل في الكوميديا دي لارتي ـ الممثل والقناع ـ الممثل عداء التداريب. 
الباب الثاني "مدارس تكوين الممثل غربيا وعربيا" قسمه الضعيف إلى فصلين، الأول اشتغل فيه على أهم مدارس تكوين الممثل بفرنسا وتتبع مسارها التارخي وأهم العناصر البيداغوجية التي تعتمدها في التدريس وركزنا لعوامل موضوعية على المدارس الفرنسية وهي: المعهد الوطني العالي للفن الدرامي بباريس ـ المدرسة العليا للفن الدرامي بستراسبورغ ـ المدرسة الوطنية العليا للفنون وتقنيات المسرح بليون ـ مدرسة جاك لوكوك. أما الفصل الثاني فخصصه للمدارس العربية، فاشتغل فيه على تجارب البلدان "مصر، سوريا، لبنان، الكويت، تونس". 

Moroccan Theater
الوقوف على أهم المناهج والنظريات 

وخصص الضعيف الباب الثالث للتكوين المسرحي بالمغرب، وهكذا جاءت فقرات هذا الجزء على الشكل التالي، فصل أول: خصصه لتتبع البدايات الأولى للتكوين المسرحي بالمغرب وخصوصا مع مكتب التربية الشعبية والمركز المغربي للأبحاث المسرحية. أما الثاني وبحكم أن الجامعة لها ارتباط وثيق بالتكوين فخصصه للمسرح الجامعي بالمغرب وخصوصا لحضور الدرس الجامعي بالمغرب ثم قام بدراسة تجربيتن للتكوين الجامعي المسرحي وهما مسلك المسرح وفنون الفرجة بالرشيدية ثم مسلك دراسات مسرحية بالمحمدية. أما الفصل الثالث والأخير فخصصه لمؤسسة التكوين المسرحي الوحيدة بالمغرب وهي مؤسسسة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقاقي، حيث وقف على السياق الذي أفرزها والمراحل التي عاشتها هاته المؤسسة.
وقال الضعيف إنه إذا كان قد اشتغل على التكوين من خلال نموذجين: المسرح بالجامعة، والمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي. فالمغرب عرف تكوينات أخرى مثل "المعاهد البلدية للموسيقى المسرح" إلا أن أغلبها أهملت المسرح، وبقي المسرح مرتبطا بإرادة شخص وهواجسه الذاتية، كما أنها لا تمكننا من مادة (وثيقة) يمكن من خلالها الوقوف على طبيعة وأهمية هاته التكوينات. إن النموذج الذي درسناه (المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي) يمكننا من الوقوف على مادة مرجعية في التكوين المسرحي، يمكن أن نطورها وخصوصا إذا أتيحت لنا الفرصة من التعرف على محتوى الدرس المسرحي لكل أستاذ.
وأضاف "في السنوات الأخيرة بدا الاهتمام جليا بالتكوين المسرحي، من خلال تنظيم العديد من المحترفات والورشات، ولكن بالمقابل يخفي هذا الاهتمام فراغا مريعا في التكوين المسرحي الحقيقي وخصوصا عندما نعلم بغياب فادح لأي تكوين مستمر للمسرحيين المحترفيين. إن العديد من هاته الورشات والمحترفات تنظم بنفس الشكل وبنفس الطريقة، بل حتى المضامين المعرفية والتقنية مجرد تكرار لتمارين أولية في الاسترخاء والتنفس والتعامل مع الفضاء، وقد يذهب البعض إلى تشويه بعض التمارين وجعلها في غير محلها مجرد حركات بدون أهداف بيداغوجية. بمقابل هذا تبدو الحاجة ملحة إلى خلق مزيد من مؤسسات التكوين المسرحي ذات الطابع المتعدد، ومنها معاهد متخصصة في تكوين التقنين والمهن المسرحية. كما أن تخصص التنشيط الثقافي في حاجة إلى مراجعة من حيث خلق تخصصات لها علاقة بالمسرح والمشهد المسرحي بالمغرب في حاجة إليها مثل: الإدارة المسرحية، التدبير المالي للفرق المسرحية، التسيير الإداري للمؤسسات المسرحية والإدارات الثقافية الفنية. 
وكما لاحظنا فإن التكوين المسرحي ومستواه مرتبط بالمستوى التعليمي للطلبة وعليه تبدو الحاجة ملحة لخلق بكالوريا مسرح، إن خلق هذا التخصص يجب أن يمهد له بخلق وتكوين مؤطرين في المهن المسرحية لهم إلمام بالبيداغوجيا بالإضافة إلى تصور منظومة بيداغوجية من الدروس والنصوص التي يمكن أن تدرس في الثانوي.