سليانة التونسية تكرم التشكيلي مراد الحرباوي
الفن هذا الآخذ بالمهج على عبارة ابن الفارض "وخُذْ بقيّةَ ما أبقَيتَ من رمَقٍ... لا خيرَ في الحبّ إن أبقى على المُهجِ".. كالحب تماما.. هي سفرة مفتوحة على الدهشة والأسئلة.. وهي فتنة الكائن في حله وترحاله لا يقنع بغير ما هو عميق وأخاذ وباذخ...
في هذه البقعة من الفن التي نسميها الرسم والتشكيل يقيم صاحبنا من سنوات غير عابئ بالعابر والمألوف والسهل حيث الفكرة لديه ضرب من الذهاب عاليا وبعيدا في أكوان التلوين المفرط في لولبية حيرته وبحثه الجميلين في حالات من التجلي البصري والجمالي..
ها هو يأخذنا طوعا وكرها إلى جنان شغفه الفني وبساتين أعماله وأشكالها المتعددة من دائرية ومستطيلة ومربعة وفي تلبس بالعمل الفني ومقتضياته من خلال البرفورمانس بصحبة الموسيقى ومسرحة العملية الفنية لحظة التعاطي مع المتلقي والجمهور... وهي ضروب من مسارات الفن الإنساني ومبتكراته من سنوات وفق تلوينات الفن المعاصر في هذا العالم المتحرك والمتغير في شؤونه وشجونه المربكة ولكن المولدة أيضا لحالات إبداعية وبأشكال وافدة وجديدة وقديمة أيضا...
نمضي إذن مع صاحبنا الفنان الذي يأخذنا إلى عوالم فنه وهو المسكون به يحمله إلى عواصم شتى من مدن زارها مقترحا ألوانه الملائمة وتشكلات حالها وأحوالها..
مراد الحرباوي.. عرفته منذ بداياته فنانا متقدا كالجمر.. لا يهدأ له بال ما دام في تواصله اليومي مع القماشة يقض مضجعه السؤال... سؤال الإبداع والإمتاع صلب العمل الفني منذ مباشرته الأولى وصولا إلى نهاياته ليظل السؤال مفتوحا على اللوحة الموالية... وهكذا..
نبتت خطاه الأولى بجهة بالشمال الجميل حيث تابع دراسته لينتقل بعد سنوات إلى الساحل ليبدأ رحلته وهو المتشبع بمشاهد الحرفيين والحرفيات في شؤون السداية والصوف لتتشكل لديه بوادر النظر والفن والنظر الفني عموما... باشر نوادي الفنون والأنشطة بدور الثقافة ومع الشبيبة المدرسية ثم سافر بعد سنوات إلى الخارج ليشهد عوالم أخرى يعود بعدها ليتلقى تربصات وتكوينا في الفن بمركز الفن برادس.. وخلال سنة 1994 كان نشاطه بصالون الفن يحيى بشارع محمد الخامس وجاءت تجربته للإقامة بحي الفنون بباريس التي أكسبته تجربة مختلفة ثم تعددت مشاركاته في المعارض وفعاليات الفنون بالمرسى والمحرس ونال عددا من الجوائز، إلى جانب التكريمات وتحولت بعض أعماله الفنية إلى منسوجات في باو بيسون عاصمة الزربية العالمية وهو ما زاد في التعريف به..
كان ببلدته سليانة التي عادها وذلك بمناسبة عشرية مجلتها الشهيرة "الاتحاف" لباعثها الأديب المرحوم عبدالقادر الهاني وأقام معرضا لفائدة مقيمي قرية sos متبرعا بلوحات هذا المعرض وكان هذا المعرض متبوعا بسهرة موسيقية للفنان نصير شما في سهرة المهرجان الصيفي بالجهة... ليعود سنة 1996 إلى سليانة لينجز عددا من البورتريهات باللايف... وهاهو يعود اليوم ضمن فعالية عن الفنون وهو ضيفها المبجل في إعداد وتنظيم وإشراف من قبل مندوبية الشؤون الثقافية.
منذ بداياته وفي أعماله تلك برزت موهبته النابعة من فطنة شاب خبر طرق الإبداع الفني ليجعل من صلته باللون والشكل والفضاء المكون للعمل علاقة مخصوصة عمل على بثها على القماشة ليقول ذاته المفعمة بالحركة والقلق والجمال المبطن لتخرج اللوحة وكأنها حالة وجد من الكينونة... كينونة مراد الحرباوي.. في لوحاته الكبيرة والتي منها المستديرة والمربعة والمثلثة سعى مراد الفنان للقول بالجديد مشيرا إلى الجسد والوجه في تعدد أحوالهما وبدلالات فنية جمالية فيها الكثير من الألم والأمل والحركة..
تنوعت معارضه وكنت متابعا لها وخاصة معرضه الأخير برواق الفنون "كاليستي" الأنيق بضاحية سكرة لصاحبته سندة بن خليل... كانت الأشكال متنوعة لكن الفكرة الفنية من حيث التعاطي اللوني منصبة على قول اعتمالات مراد التي عرف بها ليكون العرض الجمالي في هذه التجربة مشيرا ودالا إلى عالم الفنان مراد الحرباوي في ضروب فنه وتلويناته المختلفة والتي يقف الزائر قدامها طويلا...
في المعرض أيضا وجدنا لوحات الفنان مراد الحرباوي الزيتية والتي تذهب في تجريديتها الباذخة قولا بسلطة الألوان وتعدد المعنى...
الحرباوي من مواليد 1970 وقد تعددت معارضه ومشاركاته الفنية بتونس وبعدد من البلدان العربية والأوروبية.. فنان يحاول ساعيا تجاه الفن بما هو سؤال قائم ومتحول ومفتوح.. وها هو يواصل التجربة... والمسار.
وفي هذا السياق تكرمه بلدته سليانة لتكون الدورة باسمه "دورة الفنان مراد الحرباوي" في يوم احتفائي به وذلك خلال يومي السبت والأحد 7و8 يوليو/تموز الجاري ضمن فعاليات الصالون الجهوي لنوادي الفنون التشكيلية والبصرية بدور الثقافة بإشراف وإعداد من قبل المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسليانة وذلك بالمركب الثقافي بسليانة.