سرقة لوحات محمود سعيد بين الحقيقة والخيال

د. لوتس عبدالكريم لم تذكر أن لوحات محمود سعيد التي سرقت من عندها بيعت في أوروبا، ولكن هذا هو الخيال الروائي الذي اشتغل على هذه الجزئية.
تأملت لوحاتي في صمت مؤلم، واقتربت منها كثيرا لأتأكد من توقيعي عليها
إنها لوحاتي .. لوحاتي .. من الذي أتى بها إلى هنا؟ من يا آري؟ 

بداية أحب أن أوضح أن فكرة لوحات الفنان الرائد محمود سعيد المسروقة والتي تم بيعها في أوروبا، كما جاءت في روايتي "اللون العاشق"، هي محض خيال، نبعت عندما التقيت بالدكتورة لوتس عبدالكريم (صديقة الملكة فريدة) في منزلها بالمعادي، بعد الانتهاء من مناقشة روايتي "رئيس التحرير - أهواء السيرة الذاتية" في صالون الشموع مساء السبت 16 ديسمبر 2017، بحضور ومشاركة الناقد الكبير الدكتور شاكر عبدالحميد والشاعر الكبير أحمد الشهاوي والكاتب الصحفي الكبير مصطفى عبدالله والدكتور بهاء الدين عبدالمجيد وآخرين.
بعد المناقشة انتقلنا إلى منزل الدكتورة لوتس القريب من مقر صالون الشموع، وفي بهو منزلها شاهدت عددا ضخما من اللوحات المعلقة على جدران الصالون الذي جلسنا فيه والذي رأيته عبارة عن جاليري جميل ومنظم في حد ذاته. أخذت أتأمل تلك اللوحات فلم أجد لوحة واحدة لمحمود سعيد الذي هو (خال صديقتها الملكة فريدة). فسألتها: ألا يوجد لوحات لمحمود سعيد؟ فأجابت د. لوتس على الفور: سُرقت يا أستاذ أحمد!
كنت وقتها مازلت أكتب فصول روايتي الجديدة "اللون العاشق" فاستثمرت هذه المعلومة وأضفت فصلا متخيلا عن سرقة لوحات محمود سعيد من مرسمه وبيعها في أوروبا عن طريق أحد الذين تدربوا معه في مرسم الإيطالي زانييري في الإسكندرية. وبطبيعة الحال لم تذكر د. لوتس أن اللوحات سرقت من عندها وبيعت في أوروبا، ولكن هذا هو محض خيالي الذي اشتغل على هذه الجزئية.

فن تشكيلي
من أعمال محمود سعيد

وقلت في روايتي "اللون العاشق" عن تلك السرقة (ص ص 238 – 241 من الطبعة الأردنية).
(أخبرتني أنه وصلتها منذ يومين لوحات عري شرقية. اطلعتني عليها، فلم أتمالك نفسي من هول المفاجأة، صحت: إنها لوحاتي .. لوحاتي .. من الذي أتى بها إلى هنا؟ من يا آري؟ 
نظرتْ إليّ في دهشة بالغة. كنت أتلوى جاحظ العينين أحدق في لوحاتي، والدم يتدفق بكميات كبيرة إلى رأسي ضاغطا على أعصابي.
حاولت أن أتماسك حتى استوعب الموقف وحتى لا يحدث لي مكروه صحي مثل الذي مررت به وأنا في العشرين من عمري.
تأملت لوحاتي في صمت مؤلم، واقتربت منها كثيرا لأتأكد من توقيعي عليها (M.  SAID)  كما هو الحال في كل لوحاتي العارية وغير العارية. التوقيع موجود ولكن هناك من حاول أن يطمسه أو يمحوه، ولكن بقيت بعض آثاره.
أتي الخادم الهندي بالشاي، وضعه على مائدة صغيرة تتوسط الصالة، بينما كانت هي تتأمل اللوحات العارية الجديدة.
سألتها في هدوء مصطنع: كيف جاءت هذه اللوحات إلى هنا؟
-    لدينا مندوبون في عدد كبير من أنحاء العالم، يشترونها ويشحنونها أو يأتون بها إلينا إذا كانت لندن محطة في سفرياتهم وتنقلاتهم.
-    هذه اللوحات تحديدا (وأشرت إلى لوحاتي) كيف أتت إلى هنا؟
-    أتى بها مورينو مندوبنا في مصر، وهو صديق الفنان محمد ناجي؟
-    مورينو! إنني أعرفه أيضا، فقد كان معي في الإسكندرية ونحن نتعلم الرسم في مرسم الإيطالي زانييري. ثم اختفى ولا أعلم عنه شيئا، يبدو أنه استقر في القاهرة، أو يتنقل بين العواصم. لقد حاولوا حذف توقيعي من اللوحات، ولكن بقيت منه آثار تدل عليه.
-    من هؤلاء؟
-    لا أعرف .. لقد تركت هذه اللوحات في مرسمي بشارع سعد زغلول في الإسكندرية، ولكن رحلة مجيئها إلى هنا لا أعلم عنها شيئا. 

