"سطر مسلح" من الصحافة إلى الرواية

محمود الشناوي يتناول في روايته أحداثا تتعلق بفتاة لعوب وصحفي محترف ما بين العراق ومصر.
مطبات لغوية واستشهادات كثيرة بآيات قرآنية وأحاديث وأقوال لا نجد مبررا لحشرها في سير سرد الرواية
اللغة التقريرية الإخبارية تغلب على النص الذي يتناول رؤية يوسف وعلاقاته وما واجهه من مصاعب في العراق.

بقلم: نزار عبدالغفار السامرائي

العلاقة بين الصحفيين والرواية قديمة .. حيث اتجه الكثير من الصحفيين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وبدايات القرن العشرين لكتابة الرواية مستفيدين من تجربتهم الصحفية ليصبحوا فيما بعد روائيين كبار، مثل دانيال ديفو، وبوزويل، وفيلدينغ  الذين أسسوا لما يعرف بالرواية الصحفية، وصولا إلى أرنست هيمنغواي الذي عمل مراسلا حربيا في الحرب العالمية الثانية. 
وفي السنوات الاخيرة اتجه العديد من الصحفيين للكتابة الروائية محاولين وضع رؤاهم وتجاربهم بشكل سرد روائي قد لا تستوعبه الكتابة للصحافة التي مهما كانت فهي محدودة من جهة سعة المحتوى ولغة الكتابة إضافة إلى أن الرواية تمنح الكاتب حيزا واسعا من التخيل ونسج الأحداث التي يختلط فيها المتخيل بالواقعي.
ويشير دودج اندرورد في كتابه "الصحافة والرواية" إلى أن كابوتي يضع تعريفا لما يسميه "الرواية غير الخيالية" بأنها واقعية في الأساس، وأن المؤلف قد قصر"الحريات" المتاحة مع المادة على التأسيس للتقنيات الأسلوبية الأدبية داخل السرد.
وفي هذا الإطار تأتي رواية الصحفي المصري محمود الشناوي التي عنونها بـ "سطر مسلح" والذي يتناول فيها عبر سرد لأحداث تتعلق بفتاة لعوب وصحفي محترف، أحداث مرّ بها الكاتب في العراق ومصر.

الكاتب استطاع أن يبني رواية جميلة، مع ملاحظة أنها تجربته الروائية الاولى، وأرى شخصيا أن من الممكن أن تتحول إلى فيلم سينمائي، أو مسلسل تلفزيوني بربط جزئها الأول مع الثالث

يمكننا تقسيم هيكل الرواية إلى ثلاثة أجزاء يتناول الأول حياة الفتاة اللعوب (دنيا) أو كما يطلق عليها الراوي (الجنية) التي تستمتع بغواية الآخرين. ويبدأ هذا الفصل على لسان سارد عليم يبدء بمشهد القبض على دنيا في أحضان الشيخ إبراهيم ليبدء في العودة إلى الماضي متحدثا عن تلك الفتاة وحياتها، وكيف أصبحت الطالبة في المدرسة الثانوية فتاة لعوبا تستمتع بلف حبال غوايتها على الآخرين. ويجيد الكاتب في استخدام السرد هنا مستعرضا بلغة سينمائية الأحداث المرتبطة بشخصية دنيا والرجال الذين ترتبط بهم بعلاقات عابرة أحيانا أو علاقات زوجية سرعان ما تنتهي.
ويبدو الكاتب في بناء هذا الفصل متأثرا ببناء السيناريو التلفزيوني كما يظهر في كتابة الحوارات مثل: "عمرو وهو يتأمل الجسد المرمري: الحمد لله"، وما يميزه استخدام اللهجة المحكية (العامية) التي تعطي للحوار نكهة خاصة وسلسلة لا تشعر معها بالملل مهما امتد المشهد.
في الجزء الثاني من الرواية يتحدث الراوي/السارد عن رحلة يوسف إلى العراق كمدير لمكتب المؤسسة الإعلامية التي يعمل بها، ويتناول هذا الجزء تجربة الكاتب نفسه كونه عمل فعلا في العراق في سنوات المحنة وتأجج الصراع الطائفي وتغول الإرهاب التي جعل الحياة في هذا البلد جحيما.
وهنا يفقد الكاتب مهارته في بناء المشاهد السردية كما فعل في الفصل الأول ليتحول إلى الكتابة التقريرية التي تسقطه في فخ المباشرة في مواقع كثيرة، وربما نتج ذلك نظرا لأنه كتب هذا الجزء برؤية الصحفي وليس الروائي حيث حاول أن يكون دقيقا في سرد الوقائع الحقيقية بعيدا عن التخييل الذي يحتاجه العمل الروائي لبناء نص متماسك يمزج ما بين الحقيقة والتخييل فتأتي مقاطع في النص مثل "صارت تلك المليشيات وفرق الموت، واجهة لكل من يخون ويقتل وينهب ويتاجر بالدين ويخرب ويدمر ويزرع الموت والرعب باسم الوطن والديمقراطية والدين والطائفة والقومية، ضمن مشاريع مشبوهة لا يدري أحد من أي جحيم جاءت وإلى أين سوف تمضي.."  

