سناء قولي .. رسالة حبّ وأمل لأطفالنا

الفنانة السورية تضخ للأعمار الصغيرة؛ الدّماء الصّافية النّقية التي تتحرك بشكلٍ مرتبٍ وجميل في لوحاتها.
الحرب السورية انقضّت على ممتلكاتها وحرقت ذكرياتها
لم يكن للفنانة من معيّل سوى موهبتها التي أغنتها عن حاجة في يوم ضيق

من خلال علاقتها الخاصة والصّادقة مع الطبيعة، مع الشّجر مع الحياة، وإيماناً بعظمة موهبتها، تضخ سناء قولي للأعمار الصغيرة؛ الدّماء الصّافية النّقية التي تتحرك بشكلٍ مرتبٍ وجميل في لوحاتها، لتنبض بالصحة والعافية والبهجة وترفع الذائقة الفنية لفن الطّفل حتى يرتقي المجتمع. 
الفن وراثة:
لُقبت بمدرستها الرّسامة، حاملة مُورثات عائلتها، فوالدتها هاوية للرسم، وكذلك إخوتها، وكان لهم الأثر الأكبر بتشجيعها وتنمية موهبتها التي رغبت بتدعيمها أكاديمياً إلا أن الفن في بلادها مرتبة ثانية بعد العلوم. رغم معاناتها من مرض أدى بها إلى الشلل واستخدام كرسي متحرك، وهي بعمر الخامسة والعشرين؛ أحاطت بالضّوء المنبعث من داخلها بالرعاية والاهتمام بعد تخرجها من جامعة دمشق، لرغبة بنفسها ولنفسها، متغلبة على مرضها بالإرادة والتحدي والفن. 
الأمل:
ومن الوجع تُولد الحياة؛ أتت الحرب السّورية والتهمت كلّ ما لذّ وطاب لها من أرواحٍ وممتلكاتٍ، وهي واحدة من الناس رمت الحرب ثقلها ومآسيها على حياتها إذ انقضّت على ممتلكاتها وحرقت ذكرياتها، ولم يكن لها من معيّل سوى موهبتها التي أغنتها عن حاجة في يوم ضيق، كالذهب الأصلي. 
أمّ بالفطرة:
ما تخُطه قولي حقيقي وواقعي نابع من علاقتها الجميلة مع موهبتها، وامتدادً لطفولتها وللطفل الموجود بداخلها، وَسط روح تنشد الهدوء والسكون ولا تجيد الظهور في الصخب أو الحزن. إضافتها للكولاج الشّقي الذي أنعش ذَاكرتنا وفتح أنفاسنا بانتماءاتها للبيئة السّورية والعربية، مما أعطى بُعداً واقعياً للوحاتها، حيث البراءة عنصر أساسي في أعمالها، والحب طيف لا يغادر خُطوطها والأمل بيت ألوانها، بإحساسٍ فاق إحساس الأم لطفلها، وهي أمّ لكل الأطفال، فالأنثى أمّ بالفطرة. 
اختارت قولي المكان والزمان والطريقة لتطلق الحرية لأحلامها لتطّير كفراشاتٍ مع القلوب الصغيرة الفرحة لثمرة صمدت أمام ريح، ولوردة ضلت الطّريق وزادت المكان جمالاً، باختيارها لمواضيع حارّةً تُدغدغ قلب الطّفل، عن دراسة وترصد؛ بتشكيلات بسيطة وعميقة بتكوينها، لرفع الذّائقة الفنية لبذرة الحضارة "الطّفل". 

طريقتها بالعمل:
لا حاجة لها لمعلّم؛ إذ تعمل بطريقتها الخاصة المدروسة بشكل جيد حيث تقرأ النّص أكثر من مرّة، وتدرس المواقف الرئيسية في القصّة، ثم تقسمها على عدد الصّفحات المطلوبة، وتكتب ماذا سترسم في كل صفحة، ثم ترسم الاسكتشات حتى تنتهي من كلّ صفحة. تعمل الآن على إدخال الحداثة إلى رسوماتها إلى جانب التبسيط من أجل التطوير، وقد نالت أعمالها إعجاب الكثيرين صغاراَ وكبارا!
سرّ سعادتها:
رؤيتها لأثر أعمالها على الأطفال وفرحتُهم حينما يرون لوحاتها أو رسوماتها في المجلات والكتب والمعارض، ومن الحوادث الّلطيفة الّتي حصلت معها أنّها وجدت رسماً لطفلة على الفيسبوك لفت نظرها، فكتبت لها تعليقاً جميلاً وشجعتها ولقبتها بالفنانة الصغيرة..  وما كان من والدتها إلا أن شكرتها، وأخبرتها أنّ طفلتها صارت ترقص من الفرح وتقول لها:  "إنها الفنانة سناء في كتاب الفنون تحدثني". وقد أدخل هذا التعليق السعادة إلى نفسها حين لمست بأن فنها يهب البهجة للأطفال، وهذا سر سعادتها واستمرارها.
كلمة أخيرة:
برأيها أن الفن سلاحنا لمواجهة الصّعاب، والحياة بدون الفن لا تعني شيئاً، ولن يصل الفنان إلى الرضى النهائي، وسيبقى دائما ينشد التطور والتجديد لأن الفنان إذا رضي عن نفسه فقد انتهى! على الفنان أن يتحلى بأسلوبٍ يميّزه عن سواه؛ والأفضل أن تكون الرسوم من بيئتنا العربية الغنية بكل المقاييس، ونبتعد عن التّقليد بأي شكل، فهناك فنّانون يقلّدون الرسوم اليابانية ذات العيون الكبيرة والحركة القوية الصّادمة، والبعض يقلّد الرسوم الفرنسية الشّفافة. 
من أشعارها:  "الكرة"
كرتي الحلوة ما أبهاهـا
تبهــج قلبـي في لقياهـا
أفـرح بالـلّعب واياهـا
مهمــا كبـرت لن أنساها
****
كرويّـة وبلـون الشفــق
أدفعهـا تعلــو في الأفـق
تحسبهـا طيرا" مـن ورق
وتعـود وتهبـط في ألق
****
ألقيـهــا تقفـز وتهــدّي
أحضنها كي تلمس خدّي
أهداني إياهـا جـدّي
لونهـا من ألـوان الـورد
يذكر أن سناء قولي - مواليد دمشق ١٩٥٤ إجازة علوم طبيعية حيوية كيميائية من جامعة دمشق عام ١٩٧٨، وعضو نقابة الفنون الجميلة عام ١٩٩٣، أقامت معارض فردية، وشاركت في الكثير من المعارض الجماعية، وحصلت على الجائزة الأولى عام ١٩٩٥. وضعت أعمالها في منهاج الصّف الثالث الابتدائي للجمهورية العربية السورية، كما علّمت الفنون لعدد كبير من الأطفال، ورسمت أكثر من ٤٥ كتاباً للأطفال لدور نشر مختلفة في سوريا وفي البلدان العربية، وعملت في تصميم الإعلانات وأغلفة الكتب وبطاقات الأعياد، ومن مشاريعها المستقبلية إصدار ديوان شعر للأطفال من نظمها ورسوماتها.