fine arts
دعاء المتعطل

-    إذن أنت لم تبع هذه اللوحات إذا كنت صاحبها فعلا؟
-    أنا صاحبها فعلا .. ولم أبعها.
-    سأتصل بمندوبنا الذي أتى بها لأعرف كيف حصل عليها. عموما ليست هذه هي المرة الأولى التي تُسرق فيها اللوحات، ولن تكون الأخيرة بطبيعة الحال، ولعلك تعلم أنه في عام 1911، سرقت لوحة دافنشي "موناليزا" على يد إيطالي أوقف في 1913 عند محاولته بيعها لهاوي جمع لوحات في مدينة فلورنسا.
كنت أمنِّي النفس بسهرة رائقة مع آري .. ولكن موضوع سرقة لوحاتي أصابني في مقتل وشلّ تفكيري. ولكنها حاولت إثارتي، ووعدتني أن تتصل غدا بالمندوب الذي جاء باللوحات. 
أشارت إلى لوحتي التي رسمتُها من بداية فصل شتاء هذا العام وأسميتُها "زنجية" (ألوان زيت على ابلاكاش 86 × 70 سم)، ووصلت إلى "جاليري آري"، وقالت: يعجبني هذا الوضع. 
طلبتْ من الخادم الهندي أن ينقل حامل الرسم وباليتة الألوان ولوازمها إلى حجرة دافنشي، ثم يصعد بزجاجتي بيرة بعد ذلك. ضحكتُ وسألتُها: هل كان دافنشي يقيم هنا؟
-    أنا سعيدة أنك بدأت تضحك. لا لم يُقم دافنشي هنا، ولكن أُطلق أسماء الفنانين العظام على غرف وقاعات الجاليري، وإلى جانب حجرة دافنشي توجد حجرة تتسيانو، وحجرة فان خوج، وحجرة روبنز، وحجرة ديلاكروا، ثم حجرتي أنا؛ حجرة مس آري.
طلبت مني الصعود إلى أعلى لأرى الحجرة التي سأبيت فيها. 
بعد أن تفقدتُ الحجرة بسيطة التكوين، سألتني في دلال أنثوي إنجليزي: ألن ترسمني كما وعدتني؟ ثم بدأت تخلع ملابسها الخفيفة، فقفز الأرنبان الأبيضان من صدرها).
كما ترددت أصداء السرقة المتخيلة للوحات محمود سعيد وبيعها في أوروبا في روايتي الثانية عن سيرة محمود سعيد "الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد" الصادرة عن دار الهلال الرقم 853 – سلسلة روايات الهلال 2020) ص 36 حيث زارت آري (صاحبة الجاليري بلندن) الإسكندرية وقابلت محمود سعيد وأعادت إليه إحدى لوحتين مسروقتين من اللوحات التي كانت تباع في لندن، كهدية منها. فقلت في الرواية: (اتصلتْ بي آري من لندن أكدت أنها ستأتي إلى مصر، بناء على دعوة صديقي الفنان محمد ناجي، وأنها ستمر على الإسكندرية أولا، كما اقترحتُ عليها. وستعيد لي لوحتين من لوحاتي التي سرقها مورينو). انتهى الاقتباس.
وهكذا يتضح أن فكرة سرقة لوحات محمود سعيد وبيعها في أوروبا، هي فكرة روائية محضة، من بنات خيالي، ولا أدري إن كانت لوحة "دعاء المتعطل" (70 × 80 سم) التي قرأنا خبر بيعها في إحدى صالات المزادات العالمية بلندن هذه الأيام بأكثر من مليون جنيه إسترليني، من بينها أم لا؟ إذا كانت الإجابة بالإيجاب فقد أصبح الخيال واقعا!