من حلاوة الروح رشيق سليمان يخرج منتصراً

الكاتب السوري يدرك بأن ولادة أي عمل أدبي هو بمثابة امتحان رباني لبقائه.
علاقة الكاتب مع الكتابة لا تخلو من شد ورخي
كل نص لا يلامس وجع القارئ هو نص غير مكتمل

يدرك الكاتب رشيق سليمان بأن ولادة أي عمل أدبي هو بمثابة امتحان رباني لبقائه، وبأنه يكتب نعوته بنفسه مع كل ولادة جديدة، وبعين راضية وعقل صاف، يتابع، ويخط طريقه؛ يمكن لأن موهبة الكتابة لعنة لا تفارقه حتى لو شعر بقشعريرة مغادرة الروح للجسد، فهناك أماكن حتى لو انتصرت فيها أنت خاسر. 
علاقة الكاتب مع الكتابة لا تخلو من شد ورخي، بالنسبة له هي لحظة شعور ضاق عليه قلبه، زاد عن حده ففاض وسُكِبَ على الورق، وليس هناك تعريف قطعي للكتابة فقد تكون في لحظة ما عبادة وفي اللحظة التي تليها إلحاد، ويقول الشعراء هي لحظة وحي في حين يفاخر الروائيون بأنها المسافة الفاصلة بين الوعي واللاوعي.
السلام الحروفي
الكتابة فعل شاق؛ بل مجموعة أفعال شاقة تقوم بها في آن... أن تحزن وتفرح؛ تبكي وتضحك؛ تركض وتتوقف؛ تصفع وتُصفَع وتبلع الوجع وتتقيأه. المشكلة الأساسية في الكتابة أنك كلما تقيأت وجعاً نبت آخر في إحدى مساماتك، لا تعطي الكتابة بقدر ما تأخذ ولا تأخذ بقدر ما تعطي، هي لحظة ضعف، من يعتقد أن الكتابة قوة إنطلاقا من مواجهة الألم هو واهم. أن تكتب يعني أن تستلم لوجعك. أن تكون شفافاً وصادقاً للحد الذي تبرز فيه كل لحظة وجع عشتها يوماً دون أن تقاومها. عليك أن تعيشها مرة أخرى وبذات الألم. الكتابة استسلام تام.
رشيق الشاب
خانته الذاكرة حين بحث عن التوقيت الأول للكتابة، أو الولادة الأولى، لكن كل ما يمكنه تذكره أنه منذ صغره كان لديه شعور دقيق، شعور تجاه أي شيء يحدث أمامه، وهذا الشعور هو غالباً ما دفعه للكتابة، لكنه يعتقد أن أول قصة كتبها كانت عام 2009،  قصة مكتملة العناصر ومرضية لرشيق الشاب حينها، وعنونها حينها: حلم بعيد.