محاربة الفاسدين
الرواية غير الخيالية

وهكذا تغلب اللغة التقريرية الإخبارية على النص الذي يتناول رؤية يوسف وعلاقاته وما واجهه من مصاعب في العراق. وتمنيت لو أن الكاتب واصل الكتابة بالأسلوب الذي اعتمده في الجزء الأول، وأن يبني الأحداث التي يمرّ بها يوسف في العراق بشكل سردي يمازج فيها بين الواقع والخيال.
وفي الجزء الثالث والأخير يكون يوسف قد عاد إلى بلدته، لينطلق متأثرا بتجربته في العراق لمواجهة الفساد والحيتان التي تحاول أن تستولي على مقدرات البلد بشتى الأساليب الملتوية، محاولا أن لا يكون مصير البلد مشابها لما حصل في العراق بتفشي الفساد الأمر الذي منح الإرهاب فرصة ليتغلغل بين ثنايا المجتمع.
وهنا يوصل الكاتب الخيط بين دنيا ويوسف ويوضح العلاقة الارتباطية بينهما، وفي الوقت الذي يبرز يوسف شاهرا قلمه بمواجهة الفساد كان عليه أن يواجه معركة داخلية في منزل العائلة بعد تمكن الطمع من أخويه بتحريض من زوجاتهما. ولكنه يعود في الأخير منتصرا بمساعدة  دنيا نفسها وعدد من الشباب المتحمس لبناء وطنه ومحاربة الفاسدين.
ويمكن أن يؤخذ على الكاتب في تناوله لأحداث هذا الجزء المأخذ ذاته الذي لاحظناه على الجزء الذي قبله من الوقوع بالمباشرة والعبارات التقريرية والهتافية التي تعرقل سلاسة السرد وتجعله يتحول إلى ما يشبه الكتابة الصحفية مبتعدا به عن السرد الروائي رغم أنه يتناول أحداثا متعددة ومشاهد متلاحقة تجعلك تستمع بالرواية، ومع استمتاعك بسلاسة السرد تواجهك مطبات اللغة والاستشهادات الكثيرة بآيات قرآنية وأحاديث وأقوال قد لا نجد مبررا لحشرها في سير سرد الرواية.
بشكل عام نجد أن الكاتب استطاع أن يبني رواية جميلة، مع ملاحظة أنها تجربته الروائية الاولى، وأرى شخصيا أن من الممكن أن تتحول إلى فيلم سينمائي، أو مسلسل تلفزيوني بربط جزئها الأول مع الثالث، لاسيما أن الكاتب استلهم طريق كتابة السيناريو في بناء الحوارات الواردة في النص الروائي.