novel
الكتابة لا تخلو من شد ورخي

وقود الكتابة
تابع: بالتأكيد الإنسان ابن بيئته، سواء كان كاتباً أو أي مهنة أخرى، بالنسبة له، أكثر ما أثر فيّه كإنسان أولاً وككاتب ثانياً هو والده، الشاعر عزالدين سليمان، وباعتباره شاعراً فيمكن القول إنه تربى منذ الصغر على القراءة، قراءة الشعر والرواية والقصة والتاريخ والدراسات. كل قصة وكل حدث وكل نفس وكل موقف وكل صباح له دور في تجربته الأدبية، وقال "لو أني أعيش بمعزل عن الحياة الإجتماعية، فغالباً ستموت الموهبة وستفنى رغبتي بالكتابة. إن ما يغذي موهبة الكاتب هي المواقف التي تحصل معه والأحاديث التي يجريها مع الناس أو تلك التي يسمعها من هنا وهناك. حكايات الجدّات والأمهات، السهرات مع الجيران. كيف لي أن أكتب عن وجع الناس من دون الرجوع للناس؟!"
البوصلة
القارئ هو بوصلته، وليكون أكثر دقة؛ وجعه هو بوصلته، كل نص لا يلامس وجع القارئ هو نص غير مكتمل، طبعا يتوجه للقارئ العادي.. قطعاً لا يكتب للنخبة؛ ولا للنقاد،  سابقاً كان والده الشاعر عزالدين سليمان هو من يدقق لغوياً كل ما يكتبه، الآن لا أحد يفعلها؛ ولا يريد لأحد أن يفعلها .
السلام المرتجى
القراءة المستمرة من أهم أعمدة الكتابة، فالكتابة تتطور مع الزمن كما كل شيء، وعلى الكاتب مواكبة هذا التطور، ويتم ذلك بالقراءة، إنه يكتب القصة القصيرة ويجد متعة كبيرة في كتابتها، لكن الرواية تعطي مساحة أكبر للكتابة عن قضايا متشابكة لا يمكن الفصل بينها، والعمل الروائي متعب ويقضم من روح الكاتب لكن يهبه متعة منقطعة النظير، في النهاية قد يهبه سلاماً مرتجى، وإن كانت قراءة الرواية بالنسبة للقارئ هي سفر نحو عوالم أخرى، فإن كتابة الرواية بالنسبة للكاتب هي لجوء وملاذ وهروب، وفيها يضع الكاتب جميع ما يعتلج في صدره من شعور. 
ووضح: بأنه من الصعب اليوم الفصل بين الأنماط الأدبية، حيث نجد القصة الشعرية والقصيدة القصة وأيضاً الرواية الغنائية، لكن يبقى لكل نمط أسلوبه المتفرد وقواعده الخاصة به التي يحاول القائمون عليه التمسك بها  وربما لهذا لا نجد أنماطاً جديدة في الأدب. الدهشة أحد أهم عناصر العمل الأدبي، قد تكون الدهشة في الحدث وقد يدهشنا كاتب في لغته وآخر في شعوره والحامل الأول للرواية هو الشعور.
وبين: كل نص لا يحمل نقداً لا بارك الله في الحبر الذي كتب به؛ ليكون ناجحاً على الكاتب أن يملك عيناً تسمع وأذناً ترى ويدا تتذوق، على الكاتب لكي ينجح أن يقتل أناه كل صباح، أن يبتلع جراحه الشخصية، عليه أن يشعر بالآخر للحد الذي يبكيه إن توجّع ويسعده إن فرح، وكل من يقرأ له يتأثر به، حتى الكتب الرديئة قد تضيف للكاتب شيئاً مهماً، حيث يمكنه من خلالها أن يعرف مكمن الخطأ الذي وقع فيه كاتبه، والقراءة هي أهم أعمدة الكتابة، ومنها يعبئ الكاتب مخزونه الأدبي من مفردات لغوية وصور ومعان جديدة حتى لافتات المحلات قد تثري لغة الكاتب. 
 وعن روايته خريف الدفلى الفائزة بالمرتبة الأولى في جائزة حنا مينا للرواية الصادرة عن الهيئة السورية للكتاب لهذا العام قال: عندما كتبت روايتي الأولى "ضفاف شعر" كأنه كتبت قصيدة طويلة، أما في روايتي "خريف الدفلى" كنت أحلق في فضاء أبعد من الشعر وأبعد من الرواية.  فضاء من وجع يدٍ من حنين ويدٍ من أنين. كُتبت بالكثير من الشوق إلّا أنني لم أتوقع فوزها بجائزة حنّا مينا...  أقلّها المرتبة الأولى...  أرسلتّ المخطوط مع صديق لأني بعيد عن دمشق، وهذا الصديق أعطاها لصديقة وهي قامت بمهمة إيصالها للمعنيين بالمسابقة وكان ذلك في اليوم الأخير للتقديم للمسابقة. جاء الخبر مفرحاً كدفقِ شلال.. نقياً كارتجاف عاشق..  فجائياً كلحظة برق... مغرياً كتفتح زنبقة أول الربيع .
واستكمل: "خريف الدفلى" تركز على مدى هشاشة الأحلام ومدى تقزّمها أمام ما نفقد أثناء سعينا نحو تحقيقها... الحنين.. الفقد.. الحرمان.. الفقر.. الموت.. الحرب.. والحب! "خريف الدفلى" رواية من عمق الجرح.. لكنها لا تضمده..هي فقط تفتقه مراراً حتى تعتاد عليه.
وعن خفاياها قال: عام وأكثر من نصف العام أقلعتُ فيها مراراُ عن الكتابة، وقررت كثيراُ نسفها كلّياً، كادت تُنهيني قبل أن أنهيها، في مشاهد كثيرة وقفتُ عاحزاً أبكم القلم لأنها ببساطة تمسني شخصيا. كثيراً ما فتحت الكمبيوتر وجلستُ ساعات دون أن أكتب سطراً ثم أغلقه غاضباً من الرواية ومني، ولمّا أقفلتُ بابها كانت قد فُتحتْ أبواب كثيرة بداخلي، أبواب تقود جميعها نحو الوجع. بالطبع قرأها العديد من الأصدقاء وخلال كتابتها بحيث ما أكاد أنهي فصلاً من فصولها حتى أرسلها للأصدقاء المقربين، والذين كان لهم دور مهم وقطعي في متابعة الكتابة.  

novel
أي إنسان يسعى للتكريم والجوائز 

 وعن وجود المرأة في كتاباته قال: من يقرأ ضفاف الخطيئة يدرك جيداً أن للمرأة وقضاياها الحيز الأكبر في كتاباتي، كيف لا أكتب عن المرأة ولها، وقد حبلت بي امرأة وأرضعتني امرأة وكبرتني إمرأة ... وأي امرأة! 
الملتقيات الأدبية
المشكلة في الملتقيات الأدبية أنها قائمة على العلاقات الشخصية، لكل ملتقى أدبي رواده المحددون، ولكل منبر أدبي فرسانه الذين لا يتغيرون ولا يترجلون، ولا يقاتلون أيضاً. وقال: "جرّب مرة أن تذهب إلى ملتقى أدبي .. في المرة الثانية إن ذهبت ستجد ذات الوجوه، وذات الأصوات التي ستعتلي المنبر.. هو احتكار ثقافي قد يودي إلى التعفن" .
ويضيف: لا شك أن أي إنسان يسعى للتكريم والجوائز  لكن لا يجب أن تكون الكتابة بقصد جائزة هنا، وتكريم هنا، لكن تبقى الجوائز عاملاً فاعلاً ودافعاً وحافزاً قوياً للكاتب في متابعة الكتابة.
أعماله
رواية "ضفاف الخطيئة" كانت الابنة الأولى2017 ، المجموعة القصصية "أريد شمساً"2020 ، ورواية "خريف الدفلى" الفائزة بجائزة حنا مينا لهذا العام.
رشيق الشاب يشكر كل من أمسك بيده وهمس في أذنه، كل قارئ أعطاه من وقته ليقرأ ما أكتب، كل من يدعم الأدب والفن والحياة، الحياة بمفهومها الجميل.
يذكر أن: رشيق عزالدين سليمان تولد 1987 - سوريا - حماه – الغاب.